300
0316
0534
02389
148
046
047
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11847
05073
04982
04806
04481
0ترجمة محمد الدنيا*
ذاتَ مَرّةٍ، مُنذُ زمَنٍ بعيدٍ جداً، قَبْلَ أنْ تُوْلَدَ أنتَ، وقبلَ وِلادَةِ جَدَّيْكَ، بَلْ حتّى قبْلَ أنْ يُولَدَ أجْدادُ أجْدادِكَ، عاشَتْ زَرَافَةٌ اسْمُها ” صُوفْيا “.
في تلكَ الأَزْمِنةِ، لمْ يكُنْ للزَرافاتِ عُنُقٌ طَويلٌ مِثلما هيَ اليَومَ، وما كانَ عُنُقُها أطْوَلَ منْ أعْناقِ الحُمُرِ الوَحْشِيّةِ أوْ الظِّباءِ.
كانتْ ” صُوفيا ” أصْغَرَ أطْفالِ أُسْرتِها، تعيشُ معَ أمِّها ” زَرَافَة ” وأبيها ” زَرَاف ” وإخْوَتِها وأَخَواتِها الخَمْسَةِ. ونظرًا لِصِغَرِ سِنِّها، لمْ تكُنْ بارِعةً جدًا ولا تُحْسِنُ العمَلَ أحْيانًا، وغالِباً ما يَسْخَرُ مِنها إخْوَتُها وأَخَواتُها.
كانتْ تَغْتاظُ مِنْهم في بعْضِ الأحْيانِ، وكثيرًا ما كانَتْ تَتَجاهَلُ ذلكَ وتقولُ في نَفْسِها إنّها أفْضَلُ مِمّا يَرونَها بكَثيرٍ.
كانتْ أُسْرةُ “صوفيا” تتَنَقَّلُ على مَرِّ الفُصولِ، وتَقْتاتُ على أَوْراقِ شُجَيْراتٍ وَفيرَةٍ، لَكِنْ ذاتَ مَرّةٍ، حَدَثَ جَفافٌ كبيرٌ، وانْدَلَعَتْ حَرائِقُ في السّهولِ العُشْبِيّةِ، فَقَلَّ الغِذاءُ، وسرعان ما ضَعُفَتِ الأُمُّ ” زُرافة ” والأَبُ ” زُراف ” و” صوفيا ” وإِخْوتُها وأَخَواتَها الخَمْسةُ، إذْ ما عادوا يأْكُلونَ جيدًا.
وذاتَ لَيلَةٍ، بيْنما كانتْ ” صوفيا ” مُسْتَيْقِظةً، سمِعَتْ أُمَّها ” زرافة ” تَبْكي بجِوارِ زَوْجِها. ” إذا اسْتَمَرَّ الأمْرُ على هذهِ الحَالِ سنَموتُ جُوعاً قَبلَ أنْ يتَسَنّى للعُشْبِ النّمُوُّ مِنْ جَديدٍ “. أَخافَ هذا الكلامُ الزُّرافةَ الصغيرة. لكِنْ لا، لنْ تَدَعَ ” صوفيا ” أسْرَتَها تَهْلَكُ مِنَ الجُّوعِ، ولا يَهُمُّ كثيرًا أنْ تكونَ هيَ الأصْغَرَ، والأقَلَّ مَهارَةً وبَراعَةً. وسَتَجِدُ حلًا.
ذَهبَتْ في اليَوْمِ التَّالي تَتَمَشَّى قليلًا في مَكانٍ بَعِيدٍ كَيْ تُفَكِّرَ بذِهْنٍ صافٍ، لَكِنْ سُرْعَانَ ما كادَتْ تَيْأَسُ، إذْ لمْ يكُنْ لدَيْها حتّى الآنَ أدْنى فِكْرةٍ حَوْلَ الحَلِّ. وبَدَتْ أوْراقُ الأَشْجارِ فَوْقَها عالِيةً كأَنَّها تَسْخَرُ مِنْها.
” لَيْتَني فَحَسْبُ أسْتطيعُ بُلُوغَ هذهِ الأَوْراقِ، لَكُنْتُ أَنْقَذْتُ الجَّميعَ! “، قالتها في نَفْسِها، وإذْ أَغْضَبَها جدًا إِحْساسُها بالعَجْزِ، مَدَّتْ عُنُقَها ودَفَعَتْهُ عاليًا بأقْصَى طاقَتِها، وكَمْ ذُهِلَتْ حِينما رأَتْهُ قدْ ازْدادَ طولًا، لَكِنْ ظَنَّتْ أنَّ ذِهْنَها يُخادِعُها، فأَعادَتِ الكّرَّةَ، ودَفَعَتْ عُنُقَها عاليًا بقُوّةٍ فاسْتَطالَ مِنْ جَديدٍ.
تأَكَّدَتْ حِينَها مِنْ أنَّهُ يَطُولُ فعلًا. مَعَ ذلكَ، بَقِيَتْ أَبْعَدَ ما تَكُونُ عَنِ الوُصُولِ إلى أوْراقِ الأشْجارِ، غَيْرَ أنّها راحَتْ تَقْتَرِبُ مِنها أَكْثرَ فأكْثَرَ.
كَرَّرَتْ مُحاولاتِها عِدَّةَ مَرّاتٍ إلى أنْ نالَتْ أخيرًا منَ الأوْراقِ ما تَمَنَّتْ، وأَكَلَتْ حتّى شَبِعَتْ.
وحَالَما سَكَنَ جُوعُها، رَجَعَتْ سريعًا إلى أسْرَتِها. وكانَ عَلَيْها أنْ تُبْطِئَ خَطْواتِها عِدّةَ مرّاتٍ في الطّريقِ كيْ تَتَوازَنَ نظرًا لِطُولِ عُنقِها، الذي أصْبحَ الآنَ أَطْولَ منْ مِتْرَيْنِ، إلا أنّها كانتْ على عَجَلَةٍ منْ أمْرِها، وجَعَلَها سَيْرُها السَّريعُ تبْدو كأنَّها تَتَرَقَّصُ.
وحِينَ وصَلَتْ إلى أُسْرتِها، دُهِشَ الجَّميعُ كثيرًا عِنْدما رأُوها بهَذا المَظْهَرِ الجَّديدِ، حتّى أنَّ أحَدًا لمْ يَجْرُؤْ علَى الكَلامِ. وأخَذَتْ ” صوفيا ” تَرْوي حِكايَتَها لاهِثَةً، وما إنْ أنْهَتْها حتّى أسْرعَ كُلُّ واحِدٍ للقِيامِ بِما قامَتْ بهِ صغِيرةُ الأُسْرَةِ، فمَدّوا أعْناقَهَم ودفَعُوها إلى الأعْلى بكُلِّ قِواهُم. وما هيَ إلا لَحَظاتٌ حتّى راحَتْ تَطُولُ وتطُولُ إلى أنْ التَقَطَتْ أفْواهُها أوْراقَ الأشْجارِ العالِيَةِ. وأَكَلوا حتّى الشَّبَعِ.
انْتَشَرَ الخَبَرُ سريعًا جدًا في السَّهْلِ العُشْبِيِّ كُلِّهِ، وباتَتْ الزَّرافاتُ تَظْهَرُ في كلِّ مَكانٍ، شرقًا وغربًا، بأَعنَاقٍ طويلَةٍ ضَخْمةٍ. وبذلكَ، كُتِبَتْ لَها النَّجاةُ منَ المَجاعَةِ الرَّهيبَةِ التي ترَبَّصَتْ بِها، وأصبَحَتْ قادِرةً بهذهِ الأعْناقِ الطّويلةِ والجَّميلةِ على لَمْسِ قِمَمِ الأشْجارِ.
نَسِيَتِ الزّرافاتُ تقْريباً أعْناقَ الماضِي القَصِيرةَ جِداً. لكِنْ كانتْ تَتَرَصَّدُها أخْطارٌ أُخْرى: الأُسُودُ، والتَّماسِيحُ، وقِلَّةُ الأمْطارِ، وهُزالُ الأشْجارِ، إنَّما لمْ تَعُدْ تُفَكِّرُ بالمَجاعَةِ التي نَجَتْ منْها.
لكنْ، بيْنَ وقْتٍ وآخَرَ، كُلّما حَلَّ المَساءُ، كانَتْ حَيَواناتُ السَّهْلِ تَجْتَمِعُ وَسَطَ الأعْشابِ البَرّيّةِ، تحْتَ سَماءٍ مُزَيَّنَةٍ بآلافِ آلافِ النُّجُومِ. ويَجْلِسُ القِرْدُ العَجُوزُ حِينَها لِيَرْويَ لأصْدِقائِهِ حِكايةَ ” صوفيا ” الزُّرافَةِ، التي أنْقَذَتْ بِمُفْرَدِها زُرافاتِ السَّهْل كلَّها، رَغْمَ أنَّها الأقَلُّ براعَةً والأصْغَرُ سِنَّاً.
*مترجم قصص للأطفال _سوريا
التعليقات