الأكثر مشاهدة

رشيد بن سلمان الصقري*     لحكايات “ألف ليلة وليلة” عظيم الأثر في الأ …

ليلة وألف لغة تصوغ حكاية الحيلة

منذ 3 سنوات

574

0

رشيد بن سلمان الصقري*    

لحكايات “ألف ليلة وليلة” عظيم الأثر في الأجناس الأدبية على اختلاف أنواعها وأصولها، سواءً أكانت شعراً أم نثراً في مختلف آداب الشعوب والحضارات المعاصرة.

ويتضح اهتمام الغرب الأوروبي بحكايات “ألف ليلة وليلة” في فنون الأدب والرسم والنحت والموسيقى، وذلك منذ أن تُرجمت إلى الفرنسية على يد أنطوان جالان ترجمة حرّة من العام 1704م، ومن ثم تُرجمت إلى اللغات الأوروبية ترجمات عديدة، بعدما أثارت فضول أدباء وكتّاب كثر وعلى رأسهم المستشرقون، الذين وجدوا في عالم هذه القصص صورة ملائمة للشرق بخليط ثقافاته الكثيرة التي نتجت عن تمدد الفتح الإسلامي شرقاً نحو بلاد فارس والهند، وغرباً في كل اتجاه.

وقد كان لحكايات ألف ليلة وليلة تأثيراً بعيد المدى في آداب الأمم والشعوب وفنونها المختلفة، وخاصة في الآداب العربية والهندية والفارسية التي دخلت في ثقافاتها وفنونها، ولكن تأثيره لم يتوقف عند هذا الحد وإنما تعدى ذلك ليدخل في معظم آداب وفنون العالم بأسره ليخلق شيئا ً من عوالم الأحلام والأساطير لدى سائر الشعوب،.

وعند تتبع أشكال التأثر به نجده جلياً في الأثر الكتابي لكتاب ألف ليلة وليلة في الآداب.

لقد أدخل شخص يدعى (بيكار) مخطوطة كتاب ألف ليلة وليلة إلى أوروبا ولكنه لم يترجمها وبقيت على حالها حتى بداية مطلع عام 1705م حيث عثر عليها الأديب ( أنطوان جالان) فشرع بترجمتها بمساعدة أديب سوري هو ( حنا الحلبي) وقد احتلت هذه الترجمة مكانة متميزة في الأدب الأوروبي فترجمت من خلالها إلى كل اللغات الغربية تقريبًا وطبعت أكثر من 30 مرة. فكان لها عظيم الأثر في النص الأدبي على مختلف أنماطه وتعدد أجناسه فمثلاً:

1: في المجال الشعري: تأتي قصائد الأمثال الفرنسية بعد دخول ترجمة كتاب ألف ليلة وليلة للأدب الفرنسي أثرت به تأثيرًا واضحًا حيث أصبحت مرجعية قصائد الأمثال التي كتبها (فلوريون) في أواخر القرن الثامن عشر حيث قام الكاتب بتوظيف أفكار وأحداث قصص كتاب ألف ليلة وليلة في قصائده.

كذلك نجد قصص حكاية الشتاء التي كتبها الشاعر القصصي الألماني (كرستوف ماري فيلند) عام 1800م تقريبًا وقد استمد فكرتها من قصة (الصياد والعفريت) الواردة في كتاب ألف ليلة وليلة كما ذكر كاتبها، كذلك ما نجده في قصيدة (الحق الإلهي لصاحب السلطان) فقد استمد فكرتها من قصة (الربان) الواردة في كتاب ألف ليلة وليلة.  

أيضا حكاية الأعمى بابا عبدالله. من تأليف الشاعر القصصي (اولبرت لون) الألماني الذي عاش لفترة زمنية طويله في فرنسا، اطلع على كتاب ألف ليلة وليلة وتأثر به فأخذ منه قصة (عبدالله والدرويش) التي وردت على لسان بابا عبدالله فصاغها (اولبرت) في مائة بيت شعر نقل خلالها القصة بكامل تفاصيلها.

2: في المجال القصصي: وقد كان تأثيرها واضحاً في الكتابات القصصية التي ظهرت في فرنسا وإنجلترا وإيطاليا خلال القرن الثامن عشر، وتلك التي ظهرت في أمريكا خلال القرن التاسع عشر من ذلك. حكايات الأخوان جرم ولهذه المجموعة القصصية أثر كبير في الأدب الألماني حيث تم ترجمتها إلى العديد من اللغات. وقد اعترف المؤلفان في تعليقهما عليها بأنهما استمداها من قصص ألف ليلة وليلة بشكل عام ومن ثمان حكايات بشكل خاص.

( فيلهلم هارف) كاتب ألماني من أبرز كتاب عصره في مجال القصة حيث ورث هذه الموهبة من والدته ونماها بما قرأ من مؤلفات وحين وقعت يده على كتاب ألف ليلة وليلة وقرأه صرح بمدى افتتانه وتأثره به فكتب العديد من القصص التي تحاكي قصص هذا الكتاب منها حكاية الخليفة اللقلق وحكاية اليد المقطوعة  وحكاية إنقاذ فاطمة.

جميعها قصص تمت كتابتها بعد الاطلاع على كتاب ألف ليلة وليلة والتأثر بقصصه بشكل كبير حيث تدور أحداث هذه القصص في بغداد أو أنه كان مطالعها ” في أيام هارون الرشيد خليفة بغداد.

وتعتبر قصة ( هنري دي) الفرنسي التي كتبها في المنتصف الأول من القرن العشرين من أوضح القصص التي تأثرت بكتاب ألف ليلة وليلة حيث اعتمد على أسلوب التكثيف الزماني في الأحداث فقد مزج بين عصر الاسطورة والعصر الحاضر ومواطن ألف ليلة وليلة بمواطن لا عهد له بها.

3: في مجال المسرح: نجد مسرحية شهرزاد مثلاً كأبرز عمل مسرحي أوروبي معاصر تأثر بكتاب ألف ليلة وليلة وهي للكاتب الفرنسي (جول سوبر فيل) حيث تحاكي قصص شهرزاد بكامل تفاصيلها.

أضف إليها عملاً آخر هو مسرحية أبي القاسم الطنبوري للكاتب السويدي (ارغست ستراندبريغ ) التي تتكون من خمسة فصول تتحدث عن الطنبوري البخيل الذي يتمسك بحذائه بشدة وابنته التي ترفض الزواج لأنها رأت زوج من الطير سقط الذكر في الشباك فسخرت منه الأنثى وعندما سقطت الأنثى مرة في الشباك لم يساعدها الذكر.

لقد شكلت حكايات ألف ليلة وليلة بالنسبة لفناني العالم معيناً خصباً وتغذية للخيال الخصب. ولعل حيلة شهرزاد بالنسبة لهم مثالاً للمرأة المتمردة على علاقات مقصورات الحريم ونظمها وقوانينها وضوابطها، وفي الوقت نفسه مثالاً للجمال المشرقي الأخاذ والمعرفة والحكمة والذكاء الذي استطاع أن يردع الملك شهريار عن استمراره في قتل بنات مدينته. فاستوحوا أجمل اللوحات الفنيّة من شخصيتها ومن هذا الجمال الذي بدا لهم أقرب إلى الأسطورة.

وكانت رحلات السندباد البحري، بعوالمها الغرائبية والسحريّة الموشومة بالعفاريت والجنّ والسحرة، معيناً لا ينضب وقادراً على أن يشكِّل مزيداً من اللوحات الفنيّة.

فمن أجواء ألف ليلة وليلة استوحى إنجر وماتيس وغيرهما أجمل لوحاتهم، فرسموا الجواري و خطايا السلاطين. أمّا ديلاكروا فقد فتحت حكايات ألف ليلة وليلة آفاق مخيلته الرحبة، فسافر إلى المغرب والجزائر وأقام فيهما، وبدأ يرسم النساء العربيات الغارقات في نعيم القصور وعزّها، ورسم من وحي ” ألف ليلة وليلة “لوحته المشهورة “نساء الجزائر”، وكذلك فعل الفنان فان دونجن في لوحة (راقصة شرقية).

*قاص وناقد سعودي- حائل  

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود