276
0386
0507
0248
0221
018
041
0132
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11822
04785
04756
04676
04416
17
يعلم الجميع أن الشعر يلامس مشاعر وأحاسيس المتلقّي ويحرّك أشجانه، وهنا يتبادر إلى أذهاننا سؤال: لماذا هذا التأثير في المتلقّي أكثر من غيره؟ ألا نقلّل بذلك من دور الأجناس الأدبيّة الأخرى؟! ولكن ما نجده فعلًا أن الشعر يوقظ ما بداخل الإنسان من مواجع وأفراح وذكريات ويشعل عواطفه الهادئة، وهل هذا الشيء مختصٌّ بالإنسان العربي بالذات؟ نحن كعرب نتأثّر بالشعر بشكل كبير جدًا بجميع أغراضه سواءً المدح أو الغزل أو الرثاء أو الوصف والحكمة وكذلك الهجاء، فمثلًا في غرض الغزل قال كثيّر عزّة:
ألا إنما ليلى عصى خيزرانة |
|
إذا لمسوها بالأكفّ تلين |
فعاب عليه بشار بن برد هذا القول وقال: لقد جعلها جافية خشنة، بعد أن جعلها عصا، ألا قال كما قلت:
إذا قامت لمشيتها تثنّت |
|
كأنّ عظامها من خيزران |
وبغض النظر عن نقد بشار إلا أنّ للبيتين تأثيرهما على المتلقّي؛ لأن طول الخيزرانة وتمايلها وسهولة انعطافها بحيث لا تنكسر، هي من سمات الجمال، التي وُصفت بها المرأة الحسناء، مع أنَّ لكل متلقٍ اعتباره الخاص ونظرته الخاصة فيما يناسبه ومدى تأثره وانفعاله بما يسمع أو يقرأ، فقد يكون وقْعُ البيت الواحد لديه عن قصيدة، كما قال كعب بن زهير في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:
إن الرسول لنور يُستضَاء به |
|
مهنّد من سيوف الله مسلول |
لهذا البيت وقعه وتقديره وتعظيمه في نفوسنا كمسلمين، ونبينا –صلى الله عليه وسلم– قال عن الشعر: ((إن من البيان لسحرًا، وإن من الشعر لحكمًا))، وذُكر في طبقات فحول الشعراء أنه: (ديوان علمهم، ومنتهى حكمهم، وبه يأخذون، وإليه يصيرون)، ولا أحد يجهل المعلقات ومطالعها المعروفة، وبناءً عليه فالمتلقُّون فئات، منهم الحكام والخلفاء والزعماء والعلماء والأدباء والنقّاد وعامة الناس، ومن البديهيّ أن الحكّام والخلفاء لم يكن تلقيهم للشعر تقليدًا رئاسيًّا أو عُرْفًا لأهل السلطان، وإنما كان رغبةً منهم واستمتاعًا بتذوُّق الشعر، كما كان يفعل الفرزدق وجرير والأخطل وأبو تمام والبحتري والمتنبي وغيرهم الكثير في مجالس أمراء بني أمية وبني العباس ولم تتغيّر هذه العادة إلى عصرنا الحديث، ولم يفارق الشعر مجالس الملوك والأمراء على مرّ العصور، أما فئة العلماء والأدباء والنقّاد، فهي الفئة التي تهتمّ به بدرجة عالية من ناحية الاستمتاع الأدبيّ واللذة اللغويّة، وهم الذين يبحثون عنه طلبًا للفائدة العلمية بجميع أشكالها، وتتميّز هذه الفئة بمتابعة جميع الأجناس الأدبيّة من شعر وسرد ونقد؛ ليجعلوها مادة من مواد مؤلفاتهم ومصدرًا من مصدرها، ويتناولونها بالتحليل والتفسير والتأويل والنقد والموازنة، ونجد التلقّي عند العامّة يسير على نهج القدماء في نقله وتداوله، ويعتبر ظاهرةً اجتماعيّة محبوبة يعشقها العرب وتلازمهم، والدليل على هذا العشق ليالي ومجالس السمر الشعرية قديمًا التي أصبحت في عصرنا الحديث على شكل أمسيات وندوات من خلال الصالونات والأندية الأدبية والتي اعتنت بجميع الأجناس، لذلك الشعر أسرع الأجناس الأدبية وأقواها تأثيرًا على قلب المتلقّي، ومن أكبر الأدلة على ذلك بقاء أسماء فطاحلة الشعراء وقصائدهم من العصر الجاهلي إلى عصرنا هذا محفوظة ولن تُنسَى ولن تضيع؛ لما لها من قيمة أدبية كبيرة، ولا زالت تُدرس وتُحلَّل وتُفسَّر بطرق ومناهج علمية حديثة، ومن هنا يتضح أن تأثير الشعر على المتلقّي يحتاج لبحث مستقلٍّ للوصول لنتائج دقيقة ومفيدة، وأقرب تلك المناهج نظرية التلقّي المعروفة.
*كاتب من السعودية
التعليقات