453
082
0262
0189
0118
0148
0169
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11769
04707
04351
174206
03818
0
بينهما تتنقل الذائقة الشعرية لتقرر مصير البيت الشعري في الهجاء فالمعنى يفرض نفسه والأثر يدل على الطريق والكلمة الجميلة عكسها يقسو على الأذن السوية ويشوه ذائقتها ، لذا نستحضر مجامع الحروف ونبين جانباً آخراً ليس خفياً لكنه يستظل تحت قدرة الشعراء وصورهم الشعرية المبهرة ، وهو أن أبشع ما قالته العرب شعراً (الهجاء ).
غرضٌ فرضته طبيعة النفس البشرية التواقة للانتصار على الآخر بجمل شعرية مدهشة تشبع رغباتهم وفضولهم.
بدأ في العصر الجاهلي وازدهر في العصر الأموي على يد فحول الشعراء وفتحوا بابه على مصراعيه للحط من قيمة وقدر الخصوم والنيل منهم واثبات مقدرتهم الشعرية أمام الخلفاء والوجهاء وعامة الناس ، يصل في كثيرٍ من الأحيان للفجور في الخصومة والتهجم على أمهات وآباء بعضهم البعض.
وقد يستغرب عشاق الصور الشعرية المبهرة في قصائد الهجاء من قول بشاعة هذا اللون المؤثر في الذائقة البشرية ويخلطون بين الهجاء لنصرة الحق ونصرة الأمة في حروبها وردع الظالم والظلم وكشفه للناس بأسلوب شعري مؤثر وبين الهجاء الغير مبرر للمجتمعات والقبائل والأشخاص للنيل منهم والحط من قدرهم.
لذا يتعجب المتلقي كيف لهذا الغرض الصارخ في تاريخ الأدب العربي أن يتمكن من الذائقة ويأخذها في صفه وكيف تمكن شعراؤه بجزالتهم وقوتهم أن يقنعوا الأذن العاشقة للحب والجمال وكلمات الغزل أن يتقبلوه بكثيرٍ من الإعجاب والحفظ والتداول ، ولن ندخل القارئ المتذوق للجملة الشعرية ورقتها في متاهة النقد وأسرار النقائض وكمائنها والمعارضات وما دار حولها ومن كان يشحذها ولكننا نطرح وجهة نظر تتماشى مع القيم والمثل والأخلاق برغم دهشة الصور الشعرية وقوة الهجاء التي سيطرت على عقول الناس في فترات متعددة من العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث.
الهجاء إن لم يكن في مصلحة الأمة أو مصلحة قضية مشروعة تخدمها فهو غرضٌ يعتدي على القيم الأخلاقية والصفات التي جعلها الله في خلقه وربما يتخذ حكم التحريم فالمسلم أخو المسلم لا يحقره ولا يشتمه ولا يظلمه ولا يفجر في الخصومة معه إلا من يستحقه من الأعداء الذين يتسلطون ويُعلم تسلطهم ، تلك مقومات وحدود تحافظ على نسق العلاقة الكريمة بين الناس وتمنع من الوصول لأعراضهم وكرامتهم.
من أعلام هذا الشعر الصارخ الفرزدق وجرير والأخطل بل هم رموزه الذين مارسوا الهجاء بصفة مفتوحة دون قيود ، ورددته العرب وتناقلوه في كل عصر ومكان وحفظته الكتب ، ولن أذكر هنا أمثلةً من بعض ما قالوه في آباء وأمهات بعضهم وزوجاتهم فهي متوفرة في الدواوين وفي الكتب المهتمة بالشعر العربي.
ولا بد من استثناء الهجاء المستحب الذي يكون نصرةً للحق ودعماً مباشراً للمعارك الحربية التي تقودها الأمة ضد أعدائها لخفض معنويات العدو ، كما كان يفعل حسان بن ثابت رضي الله عنه :
إذ قال له النبي عليه الصلاة والسلام : ( اهجهم فو الذي نفسي بيده إنه لأشد عليهم من وقع النبل ).
ومن المعلوم أن الشعر كان هو الوسيلة الإعلامية الفاعلة التي تثير الحماس وتلهب الأفئدة وتؤرخ وقائع الحروب وتصفها للغير وللأجيال القادمة ، وهذا يدل على عظيم أثر الهجاء في الخصوم ولذلك لا ينبغي أن يطلق له العنان إلا في حدوده الضيقة وليس بغرض الجوائز ومناظرات الشعر عند الأمراء والوجهاء وفي الحفلات العامة والمناسبات والتحديات بين الشعراء.
قد تكون الصورة الشعرية جميلة ومدهشة بحد ذاتها والنفس البشرية جلبت على الإعجاب بالنوادر من القول والشاذ منه وتواقة للنقد والتجريح أو التعصب القبلي لطرفٍ دون آخر كما يحدث في أيامنا هذه بين شعراء المحاورة الشعبية وملاحقة الجماهيرٍ قليلة الوعيلهم في كل حفلٍ ومناسبة لإشباع رغباتهم بالانتصار على الغير ولو كان انتصاراً وهمياً مؤقتاً لا قيمة له ، خصوصاً وقد أصبحت المجتمعات تعيش تحت ظل دولة مؤسسات ووزارات عامة والناس متساوون في الحقوق والواجبات.
لقد كان شعراء النقائض والهجاء بمثابة القنوات الفضائية اليوم لما في هذه القنوات من تجاوزات وتهكم بالشعوب التي لا تروق لها ولا تتبع سياسة مصالحها ومصالح من أطلقها عبر الفضاء.
وبذلك نجد أن هجاء الشعراء لبعضهم البعض ولمجتمعاتهم وقبائلهم مشهد لا أخلاقي جمَّله لنا التاريخ الأدبي وحسنه الرواة واستمتع به رواد بلاط الخلفاء والأمراء ودفعت لأجله الهبات والعطايا فبقدر ما تهجو أو تمدح تُمنح ، فضلاً عن أن شعر الهجاء تغلب عليه الجلافة والبغضاء والحسد والغيرة .
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
«إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ»
والمداح هنا بصيغة المبالغة من المادح بما ليس في الممدوح ، فماذا سوف يقول لو سمع ما قاله شعراء الهجاء لبعضهم البعض ولغيرهم من فحش القول وجلافة الأسلوب والفجور في الخصومة ؟!.
وعندما يذكر الهجاء يظهر أمامنا في الخارطة الذهنية العملاقان الفرزدق وجرير وما حصل بينهما كشاعرين كبيرين تمرسا على الهجاء والفخر وضرب كل منهما صاحبه بسهام الكلمة.
ومن الهجاء الذي تميز به بعض الشعراء هجاء النفس كما كان يفعل الحطيئة فبعد أن انتهى من خصومه رجع على نفسه فهجاها كإدمانٍ لا يستطيع التخلص منه فهزأ بنفسه بعد أن هجا أمه وأباه ، وقد ورد عن الفاروق رضي الله عنه أنه سجنه ومنعه من قول الشعر فترة من الزمن ،
وهنا يؤكد الحطيئة على إدمان شعراء الهجاء لهذا اللون الرمادي من شعر العرب وأنه من كلام الشر إذ يقول :
أبت شفتاي اليوم ألا تكلُّما
بشرٍّ فما أدري لمن أنا قائلُه
أرى لي وجهاً شوَّه اللهُ خلقَهَ
فقُبِّحَ مِن وجهٍ وقُبِّحَ حامِلُه
وهذان البيتان لأبي دلامة يذم فيهما نفسه.
جمعتُ دمامةً وجمعتُ لؤماً
كذاك اللؤم تتبعهٌ الدمامة
إذا لبس العمامة قلت قرداً
وخنزيراً إذا نزع العمامة
وقد نأخذ هذا الابتذال من باب الطرفة لدى أبي دلامة ، ونختم به لنبرهن أن التجريح سهل البناء ، بينما الكلمة الجميلة لا يتقنها سوى كل جميل.
إضاءة
الشعرُ مملكةُ القلوبِ ونبضها
وحديقةُ الأفكارِ حين نزورُها
وإنِ اشتهيت من البلاغةِ جرعةً
فالشعر مندوبُ القريضِ يديرُها
*كاتب وشاعر سعودي
التعليقات