615
0195
0161
0349
086
0377
0210
0128
0150
0182
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11769
04707
04351
174206
03831
0
د. علي الخرشه*
(لأخي الأكبر صورة جميلة، يحتفظ فيها في ألبومه الثمين، في خزانته. تلك الصورة تجمعه بأصدقائه في المدرسة، عند تمثال الجندي المجهول)
اليوم حطت بنا الحافلة أنا وأصحابي من الصف السابع في منطقة الشونة الجنوبية من محافظة البلقاء. حيث قررنا أن نزور ضريح الجندي المجهول .
سمح لنا المعلم أن نتناول طعام الإفطار تحت الأشجار الخضراء، ولأننا كنا متحمسون، فقد تناولنا افطارنا بسرعة جنونية. وتركنا ما بقي من مخلفاتنا هناك تحت الأشجار، شأننا شأن من سبقنا من المتنزهين.
وركضنا بلهفة خلف معلمنا الأصلع النحيل نحو تمثال الجندي المجهول.
اصطففنا معا تحت التمثال وكنت أنا الأقرب لبندقيته المنحوتة من صخر الجير، ثم رفعت عصاة السيلفي لألتقط لنا صورة تذكارية، تحاكي صورة أخي مع أصدقائه.
وقبل أن أضغط زر التصوير شعرت بضربة قوية على رأسي من الخلف.
إلتفت لأجد أنني ودون أن أشعر صدمت رأسي بكعب البندقية التي يحملها الجندي المجهول.
صرخ أصدقائي متململين من تباطئي في إلتقاط الصورة، فرفعت عصاة السيلفي مرة أخرى وأنا حريص على أن لا يصدم رأسي كعب البندقية من جديد.
وهذه المرة وقبل أن ألتقط الصورة…جاءتني ضربة أخرى على رأسي..
إلتفت وأنا أتألم لأجد تمثال الجندي المجهول ينظر إلي بغضب شدي.
أخبرت أصحابي بذلك لكنهم لم يصدقوني.
كيف لتمثال من الصخر أن يتحرك! فما بالك أن يضرب الآخرين!
هذه المرة قررت أن أخرج من كادر الصورة.
سأقوم بتصويرهم بنفسي، وسأتأكد إذا ما كان تمثال الجندي المجهول يتحرك أو لا.
واحد… إثنان… هيا ابتسموا للصورة…لحظة ما هذا؟!
لقد تحرك الجندي المجهول.. لا بل هو يهبط من مكانه فوق الصخرة، ويمضي… إلى أين؟ تركت أصحابي متصنمين للصورة، وركضت لألحق بالجندي المجهول الذي كان متوجها إلى الأحراش.
كنت أناديه حين توقف فجأة وهو يعطيني ظهره… ثم خفض بندقيته وتوكأ عليها.
وقفت بجانبه ونظرت حيث كان ينظر.. فوجدته يتأمل أكياس البلاستيك العالقة بين الأشواك، وزجاجات المشروبات المرمية هنا وهناك، وقشر البزر الذي اختلط بالحصى.
نعم لقد كان منظرا بشعا، ومقززا جدا، كيف لم ألاحظ ذلك من قبل.
ثم نظرت للجندي المجهول الذي كان يمسح عينه بطرف منديله الأحمر، نعم لقد كان يبكي.
اقتربت منه لأمسح دمعه لكنه لم يكن هناك.
لقد كنت أنا من يجلس مكانه وأنا من كنت ابكي. وكان أصحابي يحيطون بي مدهوشين .
لقد كان دمعي يختلط بمخاطي. وأنا أشير بيدي نحو المخلفات.. هناك…
سألني الجميع :-“ماذا دهاك؟”
قلت وأنا أحاول أن ألتقط القمامة بيدي المرتجفة وأمسح دموعي بكم قميصي :- “النفايات… النفايات… تختلط بالدماء.”
سألوني بدهشة:_”ماذا؟…..”
قلت وأنا أشير إلى الجندي المجهول الذي عاد إلى مكانه-:” لقد رووا الأرض بدمائهم… وها نحن نلوثها بنفاياتنا”
لم أكن أعرف أن كلماتي سيكون لها أثر عليهم، فرأيتهم يعملون بصمت، يجمعون بأيديهم الصغيرة النفايات ويضعونها في أكياس متاعهم.
ثم بعد ساعة… أصبح المكان نظيفا جدا…
وقال معلمنا الأصلع النحيل :- “والآن.. حان وقت الصورة التذكارية”
تجمعنا كلنا عند تمثال الجندي المجهول، ورفعت عصاة السلفي وعددت حتى الثلاثة ثم التقطت الصورة.
الصورة محفوظة عندي علي حسابي في الفيس بوك. كل من يرى الصورة… يسألني : _ “هل استخدمت برنامج لتعديل الصورة” . فأجيبهم بالنفي.
فيخبرونني : -” أن الجندي المجهول يبدو كما لو أنه يبتسم.”
*كاتب _ الأردن
Almzar2008@yahoo.com
التعليقات