*لا تحاكموا الشباب بعقول الشيوخ

*هويتنا السعودية لابد أن تكون متميزة

*مشاهير السوشيال ميديا طفرة وستتوقف 

*لم أعد اخشى الشعر الشعبي 

*في تراثنا الكثير مما لا ينفع تكراره وإعادته

 حوار_محمد عسيري

عندما نشاهد المفكر والأكاديمي البروفيسور مرزوق بن تنباك يتحدث لا يمكن أن تغيب عن أنظارنا قسمات وجهه وملامحه التي لا يعوزها الجد، تراه يتحدث بكل ثقة ناقدًا فكرةً سائدة أو مناقشًا قضيةً حاضرة، أو مستشرفًا لمستقبلٍ آت، ثم ما تلبث أن تنساب على شفتيه ابتسامة عذبة، هذه الجدية الممزوجة بالتبسم الخاجل تختصر شخصيته بين ناقدٍ لمجتمعه ومشفقٍ عليه.

عقودٌ من الانشغال بقضايا اللغة والثقافة والأدب، لا يمكن لأي حوار– مهما طال – الإحاطة بها.

بن تنباك المولود بإحدى قرى طيبة الطيبة والحاصل على درجة الدكتوراه من العاصمة الاسكتلندية “أدنبرة“، صاحب الآراء الصادمة لبعض ما كان يُعتبر من المسلمات تاريخيًا، المناكف والمعارض للتيار السائد في وقتٍ من الأوقات، متسلحًا بعقل وقاد وفكرٍ لا ينقاد، ومتكئًا على تحصيلٍ معرفيٍ يُحسد عليه، والمحارب للدجل والخرافة.

“فرقد” حاورته ويسعدها أن تضع بين يدي قرائها ما جرى في هذا الحوار:

 *لم أصادر آراء الآخرين

– ألفت كتاباً عن “الأدب الاسلامي” ورفضت فيه هذا المصطلح؛ بينما نرى اليوم آراء تنتقد مصطلح “الأدب السعودي” وآراء أخرى  تدعمه بحجة الحفاظ على الهوية فمع من تتفق.

اختلاف الناس فيما يطرح من أفكار وأراء في الأدب أو في غيره طبيعية، ولكل جماعة وجهة نظر ينطلقون منها ويدافعون عنها، ومصطلح الأدب الإسلامي محل خلاف كبقية العلوم والمعارف وكتابي بيان لوجهة نظري وليس مصادرة لأراء الآخرين الذين يرون رأيا غير رأيي وأنا أحترم وجهة نظرهم مع خلافي عنهم.

 *جمعية الأدب نواة لمجتمع مدني

-حملت لنا الأخبار الشهر المنصرم نبأ تأسيس أول جمعية مهنية للأدب في المملكة، برأيك ما هو الدور الأبرز الذي يجب على الجمعية القيام به؟

 فأل حسن أن نسمع جماعة من الناس يهتمون بالأدب ويؤسسون له جمعية في المملكة، والجمعيات نواة لمجتمع مدني مرحب به، ولا شك أن أعضاءها لديهم علم بالواجب الذي يمكن أن يقوموا به ولولا إدراكهم لواجبهم الذي يجب أن يقوموا به لما أسسوا الجمعية، والأدباء والكتاب يرجون منهم أن يجمعوا أهل الاختصاص وأن يدعوا الجميع للمشاركة وأن ينشطوا اللقاءات والحوارات وما يثري الساحة الأدبية.

 *مشاهير السوشيال ميديا طفرة وستتوقف 

– كيف ترى تراجع دور المثقف اليوم لصالح فئات أخرى كالفنانين ومشاهير “السوشيال ميديا” خصوصًا بعد تواري الصحافة الورقية والتي كانت تشكل الميدان الأبرز للمثقف التقليدي؟

مصادر المعرفة متعددة، والفنانين ومشاهير السوشيال ميديا – كما تقول- يقدمون أنفسهم وبضاعتهم للمجتمع والمثقفين كذلك، والمجتمع هو الحكم، ولكن هناك فارق بين الحالتين، فالمثقف مستمر وعطاؤه، دائم وغيره يمر بمرحلة طفرة ثم يتوقف، وعلى كل حال البقاء للأصلح.

 *المجتمع السعودي تستهويهم الروايات

الإقبال الكبير على شراء الروايات والقصص خاصةً المترجم منها مقارنة بالكتب الأخرى أصبحت ظاهرة لا تخطئها العين، كيف يرى الدكتور مرزوق هذه الظاهرة ؟

 المجتمع السعودي شاب والشباب تستهويهم الروايات والقصص، وأنا أرى أن هذا شيء جيد لأن القراءة أيا كانت هي ما يسعى الناس إلى تشجيعه، والأقبال على شراء الروايات يصب في دائرة المطلوب، وهو القراءة والتعود عليها وممارستها والاستفادة من أفكار الكتاب الروائيين.

 *لا تبحثوا عن المعايير والأحكام العامة

-برأيك كيف نحكم على مجتمع ما أنه مجتمع واع أو غير واع، أو بمعنى آخر ماهي معايير الوعي بالنسبة للمجتمعات؟

 إطلاق الأحكام صعب، والوعي صعب تحديده وقياسه  وهو من الأحكام الانطباعية التي يقول بها البعض ويخالفه بحكمه الآخرون، والأفضل تنمية الوعي الممكن بدل البحث عن المعايير والأحكام العامة.

*في تراثنا الكثير مما لا ينفع تكراره وإعادته

طالبت كثيراً بتنقية التراث وفرزه وترك ما لا يُناسب حياتنا اليوم، السؤال: من برأيك عليه عبء هذه “الفلترة” إن جاز التعبير؟

 عبء هذه التنقية (الفلترة) يقع على جميع المهتمين في الفكر بكل موضوعاته ومضامينه كل في الحقل الذي يحسنه وهم المحدثون والمؤرخون والأدباء والعلماء في كل مجال هؤلاء هم الذين يجب أن يقوموا بمراجعة واسعة للتراث وتمييز ما هو صالح اليوم وما هو من الماضي الذي لا تنفع إعادته وتكراره وما أكثره في تراثنا. 

*القراءة ثم القراءة ثم القراءة

–نصيحة تقدمها للكتاب والمثقفين الشباب؟

ما أكثر النصائح وما أقل من يأخذ بها لكن النصيحة المتفق عليها للكتاب والمثقفين شباب وشيبان هي القراءة ثم القراءة ثم القراءة واختيار ما يوافق ذائقة القراء وينمي مداركهم ومعارفهم.

*اللغة بريئة من عجز العرب

– تحديث اللغة من الأمور الجدلية في عصرنا الحديث، البعض يرى أن اللغة العربية أصبحت سجناً للعقل العربي كونها اللغة الوحيدة التي لم تتغير قواعدها الأساسية منذ مايزيد عن ١٣٠٠ سنة، البعض مثلاً طالب بإلغاء المثنى ونون النسوة، ما رأي الدكتور مرزوق في هذه القضية ؟

 لا يوجد في الدنيا لغة سهلة ولغة صعبة على أهلها، اللغة العربية ليست سجنًا إلا للعقول الجامدة والدليل أن الأمم التي يعاني الغرباء من صعوبة لغاتها لم يقولوا ما يقوله بعض العرب عن لغتهم، أنظر إلى اليابان والصين هل هناك لغة في الدنيا أصعب منهما كتابة فضلاً عن التحدث على من ليس من أهلها، ومع هذه الصعوبة لم يقولوا مايقوله بعض العرب عن لغتهم، العرب يحملون عجزهم وضعفهم وهزائمهم المنكرة على لغتهم ولم يسألوا أنفسهم ما الذي أفلحوا به عما هو بعيدٌ عن اللغة، اللغة برئية من دعواهم وتوهماتهم.

*لم أعد أخشى الشعر الشعبي

هل مازلت تخشى على الفصحى من الشعر الشعبي؟

لم أعد أخشى الشعر الشعبي على اللغة الفصحى، أصبحت أخشى اللغة الإنجليزية ليس على اللغة بل على عروبيتنا وهويتنا ومستقبلا، فهذه هي ما أخشاه وأخافه، ويجب أن يخشاه ويخافه كل عاقل يدرك بواطن الأمور ويقرأ المستقبل بوعي وإدراك ويستشرف التحولات التي تجتاح العالم اليوم.

*هل لدينا كتاب حقيقيون للسينما.

 –مع السماح بالسينما مؤخراً وانتشارها ظهرت عبارة (السينما ديوان العرب) ما رأيك، وهل يمكن أن تتغير طريقة التدوين لدى العرب مع ثورة التطور فتصبح المرئية بدل المكتوبة؟

ما أكثر دواوين العرب هذه الأيام، السينماء مثل غيرها من وسائل الترفيه والتعليم، والسؤال الذي يجب أن يسأل: هل لدينا كتاب حقيقيون للسينما، صناعة الأفلام والسينماء عمل فني مجهد فهل لدينا من يتحمل صناعة مثل هذه الصناعة هذا هو السؤال وليس لدي إجابة له.

*دع التافه يمر 

–تباينت الآراء بعد ظهور كتب توصف بالتافهة في معرض الكتاب الأخير البعض يرى أن تمنع تلك الكتب والبعض يرى أن يُترك المجال للكل والكتاب الجيد يفرض نفسه، بالنسبة لك كأديب مخضرم مالذي تراه؟

 شكرًا على الخضرمة، والكتاب لا يكون مثل العملة يطلق عليه الحكم النقدي العملة الزائفة تطرد الأصيلة من السوق، الكتاب الجيد يبقى والتافهة تخرج من السوق، ولا أرى المنع في شيء من الفكر حتى ما تسميه التافه دعه يمر ولا يضر مصيبة الثقافة أن تكون فيها مصدات وموانع خارجية.  

*هويتنا السعودية لابد أن تكون متميزة

-في التحولات الكبيرة التي تمر بها المجتمعات يبرز دائماً سؤال الهوية، ما الذي ينبغي أن تكون عليه الهوية السعودية؟ قد تقول عربية إسلامية، لكن بأي معنى؟

العربية والإسلامية ثقافة شاملة للعرب والمسلمين والسعودية منهم؛ لكن الهوية السعودية تكون ببناء أسس تجعلها متميزة في محيطها العربي والإسلامي، ولعل الجزيرة العربية مهد العرب والمقدسات التي فيها تجعل لها تميزًا عن غيرها فهي مهد العروبة وأصالتها وثقافته، وفيها الحرمان الشريفان ومقدسات المسلمين هذا هو التميز للمملكة، ونحمد الله على ذلك.

*لا تحاكموا الشباب بعقول الشيوخ

-أكاديميًا وصلت إلى درجة البروفيسور، كيف ترى الجيل الحالي من طلاب الجامعات ؟

أراهم في زمانهم وليس في زمان أبنائهم، وهذا هو العدل في المقارنة والقياس، كل جيل لزمانه فيهم الخير ونرجوا لهم الخير، وهم الأمل الذي نرجوه، ولا يجب أن نحاكم الشباب بعقول الشيوخ، فحاضرهم الذي يعيشون فيه هو ما يمكن أن يحكم عليهم.

– للدكتور مرزوق بن تنباك سيرة حافلة بالعطاء الثقافي، متى نرى تلك السيرة مجسدةً في كتاب ؟.

لم أفكر في ذلك وليس عندي شيء أقوله ولن أكتب شيئا.

– مالذي تود قوله في نهاية هذا الحوار؟

أقول: إن الأمل والمستقبل في أيدي الشباب وهم الذين سيصنعون أملهم ومستقبلهم ونحن ندعو لهم بالنجاح والفلاح، وسيكونون إن شاء الله خيرًا من أبائهم، وشكرًا  لك ولمجلة الفرقد على الاستضافة.