الأكثر مشاهدة

 فاطمة الشريف*   “To be re-established which was both responsive to the recent p …

ألكسندر بوب والكلاسيكية الجديدة

منذ سنتين

286

0

 فاطمة الشريف* 

 “To be re-established which was both responsive to the recent past and a reflection of new tastes and fashions” Andrew Sanders

يصف أندرو ساندرز(Andrew Sanders) أستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة دورهام الإنجليزية (University of Durham) الكلاسيكية الجديدة بأنها حركة أدبية تستجيب للماضي القريب، وتعكس الأذواق والحلة الجديدة، وقد ظهرت خلال فترة استعادة الملكية إلى ما قبل صعود الحركة الرومانسية، وتحديدا في الجزء الأخير من القرن السابع عشر وطوال القرن الثامن عشر؛ لتصنع اتجاه جديدا في الشعر والفلسفة والدراما، وقد تأثرت بمُثُل عصر التنوير، فكل من ذُكر من كتّاب في مقالات أدب الاستعادة وعصر التنوير في هذه الزاوية هم من كتّاب الحركة الكلاسيكية الجديدة، أمثال:

جون درايدن (John Dryden),  ألكسندر بوب (Alexander Pope), جوناثان سويفت (Jonathan Swift),

    دانيل ديفو (Daniel Defoe), صمائيول جونسون (Samuel Johnson).

وقد سعى هؤلاء الكتّاب الكلاسيكيون الجدد إلى التركيز على العقل والنظام والجماليات الكلاسيكية، وتقليد الأعمال الكلاسيكية القديمة، والتقنيات الفنية لليونان القديمة وروما، ومن تلك المبادئ الانسجام والتوازن والوضوح والنظام، مع التركيز على موضوعات الأخلاق، والوئام الاجتماعي، وتغليب العقل على العاطفة، واستخدام الأسلوب المنطقي ممزوجاً بالهياكل الرسمية للنصوص مع مراعاة قواعد اللياقة الصارمة للشكل والبنية، ومن ذلك توظيف المقاطع البطولية في الأعمال الأدبية، والتركيز على القيم الأخلاقية والمعنوية، حيث يهدف الأدب الكلاسيكي الجديد إلى إلهام القراء وتثقيفهم، وغالبًا ما يستكشف موضوعات عالمية ذات صلة عبر الزمن والثقافات، مما يعني أن الكلاسيكية الجديدة  احتضنت كلاً من النظرية والممارسة الأدبية.

ومن أثار الكلاسيكية الجديدة تصّدر الدراما في مصاف الفنون الأدبية بأنواعها: الكوميديا، والكوميديا التراجيدية، والمسرحية التاريخية، والدراما البطولية، والمأساة الكلاسيكية،، حيث وصفها جون درايدن (John Dryden) بأنها “صورة عادلة وحيوية للطبيعة البشرية”، وازدهار للشعر الغنائي، والشعر السردي، والرواية، والرواية القصيرة، والقصة القصيرة، والحكاية، كما أدى صعود الرواية بروحها الواقعي، وهدفها الأخلاقي، وسماتها الكوميدية إلى ظهور النثر الخيالي بديلاً للشعر الكلاسيكي الجديد، ومقدمة لنشوء الحركة الرومانسية.

كما يُعزى لإثراء أدب الاستعادة العديد من الكتّاب والفلاسفة وقد تمت الإشارة إليهم في مقال أدب الاستعادة، وعصر التنوير، ويعد ألكسندر بوب (Alexander Pope) من أبرزهم، فهو شاعر وناقد أدبي ينتمي إلى عصر أوغسطين (1700-1745 The Augustan Age) معروف بأسلوبه الساخر والبارع،  ومن أعماله الشهيرة :

“The Rape of the Lock”، وهي قصيدة فكاهية (mock epic)عن قضية اجتماعية، وتميز باستخدام المقاطع البطولية ذات الشكل الشعري المقفى، وسمته الموسوعة البريطانية بأنه:

 “He is one of the most epigrammatic of all English authors.”

وذلك لقدرته على نقل الأفكار المعقدة بطريقة موجزة وذكية تتسم بالوضوح والدقة، كما أنه وظّف أسلوب السخرية والإشارة لانتقاد المجتمع و رذائله، اشتهرت قصائده بتلاعبها الذكي بالألفاظ وملاحظاتها الدقيقة عن الطبيعة البشرية بأسلوب مسلي ومثير للتفكير، وكتب عن مواضيع مختلفة مثل الحب والسياسة والمجتمع.

ومن أعماله:

كان أول نجاح شعبي في الخطاب الشعري لشاعرنا قصيدة بعنوان (An Essay on Criticism)، حيث يعلن فيها أن الناقد يجب أن يتعلم “أسطورة الكاتب، موضوعه، نطاقه : الدين، البلد، عبقرية عصره”، ومتحدثاً عن شعر الكلاسيكية الجديدة يؤكد أنه تم تطوير المناهج ووجهات النظر العقلانية بناءً على نماذج من اليونان وروما، وتتضمن قواعد ومبادئ مطلقة يجب اتباعها في الحكم النقدي للأدب، كما طُوّرت النظرية الجمالية،  والنقد النصي العلمي، معتبراً النقد “منهجًا طبيعيًا”، ومرتبطاً بالمبادئ المعيارية للياقة، والأسلوب الشعري، ومبادئ تقليد الطبيعة. مع التركيز على قوة العقل، والقاعدة، والفطرة السليمة، والقياس، والنظام، والتقليد الكلاسيكي، واحترام النوع والوحدات، مع رفض العاطفة والخيال، فهو يرى أن مهمة النقد الأدبي هي الدفاع عن القيم الكلاسيكية، والحفاظ عليها، وتعزيزها، واتباع التقليد النقدي كما أسسه القدماء.

في القصيدة يصف بوب القواعد لكل من النقاد والشعراء، والتي تشمل اللياقة والإلقاء الشعري، وتجسيد التجريدات، وتوحيد المقاطع البطولية كمبدأ رئيسي للشعر.

يعطي بوب تعريفًا مشهورًا لـ “الذكاء” الكلاسيكي الجديد (wit):

True wit is nature to advantage dressed,

What oft was thought, but never so well expressed.

Something whose truth convinced as sight we find,

That gives us back the image of our mind

فهو يرى أن الذكاء الحقيقي هو أن ترتدي الطبيعة ملابس جيدة، مما يعزز لنا صورة القديم في أذهاننا.

كما أنه لخصّ قواعد النقد والممارسة الأدبية، كما وصفها بوب، في “اتباع الطبيعة وتقليد الكلاسيكيات”:

First follow Nature, and your judgement frame

By her just standard, which is still the same;

Unerring Nature, still divinely bright,

One clear, unchanged, and universal light,

ويعني بكلمة “الطبيعة” في سطوره الشعرية إلى النظام والفطرة السليمة، التي فيها يجب اتباع القدماء لأنهم أسسوا أفكارهم على منهجية قائمة على الاكتشاف والحرية، ثم منهجوها بقوانين قائمة على المحاكاة (التقليد) والبلاغة (أنماط البنية)، فالشاعر عبقري بالفطرة، وموظفاً القواعد الفنية، ومعتمدا على الكلاسيكيات.

 وفي قصيدة أخرى له بعنوان (An Essay on Man) التي تتكون من قالب نثري متبوعًا بأربع رسائل شعرية موجهة إلى شخصيات بارزة في حزب المحافظين،  صُممت؛  لتكون عملاً فلسفيًا يركّز على مهمة “إثبات الطرق الألهية للإنسان”، وعلى الأمور الشائعة للحياة اليومية، تتكون القصيدة من أربع رسائل: الرسالة الأولى عن  العلاقات بين البشر والكون؛ والثانية تناقش البشر كأفراد. وتتناول الثالثة العلاقة بين الفرد والمجتمع، والرابعة تتساءل عن قدرة الفرد على تحقيق السعادة. يصف العمل الإنسان ونظام الكون من حيث التسلسل الهرمي، أو سلسلة الوجود، وبحكم قدرتهم على التفكير، يتم وضع البشر فوق الحيوانات والنباتات في هذا التسلسل الهرمي، وتعكس القصائد تأملات فلسفية درامية وملموسة، مع تسلسل الأفكار في مقاطع بارعة بكلمات جذابة، محاولاً إثبات أن كل شيء على ما يرام، وفي أفضل العوالم الممكنة، وأن مخطط الكون هو أفضل المخططات الممكنة، وأن فشل الناس في رؤية الكمال سببه رؤيتهم المحدودة، والشر موجود في العالم ولكنه محدود وجزئي، إذ أن “المرض الجزئي” ليس إلا جزءا من “الخير الشامل”، ولكي يحقق الإنسان السعادة، ويصل إلى الكمال، ينبغي للإنسان أن يتجاوز حب الذات إلى الحب الاجتماعي، ومن ثم إلى الحب بالنسبة لله، حيث “حب الذات والمجتمع” “كل شيء ليس سوى أجزاء من كل.

من أشهر سطورها الشعرية التي تقرر حقيقة ارتباط جميع البشر إلى الله وفق نظام شامل محكم، وأنهم خلقوا للعون والأمل :

 

 Hope springs eternal in the human breast.

 ****

Oh, blindness to the future! kindly given, / That each may fill the circle, marked by Heaven.

****

Vast chain of being! which from God began.

****

All nature is but art, unknown to thee; / All chance, direction, which thou canst not see.

****

Know, Nature’s children all divide her care; / The fur that warms a monarch, warmed a bear.

 ختامًا كما يذكر أندرو ساندرز(Andrew Sanders) أن أصول بوب الكاثوليكية التي حرمته من الدراسة الجامعية، ألا إن تجاربه التي استمرت طوال حياته، وتنقيحاته الدقيقة لقصائده، وأساليبه وأشكاله المتنوعة، وترجماته، أكسبته مكانة علمية واجتماعية راقية، والاحترام الواسع من معاصريه المؤثرين.

_________ 

المصادر:

كتاب: (The Short Oxford History of English Literature by Andrew Sanders (1994)

مقالات من الموسوعة البريطانية

 

*فنانة تشكيلية ومترجمة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود