29
048
050
095
0231
060
4الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11530
04673
04046
173166
0فراس شواخ*
الإنسان خُلِق ليكون جزءًا من المجتمع، فيتفاعل مع المجتمع المحيط به، بدءًا من الأسرة وانطلاقًا بالمدرسة إلى المجتمع ككل، فتفرض عليه قيود وعادات المجتمع الذي يعيش به، تنتج عنها آثار ترافقه طوال حياته، وبما أن الأدب مرآة الواقع إلى محاكاة الواقع طارحًا قضاياه ومشاكله.
ومن هؤلاء الأدباء الكاتبة الكويتية ليلى عثمان التي تعدّ من أهم الأقلام الأدبية العربية في العصر الحديث؛ لأنّها مثلت الواقع خير تمثيل، فهي من أنصار المدرسة الواقعية لتسليطها الضوء في معظم كتاباتها على الواقع الاجتماعي وما فيه من عيوب، وروايتها وسمية تخرج من البحر تعدّ ثاني رواياتها، وقد نشرتها لأول مرة عام 1986، وتدور قصّتها في ظاهرها حول عبدالله ابن مريوم الدلالة التي تعمل خادمة لدى بيوت الأغنياء تساعد النساء في أعمال المنزل وتحضر لهنّ ما يحتاجن من السوق، ويقع عبدالله في حبّ وسمية من صغره، وهي ابنة الحسب والنسب، لكن الفارق الطبقي يحول دون هذا الحبّ، وعندما يقرّران الالتقاء بعيدًا عن عيون الناس في محاولة منهما للتمرد على التقاليد والقفز من فوق أسواره، يبتلع البحر وسميّة؛ -حتى الطبيعة موظفة لخدمة التقاليد وحراستها- إذ تغرق وهي تحاول الاختباء حتى لا يراها أحد ويفتضح أمرها، فتقوم أمّ عبد الله وأمّ وسميّة بتولّي حلّ المشكلة، وتجنّب الفضيحة بادّعاء غرقها وهي برفقة والدتها لصبغ شعرها بالحناء وغسله، ويكبر عبدالله ويعيش بعد ذلك مع زوجته التي لا تكنّ له الودّ ولا الاحترام على ذكرياته، ومع البحر مصدر متعته وحبّه ورزقه وموته حيث ينتهي به المطاف منتحرًا فيه.
تضعنا ليلى العثمان في هذه الرواية أمام تجربة غاية في الألم، وتعطي مؤشّرًا على قسوة القيم الاجتماعية في عالمنا العربي، خاصّة في مجتمعات الخليج العربي المحافظة، وسطوتها ضدّ المرأة؛ بحيث يكون الموت نهاية كلّ من تحاول التمرّد على هذه القيم.
سيَّرت الكاتبة الأحداث في بناء دائري مغلق، يجسّد حالة القهر والاضطراب، التي يعاني منها البطل؛ إذ تبدأ بعبدالله داخل الطراد وتنتهي به، وجميعها ومضات استرجاعية تبدأ بموت الأغنية الشعبية التي عادة ما يرددها هو والبحارة أثناء الصيد، وتنتهي بموته في تصوير الروائية لحياة بطل الرواية عبدالله ابن الدلالة مريوم، الذي خرج من بيته تمزقه الصراعات الاجتماعية والنفسية من خلال التفاوت بين الغني والفقير بين الخدم والسادة، في المجتمع الذي تقيده العادات والتقاليد ويخرج من بيت زوجته في النهاية ليواجه نهاية مأساوية، فبقي الحدث مباشرًا محدّدًا أفقيًّا ومحصورًا بالبيئة الكويتية؛ لتحقيق أقصى درجات الواقعية التي رسمتها الكاتبة للحدث والشخوص التي لا تحتمل تعميقًا وتحليلًا أكثر مما يجب؛ فطبيعتها ومستواها مرسوم بتحديد إطارها التاريخي المكاني والزماني.
فتظهر لنا تأثير الفوارق الاجتماعية على مدى العدالة والمساواة في المجتمع. قد يؤدي التمييز وعدم المساواة إلى شعور الأفراد بالظلم والاستياء، فقد نما عبد الله مترافقًا مع مجموعة من الأطر الاجتماعية التي لا يجب الخروج منها، وهي الفوارق الطبقية بينه وبين وسمية التي صاغ منها حبيبة في تفكيره، وتكررت على لسانه العبارات التي تعزز من هذه الأطر الفاصلة من ذلك:
“بيني وبين وسمية فوارق كبيرة”.
“هي ابنة الحسب والنسب وأنا ابن مريوم الدلالة”.
ومن التناقضات التي صورت الطبقات الاجتماعية وفوارقها؛ عدم زواج الفتاة الغنية من الشاب الفقير، حتى لو أصبح غنيًا في المستقبل؛ فالنظرة ليست مقتصرة على غني وفقير، بل مربوطة بالحسب والنسب وهذا ما اتضح من خلال حوار عبد الله مع والدته.. وأعلنت لأمي ذات يوم:
_ حين أصبح غنيًا.. هل يرضون بي زوجًا لوسمية؟
سحبت آهة كبيرة.. وصدمتني:
_ لا.. لن يرضوا
_ قلت يريدون غنيًا.
ونطقت أمي دون رحمة:
_ ويريدون أصلًا.. وفصلًا.. وحسبًا ونسبًا… وأنت؟ ابن مريوم الدلالة مهما صرت واستويت.
حتى الشخصيات الثانوية في الرواية لم تكن إلا قيدًا من قيود المجتمع وحاجزًا من حواجزه يقف أمام رغبات البطل، فيزيد من معاناته فلا أمه ولا أم وسمية ولا حتى العسس، جميعهم حواجز من حواجز المجتمع، والأمر الذي يتجلى بوضوح وقت تطالعنا الرواية بحوار زوجة عبدالله الرافضة له ولعمله وللبحر، الزوجة الساخطة على كل ما يمثله أو يحبه أو يمثل رغبته، وهي باعتبارها فاصلًا بين حياته القديمة والجديدة، وربما كان تعبيرها حين دخل منزله راجعًا من البحر وحاملًا رائحته في أولى مشاهد الرواية مخاطبة إياه: لا تجلس، اذهب إلى الحمام وانزع عنك حتى جلدك لو استطعت”.
هذا الصدام المتكرر محتم له أن ينتهي بالهروب إلى المكان الأكثر اتزانًا وأمانًا لروحه المعذبة.
للمكان في الرواية دور في إنشاء جو حقيقي للقصة. شخّصت ليلى عثمان المكان، وجعلته بمواصفاته ساحة لتحوّلات الشخصية النفسية والعاطفية؛ فالبحر والشوارع المؤدية إلى بيت وسميّة في لحظات النشوة أماكن تضجّ بالبهجة والسعادة:
“صافحت عيناي الشارع، أحسسته يزهو بغلالة وردية…”.
وفي لحظات الحزن والتشاؤم تصبح الأماكن قبورًا ومواضع حزن، مثلما تحول البحر في نظر عبدالله بقوله: “أنت الموت أكرهك”.
لقد اختارت ليلى عثمان عنوانًا رمزيًا لروايتها “وسمية تخرج من البحر”، فوسمية تمثل المجتمع المترابط الحنون، لكن هذا المجتمع مصيره الغرق.
في الختام: تلعب الطبقات الاجتماعية دورًا محوريًا في تشكيل بنية المجتمعات. على الرغم من أن هذه الطبقات قد تتغير بمرور الوقت نتيجة للتغيرات الاقتصادية والسياسية والثقافية، فإن الفجوات بين الطبقات تظل تحديًا كبيرًا أمام الأدباء.
*ناقد من سوريا
التعليقات