511
01526
0535
0358
02369
018
041
0132
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11822
04784
04756
04676
04416
17
لا يوجد حدث تاريخي على الإطلاق إلا ويكون الاختلاف حاضراً فيه أو في جزءٍ منه مما يؤثر سلباً في الصورة الذهنية للمتلقي للمعلومة عن الحدث نفسه، وربما يكون الاختلاف متعدد الجوانب وقد يتطور ليصبح تضارباً في ورود المعلومة مما يستدعي النزاع حولها، أو يكون الاختلاف في زمن الحدث ومكانه أو يكون حول أبطاله وتعدد أسمائهم أو في تعدد نصوص رواياته الناقلة له وتشابهها، وفي كثير من الأحيان يشتد الاختلاف ويتحول إلى خلاف وصراع ومحاولة نزع المصداقية عن حدوثه أصلاً والتقليل من أهمية هذا الحدث أو ذاك، وقد يتشعب الحدث الواحد لعدة أحداث إذ يجد القارئ الفطن نفسه في حيرة من أمره في المزج العجيب بين المتشابهات والشخصيات التي تتواجد في ذات الحدث برغم اختلاف الزمان والمكان، فيلجأ لاختيار الأنسب مع افتراض أن يترك ما تشابه عليه أو الاقتراب من النقاط المتقاطعة للمعلومة بحسب ورودها وأيها أقرب لمنطق الأمور وظروف الحدث نفسه.
ولو أخذنا أحداثاً تمثل الأدب العربي والثقافة قديماً لرأينا حجم الاختلاف الكبير بين المؤرخين في مكان وزمن هذه الأحداث، وسوق عكاظ أقرب مثال لذلك حيث اختلف المؤرخون في المكان الذي كان يقام فيه سوق عكاظ قديماً حتى رجحت اللجنة المناطة بتحديد مكانه بتوجيهٍ من الجهات الرسمية وفقاً لبعض الآثار التي قيل أنها تدل على مكانه تقريباً برغم عدم الاتفاق عليه من بعض المؤرخين والمتابعين.
أقيم سوق عكاظ بعد إحيائه من جديد في مكانه الذي حددته اللجنة مؤخراً مع وجود صورة ذهنية لدى الكثيرين بأنه ربما يكون في مكانٍ آخر من المنطقة الواقعة بين مكة المكرمة والطائف.
والمثال الثاني هو الاختلاف حول المعلقات ولو لم يظهر على السطح بشكل أكبر، وهل علقت فعلاً على أستار الكعبة المشرفة أم لم تعلق أصلاً وافتراض أن رواية تعليقها مجرد تأليفٍ من بعض المؤرخين لغرض في نفسه كما يقول المخالفون وهذا مشكوكٌ فيه أيضاً، ثم يأتي اختلاف جزئي في حال تأكيد تعليقها، هل هي سبع معلقات أم هي عشر معلقات، وبذلك تتشوه الصورة الذهنية لدى الكثيرين عن المعلقات مما يستدعي حضور علامة استفهام برغم أن ترجيح العلماء والمؤرخين يؤكد تعليقها.
ولعل الاختلاف في الأمور الثقافية والتراثية أخف وطأة من الاختلاف في الأمور العقائدية والفكرية.
ولو تطرقنا لأبعد من سوق عكاظ والمعلقات والشعر الجاهلي والأموي والعباسي، وذهبنا لأهم من الشأن الأدبي والتراثي وهو الحديث النبوي الشريف وأقوال أهل البيت والصحابة رضوان الله عليهم جميعاً لرأينا مدى الاختلاف في أحداث تلك الفترة وما حصل من نزاعاتٍ وصراعاتٍ أدت لحروب وانقسامات تدفع ثمنها الأمة إلى اليوم.
كما أن رواية الحديث الشريف وتباين بعض النصوص واختلافها وعدم مصداقية بعض الرواة سببت إشكاليةً كبيرةً في تطبيق الشريعة وأحكامها.
ومع كامل التقدير والإكبار لجهود علماء الحديث ورجال الجرح والتعديل والتمحيص والإسناد وكل مصطلحات هذا العلم الرائد، إلا أن الاختلاف قد أوصل طلبة العلم والمتلقين وأهل المذاهب إلى خلافات وصراعات يتقاتلون عليها فكرياً ومذهبياً وطائفياً.
ولذلك نرى أن المسلمين لم يتفقوا إلا على صحة القرآن الكريم باعتبار أن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظه: ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ).
كما لا نغفل أن كتابي البخاري ومسلم قد اتفق عليهما أهل السنة والجماعة وأنهما مصدر ثقة لديهم والاختلاف فقط يكمن في تكملة حديث أو نقص آخر في بعض العبارات التي لا تخرج الحديث عن صحته كما وردت، ومع ذلك ظهر من يشكك في مصداقية بعض أحاديث مسلم والبخاري.
ولعل سبب الاختلاف في أحداث التاريخ نتج عن ضعف التدوين قديماً وعدم التوثيق بشكلٍ جيد وتضارب كلام البشر وأهوائهم وتوظيف الولاة والحكام للنصوص والاستفادة من بعضها، وما يدور في بلاط الخلفاء من أفكار وتوجهات تعرض عليهم من العلماء والمؤرخين تارةً أو تصلهم من المستشارين وأهل الحل والعقد تارةً أخرى في تلك الحقب الزمنية.
إضاءة :
الودُّ يفسدهُ التباينُ في الرؤى
والشرُّ يكمنُ في اختلافِ الناسِ
حتى إذا كان الخلافُ شريعةً
بدأ الصراعُ وعمَّ شرُّ البأسِ
*شاعر وكاتب سعودي
التعليقات