مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

أ.بدر العوفي* هل (الأفكار) التي تدور بعقولنا ذات أثر مباشر على وظائف الأعضاء؟ أم …

تغيير طريقة التفكير.. تغيير لقوانين اللعبة! أثر الأفكار التي نحملها على وظائف الجسد

أ.بدر العوفي*

هل (الأفكار) التي تدور بعقولنا ذات أثر مباشر على وظائف الأعضاء؟ أم أنها تظل مجرد (أفكار) وأثرها مقتصر على التحفيز لأداء العمل؟ للإجابة على هذا السؤال سعى الباحثون مؤخراً لإجراء دراسات متنوعة تهدف لاختبار العلاقة بين (الفكرة) و (العمل) وأثر ذلك على وظائف الأعضاء. ومن هؤلاء الباحثة الأمريكية آليا كروم -أستاذة علم النفس بجامعة ستانفورد الأمريكية- [1] [2]، التي أكدت، وفق نتائج عدة دراسات، على أهمية (الأفكار) ليس على المستوى النفسي فحسب، بل وعلى المستوى البدني أيضًا! فما نقوم به من (عمل) لابد أن يتزامن مع (فكرة) مسبقة يتفاعل معها العقل البشري ليحدث (الأثر)، في هذه المقالة، نعرض ملخصاً لنتائج بعض الدراسات الطبية المحكمة التي قامت بها الباحثة كروم وآخرون، لإثبات هذا المبدأ.

الأفكار المسبقة، وأثر الرياضة:

مكان إجراء التجربة: جامعة هارفارد الأمريكية [3]

سؤال البحث: لاحظت الباحثة انعدام أثر الرياضة (كحرق الدهون وتحقيق الرشاقة وتوازن ضغط الدم) على كثير ممن يقومون بأعمال بدنية شاقة، رغم استيفائهم للجهد البدني اليومي الموصى به من الجهات المختصة. فهل يحصل ذلك بسبب عدم إدراك هؤلاء الأفراد بقيمة وأهمية الأعمال التي يقومون بها؟

منهجية الدراسة: تم جمع عينة دراسة مكونة من 84 مشاركاً، من أفراد يقومون بخدمة تنظيف الغرف بسبعة فنادق متفرقة. وتم سؤال هؤلاء الأفراد فيما إذا كانوا يقومون بممارسة الرياضة أم لا! ورغم الجهد البدني الشاق لهؤلاء الأفراد بتأدية الأعمال الفندقية، لكن جلهم أفاد بعدم ممارسة الرياضة! تم بعد ذلك فرز المشاركين إلى مجموعتين: حيث تلقى أفراد (المجموعة الأولى) عرضاً لمدة 15 دقيقة، لتثقيف المشاركين حول كفاية الأعمال التي يقومون بها لحرق السعرات، وهو ما لم يتم مع (المجموعة الثانية) بهدف المقارنة!

نتائج الدراسة: قام فريق الدراسة بقياس ثلاث إشارات حيوية (الوزن، ضغط الدم، وحرق الدهون) لدى جميع الأفراد خلال فترتين: عند بداية الدراسة، وبعد مرور 30 يومًا من تثقيف أفراد المجموعة الأولى. لم يكن مفاجئاً أن أفراد المجموعة الثانية (من لم يتثقفوا بأهمية الأعمال البدنية الفندقية) أظهروا قياسات متشابهة خلال الفترتين! لكن المفاجئة كانت أن أفراد المجموعة الأولى حققوا تطوراً بمعظم الإشارات الحيوية. وعلاوة على ذلك فقد سجلوا نسبة رضا وظيفي مرتفعة! ما قاد فريق الدراسة لاستنتاج ضرورة الاعتقاد المسبق بأهمية الرياضة لتهيئة العقل لإحداث الأثر.

الأفكار المسبقة، والشعور بالجوع:

مكان إجراء التجربة: جامعة ييل الأمريكية [4]

سؤال البحث: عند الحاجة إلى الطعام، يقوم جسم الإنسان بإفراز هرمون الجوع (Ghrelin Hormone)، وعند بلوغ مستوى الهرمون إلى حدود معينة، يتم إرسال إشارة إلى الدماغ بضرورة التزود بالطعام، وخفض النشاط البدني. فهل تتم عملية إفراز (الهرمون) لا إرادياً وعند الحاجة الفعلية للطعام أم عندما (نعتقد) أننا بحاجة إلى الطعام؟

منهجية الدراسة: تم جمع عينة مكونة من 46 مشاركاً، لإبداء الرأي حول عبوتين من مشروب لبن مخفوق. تحتوي العبوة الأولى على مشروب منزوع السكر والدهون، بينما تحتوي العبوة الأخرى على مشروب غني بالسكر والدهون. تم إجراء التجربة بفترتين متباعدتين (فترة لكل منتج)، وبكل فترة يتم سحب عينات من الدم بعد 20، 60، 90 دقيقة، بهدف قياس مستوى هرمون الجوع بالأفراد المشاركين بالدراسة. خلال الفترة 20-60 دقيقة: يتم إطلاع المشاركين على علامة المنتج التي تظهر نسبة السكر والدهون، وخلال الفترة 60-90 دقيقة: يتم السماح للمشاركين بتناول المنتج.

نتائج الدراسة: بعد الانتهاء من التجربتين تم سؤال المشاركين لإبداء وجهة النظر حول القيمة الصحية للمنتجين، وأفاد أغلب المشاركين أن المنتج الأول صحي بدرجة أكبر لعدم احتوائه على السكر والدهون، بإشارة لإدراكهم بمحتويات المنتجين، وهذا ما انعكس على استجابة الجسد بزيادة إفراز هرمون الجوع (الشكل 4). أما المنتج الغني بالسكر والدهون فقد تصاحب مع إفراز منخفض لهرمون الجوع، كنتيجة لشعور المشاركين بالشبع!

المفاجئة كانت أن علامة المنتجين كانت مضللة للمشاركين، فكلا المنتجين كانا متشابهين، ويحتويان على كمية متشابهة من السكر والدهون! ولكن (اعتقاد) المشاركين وحده هو ما أدى إلى تفاعل العقل واستجابة الجسد بمستويات إفراز هرمون الجوع؛ ما قاد فريق البحث لاستنتاج أن إفراز هرمون الجوع لا يتم بآلية لا إرادية، بل عندما (نعتقد) أننا بحاجة إلى تناول الطعام!

الأفكار المسبقة.. والشعور بالتوتر:

مكان انعقاد التجربة: جامعة ستانفورد الأمريكية [5] [6]

سؤال البحث: كثيرًا ما تردنا التحذيرات من الخطورة المطلقة للتوتر وارتباطه بعدد من الأمراض. بخلاف ذلك، يشير الكثير من المراجع لأهمية التوتر بإبقاء البشر بمنأى عن المخاطر، وذلك عندما يتم التعامل مع المؤثرات المحفزة للتوتر مع امتلاك القدرة على العودة للحالة الطبيعية عند زوال تلك المؤثرات [7]. أما البقاء لفترات طويلة تحت تأثير التوتر فتنتج عنه بلا شك آثار جسيمة. تشير المصادر أيضًا لارتباط آثار التوتر بطريقة التفكير، فالأشخاص الذين يدركون أهميته، ويدركون ضرورة السيطرة عليه، يكونون أقل عرضة لآثاره غير المرغوبة.  فهل إدراك الأفراد لأهمية التوتر يمكن أن يقلل من آثاره الجسيمة؟

منهجية الدراسة: تم جمع عينة مكونة من 300 مشارك، وتعيينهم بمجموعتين. تم إطلاع أفراد المجموعة الأولى على مقطع إرشادي يصف خطورة التوتر ويبين آثاره الجسيمة على الصحة، وفي المجموعة الثانية تم إطلاع المشاركين على أهمية التوتر بالتعايش والبقاء بمنأى عن المخاطر.

نتائج الدراسة: بعد عدة أشهر، أظهر الأفراد الذين أدركوا أهمية التوتر كوظيفة حيوية مستويات معتدلة لهرمون الكورتيزول، ما نتج عنه انخفاض ملحوظ بالآثار الجانبية للتوتر، وتشمل: آلام الظهر، والشد العضلي، والأرق. كما أظهروا مستويات مرتفعة بالأداء الوظيفي. ما قاد فريق الدراسة لاستنتاج أن مستوى إفراز الكورتيزول وما ينتج عنه من آثار جسيمة ذا صلة مباشرة بطريقة تفكير الأفراد.

الأفكار المسبقة.. وأثر العلاج:

لا شك أن الأفكار التي نحملها ذات أثر مباشر على تفاعل الجسد مع الدواء. ففي كثير من الأحيان قد لا يكون للدواء قيمة حقيقية على وظائف الأعضاء، لكن مجرد (اعتقاد) الأفراد بالقيمة الدوائية يحدث الفرق، وهو ما يعرف بتأثير البلاسيبو (Placebo effect). ولهذا فكثيرًا ما يتم تصميم الدراسات السريرية للدواء لتلافي هذا المؤثر، فيتم تعيين المشاركين لمجموعتين: تتلقى الأولى الدواء المصنع، بينما تتلقى الثانية منتج شبيه بالشكل ولا يحتوي سوى على مركبات سكرية ليست ذات قيمة دوائية. وإذا ما نظرنا إلى مخرجات أي دراسة سريرية، فسنجد أن عدداً من الأفراد يظهرون تطوراً ملحوظاً بالحالة الصحية، ليس لأثر العلاج، بل للتأثير المجرد للأفكار التي يحملونها (تأثير بلاسيبو)! وبهذا تكون (طريقة التفكير) وحدها أداة علاجية فعالة!

الأفكار المسبقة وإدارة العافية.. وصفة طبية:

أشارت الدراسات إلى أن معدل ما يتحدثه الشخص مع نفسه باليوم الواحد يتجاوز 5000 كلمة [9]! وهذه الحالة طبيعية لنسج تصورات عقلية حول الأحداث والمواقف [10]. إلا أن الحالة غير الطبيعية، وفق ما أشارت المصادر، هي أن 77٪ من حديث النفس يكون سلبياً [9]! وهذا ما يقود لنتائج جسيمة على وظائف الأعضاء! فنقلاً عن د. وليد فتيحي، تشير بعض الدراسات إلى أن 75٪ من الأمراض ينتج عن طريقة التفكير السلبية [9]! وقديماً قال الحكيم اليوناني إبيكتيتوس: “لا يسقم الناس من الأشياء ذاتها، ولكن من الأفكار التي ينسجونها حولها!”. كما قال ربنا عز وجل بالحديث القدسي: “أنا عند ظنِّ عبدي بي فليظُنَّ بي ما شاء”. ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيخٍ مريض، فقال له: “لا بَأْسَ، طَهُورٌ إِن شَاء اللَّه” فقال الرجل: “قلتَ: طَهُور؟ بل هي حُمى تفورُ، على شيخٍ كبير، تُزِيرُهُ القُبور”. فقال صلى الله عليه وسلم: “فنعمْ إذاً”!

نشاط العقل والنشاط الجيني.. أرحنا بها يا بلال

قدمت بعض الأبحاث الطبية المحكمة ما يؤكد وجود علاقة بين (طريقة التفكير) و (النشاط الجيني) لدى البشر! ففي تجربة أجريت بجامعة هارفارد [12]، قام الباحثون بتحليل الملف الجيني لمشاركين أصحاء (٢٦ مشارك)، ثم تم تدريبهم على طريقة للتحكم بأفكارهم (كما في صلاة المسلمين وفق وصف الدراسة)، والتي تهدف لوقف التدفق المستمر للأفكار [13]. ترتكز الطريقة على شرطين أساسيين: أولًا: ترديد كلمات معينة (مثل: الله أكبر) لفترات متفرقة خلال اليوم، ثانياً: تجاهل كل ما يمكن أن يشتت الانتباه (الخشوع) [14]. طُلب من المشاركين اتباع وتكرار هذه الطريقة لمدة ٨ أسابيع، ثم تم تحليل الملف الجيني للمشاركين مجدداً!

أظهرت نتائج الدراسة تغيراً جذرياً بملفات النشاط الجيني لجميع المشاركين، الذي قاد إلى انخفاض باستهلاك الطاقة، وتباطؤ بنبضات القلب، واسترخاء العضلات، وانخفاض ضغط الدم! بل وعدد من النتائج المضادة لآثار التوتر. كما أظهرت الدراسة أن احتمالية أن تكون هذه التغيرات بمحض الصدفة هي ١/١٠ مليار احتمال! مما قاد فريق الدراسة لتأكيد وجود علاقة بين نشاط العقل والنشاط الجيني، وانعكاس ذلك على وظائف الأعضاء! فصدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، إذ قال: “اَرِحنا بها يا بِلال”!

خاتمة:

قد ندرك بجلاء مهام ووظائف مجمل أجهزة الجسم البشري ذات العلاقة بالتفاعل مع العالم الخارجي. فجهاز الهيكل العظمي للدعم والحماية، والجهاز الدوري الدموي لنقل الغذاء، والجهاز التنفسي لتبادل الغازات، وكذلك الحال مع بقية الأجهزة. لكن هناك أيضاً جهاز الغدد الصماء، ذو المهام المتعلقة بالعالم الداخلي للجسد، الذي يسعى لتحقيق التناغم الداخلي بين الأعضاء! يعمل هذا الجهاز باستخدام الهرمونات، لإشعار الدماغ بحالة التناغم المطلوبة بين الأعضاء. وعند إشعار الدماغ بالرسالة (مستوى الهرمون)، يقوم بدوره بتوجيه الأعضاء لتحقيق التفاعل والتناغم [11]. وقد دلت الدراسات عن أثر الأفكار على عملية إفراز الهرمونات، بالتالي استجابة الدماغ وتفاعل الأعضاء.

ختاماً، كما أن أعمال الدين لا تصح بلا إيمان ونية مسبقة، فكذلك أعمال الجسد، إذ يجب أن يسبقها فكرة ايجابية لما ننوي القيام به، لتهيئة العقل لإحداث التكامل والتناغم بين أجهزة الجسم، وحينها سيكون للعمل أثر إيجابي!

المراجع :

[1]

A. Huberman, “Dr. Alia Crum: Science of Mindsets for Health & Performance,” YouTube – Huberman Lab Podcast #56, 24 01 2022. [Online]. Available: https://www.youtube.com/watch?v=dFR_wFN23ZY. [Accessed 10 12 2022].

[2]

Alia Crum, “Change your mindset, change the game,” TEDxTraverseCity, 15 10 2014. [Online]. Available: https://www.youtube.com/watch?v=0tqq66zwa7g. [Accessed 8 12 2022].

[3]

Alia J. Crum and Ellen J. Langer, “Mind-Set Matters: Exercise and the Placebo Effect,” Psychological Science, vol. 18, no. 2, pp. 165-171, 2007.

[4]

Alia J. Crum and William R. Corbin, “Mind Over Milkshakes: Mindsets, Not Just Nutrients, Determine Ghrelin Response,” Health Psychology, vol. 30, no. 4, pp. 424-429, 2011.

[5]

Alia J. Cruma, Sean Fath, et al, “The role of stress mindset in shaping cognitive, emotional, and physiological responses to challenging and threatening stress,” ANXIETY, STRESS, & COPING, 2017.

[6]

Alia J. Crum, Peter Salovey, Shawn Achor, “Rethinking stress: the role of mindsets in determining the stress response,” Journal of Personality and Social Psychology, vol. 104, no. 4, pp. 716-733, 2013.

[7]

Alia Crum and Thomas Crum, “Stress Can Be a Good Thing If You Know How to Use It,” Harvard Business Review, 2015.

[8]

Benedetti, Fabrizio Maggi, Giuliano, et al, “Open versus hidden medical treatments: The patient’s knowledge about a therapy affects the therapy outcome,” Prevention & Treatment, vol. 6, no. 1, 2003.

[9]

د. وليد فتيحي، ومحياي: المجلد الثاني – التوتر، جدة: دار عصير الكتب، ٢٠٢١.

[10]

Kross E, Bruehlman-Senecal E, et al, “Self-Talk as a Regulatory Mechanism: How You Do It Matters,” Journal of Personality and Social Psychology, p. 304–324, 2014.

[11]

Cleveland Clinic, “Endocrine System,” 05 12 2020. [Online]. Available: https://my.clevelandclinic.org/health/articles/21201-endocrine-system. [Accessed 10 12 2022].

[12]

Benson H, Bhasin M, et al, “Relaxation Response Induces Temporal Transcriptome Changes in Energy Metabolism, Insulin Secretion and Inflammatory Pathways,” PLOS ONE, vol. 8, no. 5, 2013.

[13]

Herbert Benson, “Herbert Benson – The Relaxation Revolution: Enhancing Health Through Mind Body Healing,” YouTube, 10 09 2012. [Online]. Available: https://www.youtube.com/watch?v=KZ7JfC3_Zgc. [Accessed 24 12 2022].

[14]

Herbert Benson, “Relaxation Response: Dr. Herbert Benson Teaches You The Basics,” YouTube, 29 02 2016. [Online]. Available: https://www.youtube.com/watch?v=nBCsFuoFRp8. [Accessed 24 12 2022].

* كاتب سعودي

التعليقات

  1. يقول حليمة بنت حسين:

    وكيف لا تؤثر الأفكار على جسم الإنسان، والأفكار هي الوقود الذي يحرك الجسد، هي مايشكل شخصية الإنسان ويسكن دماغه ثم تلقي بالأوامر لسائر الجسد!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود