شموع الحميد 

الوطن ليس مجرد بلدة ننشأ ونترعرع فيها، بل هو ما يكون شخصياتنا وكل جوانبنا من المشاعر والأفكار من خلال تفاعلاتنا مع البيئة الثقافية والاجتماعية فيكتسب الفنان مهاراته ومعارفه ويشكل الإبداع والإلهام الذي يمكنه من التعبير عن ذاته فالوطن يلعب دوراً جوهرياً في تشكيل وعي الفنان وإبداعه ويصبح من كيانهم الفني والثقافي.

فالوطن هو أساس صنع الفنانين بدء من تاريخ وتراث وطنه فيحمل في جعبته الكثير من الحكايات الشعبية والعادات والتقاليد فتعد البيئة الثقافية مصدر غني لا ينضب في إلهام الفنانون فيلجؤون الفنانون للفلكلور لإعادة نشره بشكل فني من خلال الكتابة أو الرسم، أو استخدام التراث المعماري حيث تكون المساجد والمباني والأسواق القديمة ملهمة في تشكيل أعمالهم، ولكن بشكل معاصر يتناسب مع ذائقة المتلقين لأنه يعبر عن حنينه وتقديره تجاه هذه الجوانب من ثقافته التي ينتمي لها بدون صعوبة.

كما أن انتماء الفنان لوطنه يشعره بالمسؤولية التي تدفعه لتقديم أعمال تعبر عن وطنه وقصصه وقضايا شعبه مما يجعل أعماله ذات تأثير، وتصبح الهوية الوطنية عنصرًا أساسيًا في تكوين أعماله فيسعى إلى تقديم هويته الثقافية والمجتمعية بشكل ممتاز لأنها تكون بمثابة وثائق لحفظ تاريخ الوطن وتساهم في تكوين ذاكرة جماعية للمجتمعات والثقافات الأخرى.

فمن أبرز رواد الحركة التشكيلية في المملكة العربية السعودية هو الفنان طه الصبان الذي ولد في عام ١٩٤٨ في مكة المكرمة، حيث بدأ مسيرته الفنية في الستينيات القرن العشرين فبدأ بإظهار اهتمامه بالفن التشكيلي الذي يتميز بأسلوب خاص، وهو دمج التراث السعودي والحداثة الفنية بأعماله، فتلقى تعليمه في بيروت فكانت مكان للمبدعين والمثقفين حينها واتجه لروما في نفس العام ثم عاد قبل أن يكمل حلمه بسبب مرض والده الذي توفى بعد مرضه مباشرة فاستأنف الصبان دراسته وقرر السفر لبريطانيا لدراسة إخراج برامج التلفزيون مما أثر ذلك بشكل كبير على أسلوبه، كما أنه تأثر بالبيئة الحجازية والتراث الشعبي فتحولت من عناصر تقليدية إلى لوحات تحمل طابعًا متميزًا وأصيلًا بسببه.

فالفنان طه الصبان قدم مجموعة واسعة من الأعمال في حقب زمنية مختلفة التي ناقشت الكثير من الأفكار والقضايا المجتمعية والتراث المعماري وسلطت الضوء على المرأة ودورها في المجتمع والأدوار التي قامت بها من الأمومة إلى العمل في الأسواق ليعكس صور تعبر عن قوة المرأة وتاريخها العريق في الثقافة، واستخدم الألوان بما يتناسب مع المواضيع المطروحة من خلال لوحاته.

فلم يكتفي الفنان طه الصبان بل أسس مدرسة خاصة به في الفن التشكيلي السعودي، و أقام معارض محلية دولية وحصد أربعة عشر جائزة بدءً من جوائز المعرض العام لمناطق المملكة عام ١٤٠٠هـ، وصولاً إلى جائزة الفنون البصرية من مبادرة الجوائز الثقافية الوطنية في دورتها الرابعة ٢٠٢٤ م، مما يجعله أحد أبرز الفنانين في تاريخ الحركة التشكيلية السعودية.

فلا يمكننا تجاهل الدور الذي تلعبه برامج دعم الفنون، والمهرجانات الوطنية، والمعارض الفنية فتعتبر من أهم الأدوات التي يمكن الوطن من خلالها تحفيز وتمكين مبدعيه وتسليط الضوء على مواهبهم، فالفن الذي ينبع من الوطن فهو مرأه تعكس روح الشعب وتاريخه ومستقبله، ويشكل رابطًا قويًا بين الفنان والمجتمع الذي ينتمي له.