مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

هناء الحويصي العزلة والخلطة! مفردتان متضادتان، والخط الفاصل بينهما هو؛ أين يكمن …

الخط الفاصل بين العزلة والخِلْطة

منذ سنة واحدة

321

0

هناء الحويصي

العزلة والخلطة! مفردتان متضادتان، والخط الفاصل بينهما هو؛ أين يكمن الأنس،  وأي طريق على الإنسان أن يواصل السير فيه. 

فقد عرف منذ القدم بأن جوهر الجانب الاجتماعي للإنسان هو الأنس ببشرٍ آخرين، ومشاركتهم الأفراح والأحزان والأحلام والأفكار، لكن ألا يستطيع أن يأنس بما بين أرفف الكتب وعلى سطور الورق، أم أنه اعتقاد لبعض الأدباء القدماء الذين آثروا العزلة على الاختلاط؟ وكأنهم اعتنقوا مبدأ داود الطائي عندما قال: “توحش من الناس كما تستوحش من السباع”. وهل حقًّا أغنتهم العزلة عن الخلطة بالناس؟ فشاركوا الورق أحلامهم وأفكارهم وآراءهم ومعتقداتهم وشاركوا الكتب أفراحهم وأحزانهم.

من الحقائق المغلوطة أن (رهين المحبسين ابن معرة النعمان) أبا العلاء المعري كان من الأدباء المعتزلين! والحقيقة أنه كان ما بين العزلة والخلطة، فهو لم يعتزل بالكلية بل كان أستاذًا يعلم الناس، ومحبًّا لهم.

والسؤال الأهم يدور حول الكيفية، كيف نعتزل ونختلط. فنحن نعايش عصر الخلطة المفرطة، المتوغلة في الإنسان ومجريات يومه، فجعلته القريب البعيد، ملايين البشر يستطيعون مشاركته أخباره ولحظاته المهمة خلال ثوانٍ معدودة وقادرين على الوصول إلى معلوماته الخاصة والسرية من خلال النقر على أي لوح إلكتروني، فأصبح يعاني الإنسان من هاجس المحافظة على خصوصيته في ظل هذا التوغل الإلكتروني، وعليه أن يغالب هذا النوع من الخِلطة، الذي جعله منعزلًا عن نفسه، لئلا يغرق فيها ويتوه في الوجود.

كيف لنا أن نحدد ونشد وثاق الخط الفاصل بين العزلة والخِلطة؟ فالعزلة الكلية مدمرة، والخِلطة الكلية مرهقة أيضًا، كيف نحث الإنسان على الارتحال داخل ذاته والاختلاط بين أقرانه بذات الولع والتوهج.

من الجهود الثمينة التي أوجدتها وزارة الثقافة السعودية، والتي تدل على أهمية عزلة الإنسان بنفسه، هي المعتزلات الأدبية التي “تستضيف الأدباء والكتاب من جميع أنحاء العالم ومنحهم فرصة صقل مهاراتهم الأدبية من خلال تجربة التواجد في بيئات منعزلة وملهمة”.

وذلك يدل على أن نتاج العزلة؛ إلهام وإبداع متفرد.

فالإنسان إن وجد الأنس في مصاحبة نفسه ونَقَبَ عن مداخل كهفه؛ لا بد له من أن يجدها، إن ركز وفكّر وتأمل وتبصَّر، وحافظ على ما وجد ولم ينشغل بالحياة العملية عن كنوز ذاته، حينئذ؛ سيكتشف الجمال البهي لكنوزه الدفينة.

أما عن كيفية الثبات على الخط الفاصل بين العزلة والخلطة، نجده في قول الشافعي رحمه الله، إذ قال: “يا يونس! الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء، فكن بين المنقبض والمنبسط”. فعلى الإنسان إذًا أن يأنس بعزلته مع نفسه وأن يأنس بخلطته مع الناس مع الأخذ بعين الاعتبار، أن يحاول وهو معهم أن يكون “الأصم السميع، والأعمى البصير، والسكوت النطوق”. كما قال وهيب بن الورد القرشي.

*كاتبة سعودية

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود