شذى الجاسر *

في أحد الأماكن التي تعرض خدماتها وتسهيل الأمور للمستخدمين توجهت ناحية الكراسي الساكنة في جانب تلك المساحة الشاسعة…
كراسي تنتظر من يسكنها لتحتويه حتى يدخل بين أزقة قرى أفكاره ثم يرحل عنها وترجع هي لحالة الانتظار لساكن آخر…
اقتربت من أحدهم وسمحت له باحتضاني لتبدأ معه رحلة التأمل والتفكير والتساؤلات… انظر لتلك الكراسي التي سُكنت والخالية منها والانتظار الذي يتملكهم في تلك اللحظات…
ذلك الانتظار يمثل الوضع النفسي المقلق الذي يشبه الجلوس على الجمر بسبب وضع الترقب للنتيجة المرجوة سواء كانت مفرحة أو محزنة، قد تكون هذه النتيجة معلومة مسبقًا من خلال توقعها وتوقع تبعاتها من نتائج، وقد تكون مجهولة فلا يعلم المرء ما سينتهي به هذا الانتظار…
هو أمر وجودي لا مفر منه، قد يتمكن من النفس فيجعلها تعيش مشاعر اليأس والخيبة وقد نكون نحن من نغلبه بقوة التحمل والصبر والتفاؤل بتحقق المراد؛ قطع هذا التأمل رجل تعلن ملامحه روحه المرحة متوجها ليشارك رحلة الانتظار أحد هذه الكراسي التي تشبهني بشكل أو بآخر فيتبادر في ذهني سؤال:
إلى متى سأصمد أمام وحش الانتظار دون أن يأكلني؟
في كل يوم من صحبتي مع هذا الوحش ينقص جزءا من روحي، ويهزل جسدي، أتذكرك…
ابتسامتك، حرفك، عيناك، كل شيء يخصك امتلكني وجعلني أسيرة لا تملك المغادرة ولا تقوى البقاء، في المنتصف أقف صامتة… ساكنة الجسد رغم كل التحركات والتنقلات…
سمعت ذات يوم عن قصص حياة أناس بعد ما فارقهم النبض وعادو للحياة، هل ستعود روحي التي كُفنت وصلت عليها مشاعري صلاتها الأخيرة! 
أخشى عودتك بعد دفنها، وأخاف انعاشها لتستمر في طريق مسيرها بصحبة الانتظار الذي ينهش منها كلما اشتاق…
هل تعلم ما هو الألم!
ليس الفقد بالموت ولا الغياب… الألم حينما يموت شخص على قيد الحياة وتنتظره أن يستفيق، أن ينتعش قلبه، تترقب عينيه من بعيد آملًا أن ترف رموشه، وتنظر لنبضه علّه يخبرك بشيء يطمئنك، أو يرسل لك نظرة فيها رسائل قلبه، روحه لك، تخبرك أنه يعيش حالة انتظارك…
يجذبني للواقع الجهاز الآلي الذي يعلن رقم انتظاري… توجهت للمكتب المخصص وبعد الانتهاء من الإجراءات يخبرني الموظف انتظري مجيء رسالة لك على هاتفك فيها رقم المعاملة والطلب المرفوع… ابتسمت شاكرة له لأغادر ذلك المكان بكراسيه التي تنتظر ساكنيها كما انتظار روحي لك! 

*كاتبة سعودية