مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

أ. د. موفق السقار* السفسطائيون هم مجموعة من الفلاسفة الذين عاشوا في اليونان القد …

منظور السفسطائيين للجمال.. جذوره الفلسفية وتجلياته في الفن الحديث

منذ 6 أشهر

560

1
أ. د. موفق السقار*
السفسطائيون هم مجموعة من الفلاسفة الذين عاشوا في اليونان القديمة، وقدموا تصورات فلسفية متميزة، خاصة فيما يتعلق بمفهوم الجمال.
بالنسبة للسفسطائيين، لم يكن الجمال مطلقًا أو ثابتًا، بل كان نسبيًا ويعتمد على الأفراد وبيئاتهم وثقافاتهم.
هذه الفكرة الأساسية عند السفسطائيين، التي تقول بأن “الإنسان هو مقياس كل شيء”، تُبرز أن الجمال ليس قائمًا في الشيء نفسه، بل نتيجة لتفاعل العين البشرية مع هذا الشيء.
وفقًا لهذه النظرة، ما يعتبره شخص جميلًا قد لا يكون كذلك بالنسبة لشخص آخر، لأن التقدير الجمالي يعتمد على التجارب الشخصية والبيئات الثقافية التي تشكل وعي الفرد وإحساسه بالجمال.
هذه الفكرة للسفسطائيين حول نسبية الجمال وجدت صداها في الفن التشكيلي الحديث، حيث يتجلى ذلك في أعمال فنانين مثل بابلو بيكاسو وسلفادور دالي.
فالفنان بيكاسو من خلال أعماله التكعيبية، حطم القواعد التقليدية للجمال عبر تشويه الأشكال الطبيعية وتقديم رؤى متعددة الأبعاد للأشياء. في لوحاته مثل “فتيات أفينيون” و”جيرنيكا”، حاول بيكاسو أن يُبرز جمالًا من نوع جديد لا يعتمد على المعايير التقليدية، بل على القوة التعبيرية والشعور الذي يثيره العمل الفني في نفس المشاهد.
بهذا الشكل، يُمكن القول إن بيكاسو جسّد مفهوم السفسطائيين عن الجمال النسبي من خلال خلق أعمال فنية تتطلب من المشاهد إعادة التفكير في ما هو جميل وما هو قبيح. على الجانب الآخر، سلفادور دالي، أحد رواد السريالية، استخدم في أعماله مشاهد غير مألوفة وغير واقعية لخلق إحساس جديد بالجمال يعتمد على الغموض والغرابة.
في لوحته الشهيرة “إصرار الذاكرة”، التي تعرض ساعات ذائبة في مشهد خيالي، تُعد مثالًا على كيف يمكن للفن أن يتجاوز الحدود التقليدية للجمال ويعتمد على التفاعل النفسي للمشاهد مع العمل.
دالي، من خلال تصويره لأشياء غير مألوفة وغريبة، أكد على أن الجمال ليس مجرد ظاهرة بصرية، بل هو أيضًا تجربة نفسية وفكرية.
الفن الحديث بجميع أشكاله، سواء كان تكعيبيًا أو سرياليًا أو تجريديًا، يعكس بشكل أو بآخر فلسفة السفسطائيين حول الجمال النسبي. الفنون الحديثة غالبًا ما تتحدى التصورات التقليدية للجمال وتفتح المجال لتفسيرات متعددة تعتمد على الذوق الشخصي. بذلك، أصبح للفن دور جديد في المجتمع يتمثل في خلق تجربة جمالية فريدة لكل مشاهد، حيث يمكن لكل فرد أن يجد في العمل الفني ما يعكس رؤيته الخاصة للعالم.
إن الفلسفة السفسطائية عن الجمال النسبي لا تزال تلهم كثيرًا من الفنانين والمفكرين حتى اليوم، حيث تقدم رؤية مرنة وشاملة للجمال تتجاوز الحدود الثابتة، وتتيح لكل شخص أن يحدد ما يعتبره جميلًا بناءً على تجربته الشخصية وثقافته.
 *أستاذ بجامعة اليرموك

التعليقات

  1. يقول Fatimah AlSharif:

    استاذنا الكريم موفق سعدنا بقلمك المضئ وحضورك البهي في فرقد الإبداع… كل التحايا لقامتكم الكريمة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود