مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

اعتمد الشعراء العرب منذ القدم على توظيف الطبيعة في شعرهم، واستقوا منها أفكارهم، …

الطبيعة والشعر

منذ سنتين

405

0

اعتمد الشعراء العرب منذ القدم على توظيف الطبيعة في شعرهم، واستقوا منها أفكارهم، ورسموا أجمل المعاني وروائع الدلالات؛ لأن سحر المكان له أثره على العربي، فجمال البحر وشواطئه، والسحاب و رعده وبرقه، والصحراء بكثبانها ووديانها وجبالها ونباتها وكائناتها الحية، تجعل الشعراء يتسابقون على وصفها، مما يدل على أن البيئة هي جسر العبور لكل شاعر، فقد ظهرت الطبيعة في كل موضوعات الشعر، ففي الغزل يتغنون بجمال عيون المها وطول عنق الغزال، وفي الوصف لا غنى لهم عن الطبيعة، وجمال أزهارها وورودها، وبشائر المطر والسحاب، وقوة الجبال وصلابتها، وعبق النسيم ورائحته الزكية، فلم يتركوا منظرًا ولا جمادًا إلا وظّفوه في أشعارهم، أما الرثاء فجعلوا الوحوش المفترسة في صورة الموت المغيب للحياة، وفي المدح شبّهوا الممدوح بالبحر مترامي الأطراف المليء بالدرر والجواهر وبهدوئه رمزًا للكرم، وارتفاع أمواجه الهائجة رمزًا لقوته وبطشه بالأعداء، والتشبيه بالجبل دليل على صلابته وتحمُّله للشدائد، أو الغيث المحيي للأرض اليابسة، وتناولوا الحيوانات البرية والطيور، فمثلًا رمزية الأسد تحمل إشارات القوة والشجاعة والسلطة والهيمنة، لذلك للبيئة دور كبير في تكوين شخصية الشاعر وثقافته، ولها بالغ الأثر في تركيبات معجمه اللغوي وتنوُّع أساليبه في تناول الموضوعات، ومن أمثلة ذلك ما ذُكر عن علي بن الجهم عندما أتى الخليفة المتوكل قائلًا:

أنت كالكلب في حفظه للود

وكالتيس في قراع الخطوب

وما إن انتهى حتى حاول الحراس قتله، فنهاهم الخليفة عن ذلك، وقال: ابنوا له قصرًا على نهر دجلة، وعد إليّ بعد عام، وبعد عام عاد إليه منشدًا:

عيون المها بين الرصافة والجسر

جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

  وهذا دليل واضح على دور البيئة في تكوين شخصية الشاعر وثقافته، فهو ابن الصحراء الذي لم يرَ أوفى من الكلب ولا أشجع من التيس، ولكنه عندما عاش حياة الحاضرة تغيَّر تعاطيه مع الألفاظ والأفكار والمعاني، فإذن الشاعر ابن بيئته التي تُشكِّل مضامينه الشعرية.

*كاتب من السعودية

الكلمات المفتاحية

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود