شاهيناز العقباوي*

البطل في أدب الطفل ليس مجرد شخصية عادية عابرة بل محور القصة والهدف الرئيسي الذي تدور حوله حبكتها الرئيسية، ومركز الدائرة الذي تتبعه في كل تحركاته كل مكوناتها الرئيسية. وهو راسخ ثابت متمكن لدية حصيلة متميزة من الكلمات يمتلك عقلية نابغة وبسيطة يربط أحداث القصة في رباط واحد، يجمع كل تفاصيلها في أفعاله وحواراته بل وتقلباته وسيره دائما نحو الأمام بثبات وثقة.
كل ما يتمتع به من صفات في العادة لا يتم وصفه بالكلمات فيَكْتفِي الكاتبُ بعرض مبسط لأهم ما يتميز به في بداية القصة وخلال الأحداث ومع تطورها المستمر وعبر مروره بالكثير من التجارب تظهر صفاته رويداً رويداً والتي من المفضل أن تكون حسنة، لأنه في أغلب الاحوال يتخذ الأطفال من شخصية البطل نموذجا خيالياً لهم ويحاولون بقدر الإمكان تقمصه ولعب دوره في الحياة،،، و إذا استطاع كاتب القصة أن يكسب ثقة الطفل وحبه بل وشغفه بأحداثها وتفاصيلها فيجعله يتخذ من بطلها قدوة له يقلده في كل تحركاته وأهدافه وطموحاته وحتى في كلماته، فكثيرا ما نجد بعض الجمل التي يكثر تداولها في قصص الأطفال عالقة في أذهانهم يتبادلونها بينهم وكأنها كنوز ثمينة، والذي بدوره يعكس حجم التأثير الذي تحدثه شخصية البطل في أدب الطفل.
‏وعليه، من المهم أن يتم اختيارها بعناية شديدة بحيث تتسق تفاصيلها الشكلية والأخلاقية مع الحبكة الرئيسية للقصة وتحدث التجانس والتناغم بين شخصياتها وكل مكوناتها حتى تكون هي حلقة الوصل بينهم.
‏ وفى بعض الأحيان لا يكون البطل فردا بل أكثر من شخصية، مختلفين في الطباع، لكن هناك قاسم مشترك بينهم أو هدف رئيسي يجمعهم ويسيرون نحو تحقيقه، وقد تدور القصة حول فكرة الجماعة أو العائلة فتصبح هي البطل الرئيسي.
‏ ولا يوجد أدنى فرق في التأثير الذي يحدثه البطل الفرد أو الجماعة في المتلقين لأن الهدف الذى يجمعهم واحد ألا وهو إحداث التأثير الإيجابي للطفل والسير به نحو طريق الصلاح والمساعدة على تبسيط ما صعب عليه من صفات أخلاقية أو أحداث، فبالتأكيد كثير من الاطفال لا يدركون المعنى الحرفي لصفات مثل ” الأمانة والعطاء والرضا والتضحية،، لكن عبر قصة بسيطة وأبطال مميزون، بسهولة جدا تصل الفكرة الى أذهانهم الصغيرة، والكثير منهم يكتسب بعضاً من هذه الصفات أو جميعها وذلك نتيجة لتأثره ببطلِ قصّةٍ كان قد قرأها وتعلق بها.
‏البطل هو كيان القصة والنور الذى يخرج منها ليصل مباشرة إلى عقل الطفل وقلبه، وتطوره عبر أحداثها وقدرته على اجتياز كل المحن والأزمات التي يمر بها، يكسب الطفل بدوره المزيد من الخبرات، لا سيما إذا قدمت نموذجاً واقعياً وحاولت نقله بشكل خيالي بسيط.
‏ والشخصية في قصة الأطفال ليست نموذجا ثابتا، قد تكون طفلا أو رجلا أو امرأة عجوزا أو فتاة جميلة، كما ليس بالضرورة أن تكون إنسانا، فقد تكون حيوانا أو طائرا، قطَة أو سلحفاة، حمامة، أسداً أو دبّاً، أو نباتا؛ زهرة أو شجرة، نهرا أو سحابة أو جبلاً، وقد يكون بطلاً أسطورياً خارقا أو تاريخيا يسعى لصناعة المجد أو حتى خياليا. ورغم اختلافهم لكنهم يشتركون جميعا في قواسم ثابتة من الصفات التي تحتاجها قصص الأطفال بل وتجعلها محببة بشكل أكبر لديهم، حيث من المطلوب أن يتحلى البطل بالبساطة وبحسّ الفكاهة والمغامرة مع الذكاء وحبّ الخير.
‏ بعض القصص بطلها لا يتمتع بالصفات الحسنة حيث يكون الهدف الرئيسي هو دفع الطفل إلى كره هذه الصفة بل ونكرانها على بطلها، فكثير من الأحيان نجد البطل في بداية القصة يوصف ببعض الصفات غير المحببة لدى المجتمع ولكن بعد مروره بالعديد من الأحداث وتطورها المستمر يكتشف مدى سوء هذه الصفة ومع نهاية القصة نجده يتخلى عنها نهائيا، ويكتسب في المقابل صفات أفضل، والذي بدورة يجذب الطفل بطريق غير مباشر لتجنب هذه الصفات مثل “الكذب والغرور والأنانية”… لاسيما أن الأطفال رغم بساطة تفكيرهم وفطرتهم يتمتعون بقدر كبير من الذكاء مع حب الاستقلالية ورفض النصائح والتوجيهات المباشرة لذا ينجح هذا النموذج كثيرا مع هذه النوعية من القصص.
‏عبر التاريخ الطويل ومع بداية ظهور أدب الطفل ومروره بمراحل كثيرة ومختلفة بداية من الحكي التراثي، ووصولاً إلى قصص الخيال العلمي والتكنولوجي، لم تتغير الثوابت الأخلاقية والقواسم المشتركة المتعلقة بصفات البطل لكنه دائما ما ينمو ويتجه نحو اكتساب المهارات الجديدة التي تساعده على مواكبة التغيرات التي تحدث في المجتمع وتجعل منه نموذجا أكثر قربا وتأثيراً لجمهوره من الأطفال..

*كاتبة_مصر
shah_anp2000@yahoo.com