478
0298
0834
0589
0653
08
0116
0151
042
0256
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11782
04712
04363
174286
03948
0إيمان زكى عمر افندى*
تدور أحداث قصتنا في قرية هادئة وجميلة على حدود محمية الدندر، جنوب شرق السودان، تحيطها الغابات من كل جانب، يعرف الجميع فيها بعضهم بعضا، ويعيشون معا في ترابط ووئام، ونادرا ما يغادر أحد منهم تلك القرية، فهم يعتمدون في عيشهم على ما يزرعون، كما أنه يكثر لديهم رعي الغنم، وتربية الدواجن والأرانب في منازلهم.
وكان من أهل هذه القرية رجل عجوز واسع المعرفة والاطلاع، يمتلك مكتبة قيمة كانت هي الوحيدة الموجودة في القرية آنذاك، وكان يحب أن يقضي معظم وقته فيها.
ويعيش مع ذلك العجوز الحكيم حفيد صغير في الثانية عشرة من عمره اسمه نوح، وكان نوح يجتمع هو ورفاقه كل يوم في الصباح في ساحة القرية يلعبون ويمرحون ويستمتعون بوقتهم، ولكن شيئا واحدا كان يكدر على الفتى استمتاعه، وهو ضرورة عودته إلى البيت عند الغروب، وذلك هو أمر جده الذي كان يفرض عليه أن يمضي كل يوم ساعتين في المطالعة والتعلم، فقد كان يعلمه بنفسه الحساب والقراءة والكتابة، كما كان يقرأ له في كتب التاريخ والجغرافيا وغيرهما من العلوم، وأحيانا يقص عليه بعض القصص المفيدة.
ولكنّ هاتين الساعتين كانتا تمران على نوح كأنهما دهر من العقاب، وكم من مرة ألح نوح على جده أن يتركه ليواصل اللعب مع أصحابه، لكن جده كان يرفض طلبه هذا، ويقول له دائما: «يا نوح، لكي تستطيع أن تعيش فوق هذه الأرض وتحت سمائها، عليك أن تعرف أسرارها».
مرت الأيام والجد مصمم على أن يتعلم نوح أكبر قدر من العلوم والمعارف، ونوح ممتعض من ذلك، ولكنه في الوقت ذاته لا يستطيع أن يرفض لجده طلبا، فقد كان هو كل عائلته، كما أنه كان يُكنّ له حبا كبيرا.
وفي صباح أحد الأيام، بينما كان نوح ورفاقه يلعبون على مشارف الغابة، ظهر لهم غزال صغير واسع العينين رشيق القوام، وما إن رآهم ذلك الغزال حتى ذُعر، وراح يجري منهم، فما كان من نوح ورفاقه إلا أن تبعوه وهم في قمة المرح يضحكون وهم يجرون خلفه ويجرون، حتى اختفى الغزال عن أنظارهم.
ألقى نوح وأصدقاؤه بأنفسهم على العشب الأخضر، فقد أنهكهم الركض خلف الغزال. وبعد فترة ليست بالطويلة تذكر نوح أن عليه العودة إلى المنزل، فقد شارفت الشمس على المغيب، واقترب موعده مع جده، فأخبر رفاقه بذلك، وما إن هموا بالعودة حتى أدركوا أنهم قد ضلوا طريقهم.
أصاب الجميع حالة من الفزع الشديد، فقد كانت الغابة تلفهم من كل جهة، وهم لا يعرفون سبيلا للخروج، ومن شدة الخوف تذكر الأولاد القصص التي كانت تُحكى لهم من أهلهم عن أشخاص دخلوا الغابة، ولم يرجعوا، وآخرين أكلتهم وحوش الغابة، وأخذ بعضهم في البكاء. لكن ما جعلهم يتوقفون عن ذلك هو ما رأوا من حالة نوح، فقد كان ينظر إلى السماء، وكأنه يبحث عن شيء معين، وجعل يتمتم بكلمات غريبة لم يفهمها أحد منهم، والأكثر غرابة من ذلك هو أنه التقط غصنا من الأرض، وخلع قميصه، وعلقه عليه، ورفعه عاليا بكلتا يديه، كل هذا وسط دهشة الفتية الذين ظنوا أن نوحا قد أصابه الجنون من شدة الخوف، فراحوا يطَمئنونه لعله يهدأ، ويقولون له: لا شك أن أهل القرية سيأتون للبحث عنا، فلا تخف يا نوح. لكن نوحا نظر إلى السماء، وقال لهم: إن جدي يقول: إن النجم القطبي دائما في اتجاه الشمال، وإن قريتنا تهب عليها رياح شمالية. استغرب الرفاق، وسألوا أنفسهم: ما هذا الكلام الذي يهذي به؟! وبعد لحظات تهلل وجه نوح، وعلته ابتسامة اطمئنان، فصاح فيهم فرِحا: هيا بنا، سوف أخرجكم من الغابة. لم يصدق الأولاد في بادئ الأمر، وترددوا قليلا، ولكنهم في النهاية انصاعوا لكلام نوح، وساروا خلفه، فقد كان يتحدث بثقة كبيرة.
وبعد ما يقرب من نصف الساعة لاحت لهم في الأفق أضواء قريتهم، فجعلوا يركضون ناحيتها، وما إن وصلوا حتى وجدوا أهل القرية جميعا أمامهم، والقلق بادٍ على وجوههم، وبادروهم بالسؤال: هل أنتم بخير؟ هل أصابكم مكروه؟ أين كنتم طيلة هذا الوقت؟! فطَمأن الأولاد أهليهم أنهم بخير، والحمد لله، وأن نوحا هو الذي أنقذهم، وأخرجهم من الغابة بعد أن ضلوا الطريق فيها.
وفي هذه الأثناء، كان نوح يبحث عن جده وسط الجموع، حتى وجده واقفا أمامه، فرمى بنفسه في أحضان جده الذي ضمه إلى صدره والدموع تملأ عينيه، ثم ابتعد نوح عنه فجأة، ونظر إلى وجهه، وقال له: شكرا لك يا جدي، فأنت من أخرجتنا من وسط الغابة، وأعدتنا إلى القرية. فهِم الجد ما يقصده نوح، وفرح فرحا شديدا أن حفيده قد استفاد مما علمه إياه، وأن غرسه قد أثمر.
ذاع خبر ضياع الأولاد في الغابة، وكيف أن نوحا استطاع أن يخرجهم منها سالمين بفضل ما حصّله من العلم، وكانت هذه هي نقطة التحول في تلك القرية الصغيرة، فقد أراد أبناء القرية أن يتعلموا مثل نوح. وهنا قرر أهل القرية بناء أول مدرسة فيها، وأسهموا كلهم في ذلك، وكُتب على مدخلها بالخط الكبير البارز: «لكي تستطيع أن تعيش فوق هذه الأرض وتحت سمائها، عليك أن تعرف أسرارها».
*كاتبة اطفال ويافعين_السعودية
القصة على قدر بساطة الفكرة وسماحة التراكيب والحبكة الفنية ، يتبقى المعنى والمضمون يلف ويدور مع السياق صعوداً وهبوطاً فى تناغم حلو ورقيق