96
042
042
089
053
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11815
04747
04703
04495
04409
17*المعلامة، الفقي؛ مؤسسات، وهي نافذتنا إلى المعرفة
*بنت اليمن السنونوة التي تصنع الربيع
*الديستوبيا مشروع قراءة الوجع الإنساني
*المثقف أمام تحد في مواكبة المتجدد في مضمار المعرفة والثقافة
*الحالة الثقافية في المملكة طفرة غير معهودة وطموح للعالمية
حوار_عبدالعزيز طياش
الريف، والبحر، والسهل، والجبل... ومن قرية تتكئ على الغيم!
كانت تشكلات طفولة ونضوج ضيفنا الأديب الأستاذ الدكتور عبد الحميد الحسامي، أستاذ الأدب والنقد في جامعة الملك خالد.
أهلا بك أديبًا بليغًا وناقدًا حصيفًا، وأستاذًا متميزًا وضيفًا عزيزًا…
مرحبًا بكم، وشكرًا لأنكم منحتموني نافذة للبوح، واللقاء بالقراء الأعزاء عبر هذه الحروف، في ضيافة فرقد، حيث يكون للحديث طعم مختلف.
– يقول سليمان العيسى:
وللطفولة أبواب السماء فإن ضاقت بها فلماذا الشمس والقمرُ
ما الذي يعنيه لك هذا البيت؟
الطفولة هي (نحن) حين كنا، وهي هم حيث يكونون، وحيث يصبحون، بل هي نحن حيث يظل الطفل ساكنًا في أعماق كل فردٍ منا، مهما كبر، وطال العمر به؛ الطفولة هي فرح الحياة، وحياة الفرح، هي البراءة تتجسد في كائنات، وهي الملائكة في هيئة الصغار، الطفولة حنين دائم لنعيش الحياة كما ينبغي لها أن تعاش، وكما يجب أن نعيش، أحن إلى الطفولة فهي أبواب السماء، سماء الفطرة، وسماء الانطلاق، وسماء العيش بلا أحقاد، الطفولة هي أجمل أيامنا صغارًا، وهي أجمل أيامنا ونحن نعيشها كبارًا ذكرياتٍ، وحنينًا، وزمنًا لا يغيب.
لقد كان لطفولتي أثر كبير في تشكيل شخصيتي، ومنحي سمات مهمة مثل العناد، والإصرار، والطموح، فطفولة البيئة الجبلية منحتنا كذلك القدرة على الصبر، ومجالدة الحياة، في الطفولة تتشكل نواة الشخصية التي تأخذ امتداداتها طيلة الحياة.
*المعلامة، الفقي؛ مؤسسات، وهي نافذتنا إلى المعرفة
– (المعلامة، الفقي).. حدثنا عن هذه المصطلحات وعن ماهيتها ودورها، وهل ما زال لها وجود وأثر في صناعة الجيل؟
المعلامة هي المؤسسة التربوية التي كان رائدها، وطاقم تدريسها، وفلسفتها، ومناهجها مختصرة بشخص اسمه (الفقي) أو (الفقيه) إليه نسير، وعلى يديه نتشكل خارج (مؤسسة البيت) ومعه ننطلق للسماء نقرأ الفاتحة، وما تيسر من سور الكون المسطور، والكون المنظور، ونخط أحرفنا على اللوح، ونبدأ خطواتنا في الحياة، خطوط (اللوح) الخضراء المستقيمة، تمنحنا إشارات المرور إلى المستقبل، وعلى سن القلم الخشبي تنساب أحلامنا، وحروفنا، ونبدأ رحلة عشق مع اللغة، والكتابة، نتهجى الكلمات، ومعها نتهجى تفاصيل الكون. وبين الكون واللغة قاسم مشترك فكلاهما بيتنا الذي نسكنه، وفيه تعشب أحلامنا، وتورق كينونتنا.
إن المعلامة هي مؤسسة العلم، ومؤسسة التربية، ومؤسسة الحياة، والفقي هو الجمع بصورة المفرد، فقد كان يؤدي أدوار عدة مؤسسات وكان نافذتنا إلى المعرفة.
– حدثنا عن جامعة تعز، عن أثرها الكبير عليك وعلى عدد من الطلاب داخل اليمن وخارجها.
جامعة تعز هي روح تعز، وتعز هي رئة اليمن، وروحها التي تمدها بهواء المعرفة والثقافة، تعز هي قلعة القاهرة، والمدرسة الأشرفية، والجامع المظفر، هي التنوع، والثقافة، والحداثة، منحتنا تعز في جامعتها أجنحة الطموح، ونفخت فينا روح التطلع للمجد، درسنا في جامعة تعز على أيدي أساتذة يمنيين أكْفاء، وأساتذة أشقاء من أرجاء الوطن العربي: مصر، العراق، الشام، كانوا قدوة فأشعلوا فينا فتيل المثابرة، وحب المعرفة، وأسرار الحياة، كانت جامعة تعز، ولا تزال، منارة معرفية، وثقافية، وتظل مخرجاتها ذات نكهة خاصة؛ مصبوغة بروح المكان، وذاكرة الفعل الثقافي الرصين الممتد، لقد شكلت فينا أسس الانطلاق في عالم البحث، وقلق المعرفة.
في جامعة تعز حسمت قرار تخصصي في اللغة العربية استجابة لشغف عميق بالعربية وآدابها.
*بنت اليمن السنونوة التي تصنع الربيع
– يقول الشاعر محمد الشميري: سمراء من كفِّها تنساب أوديةٌ فوق السحاب وريح البنّ تغشاني
بنت اليمن! ماذا عنها؟! ما الذي تعنيه لك خصوصًا، وللعقل الجمعي في اليمن بشكل عام؟
بنت اليمن هي أيقونة للمرأة العربية التي تشارك الرجل هموم الحياة، ومتاعب الطريق، هي السنونوة التي تصنع الربيع، وتتحدى الصعاب، بنت اليمن هي الأم، والأخت، والزوجة، والبنت، هي المحبوبة التي تغنت بها الأشعار، وتغنت بأشعار الحنين، وقصصها.
بنت اليمن هي (الأرض يا سلمى) و(ليته لم يعد) هي (شيء اسمه الحنين) الذي تظل جذوته قائمة لحبيب أجبرته الحياة على الهجرة، وتَنَكُّبِ الأرض، بحثًا عن طموح هارب، أو لقمة عيش قصية، أو رغبة في تحسين وضع اقتصادي.
لقد ظلت المرأة اليمنية هامشية في الوعي الجمعي، وظلمت لأزمنة كثيرة، وإن أخذت في اللحظة الراهنة تكافح لانتزاع حقوقها، في الفعل السياسي، والثقافي، والإبداعي، وفي كل مناشط الحياة، وأخذت حظها من الحضور، بوسطية تراعي تقاليد المجتمع، وثقافته، وتنفتح على المعطيات العالمية بوعي ثاقب.
وأصبحت بنت اليمن ركيزة أساسية في التنمية، وشريكة الرجل في صناعة الحياة، وفتح النوافذ لمستقبل تطمح إليه الأجيال.
– بين دراسة الرواية ونقد الشعر.. ما الذي يجذبك هنا وهناك؟ وأيهما يغلبك ويقبض على أدواتك أكثر؟ وإلى أي مدى يمكن أن نقول إن الناقد يعيش الحال نفسه الذي يعيشه المبدع من تجاذبات بين الشعر والسرد.. وهل يمكن اعتبار ذلك أمرًا صحيًّا؟
يستهويني النص الإبداعي المتفرد الذي أجد فيه خصوصية المبدع، وبصمة كينونته الإبداعية الخاصة، هناك أقف موقف القارئ، المتأمل، سواء أكان النص الذي أمامي شعرًا، أو سردًا، يفتنني النص الشعري بجموح خياله، وأسرار لغته، وتأخذني دهشة النص السردي حين يجمع بين تخييل الواقع، وواقعه الخيالي، حين يصنع عوالم موازية نحيا بها، وحين يغوص في أعماق القلق الإنساني، ويناوش بجرأة أسئلة الحياة.
إن الناقد الحقيقي هو في الأصل مبدع حقيقي، ليس الناقد من امتلك أدوات النقد مجردة من حس المبدع، فالنصوص الإبداعية لا يمكن أن نتلمسها بمشرطٍ نقديٍ قاسٍ، بل بفرشاة الروح، ينجح الناقد في قراءة النص الإبداعي كلما أصغى لأسرار الإبداع الكامنة فيه، فليس بالعلم وحده تحيا النصوص النقدية، وإن كان العلم شرطًا مهمًا في الاقتراب من النص، لكن الإيغال فيه يجني على روح الإبداع، وعلى ذائقة الناقد، وذائقة المتلقي في آن.
إن التجاذبات في الكتابة تتجلى بشكل أكبر لدى المبدع منها لدى الناقد، بحكم طبيعة كل منهما، فالنقد أكثر ميلًا إلى العلمية، بينما الإبداع أكثر انتماء للموهبة.
– كيف يمكن للناقد أن يلتقط الأعمال الروائية المتميزة، بالتالي الخروج بأعمال نقدية نوعيّة وخلاقة؟
يمكنه ذلك حين يقرأ المشهد قراءة معمقة، حين يتابع، ويستغور، ويقارن، ويميز الغث من السمين، وذلك لا يكون بضربة حظ، بل بتجربة، وتراكم قرائي ناقد، وحين يلتقط الأعمال المكتنزة بالرؤية والجمال، يستطيع أن يقدم عملًا جديرًا بالتقدير، فالأعمال الإبداعية الرصينة كفيلة بأن تخلق أعمالًا نقدية رصينة، أما النصوص الهزيلة، فإنها تذوي بين يدي النص النقدي، فتموت، وهي في الوقت نفسه، تميت النص النقدي من جهة، وتعلن الحداد على الناقد من جهة أخرى؛ إن النص الإبداعي المثمر قادر على أن يدفع الخطاب النقدي إلى مناطق جديدة، ويجترح له مفاهيم، ومسالك متجددة، إنه شريك فاعل في صناعة النظرية النقدية.
*الديستوبيا مشروع قراءة الوجع الإنساني
-كتاب الديستوبيا في الخطاب الروائي.. حدثنا عن مصطلح الديستوبيا وعن أهمية هذا الكتاب لديكم كمشروع نقدي عابر للغات والآداب المختلفة؟
إن الديستوبيا في أبسط تعريفاتها هي العالم السوداوي، كتاب الديستوبيا بجزأيه (الغربي- والعربي) –ضمنيًا– هو مشروع قراءة للوجع الإنساني الممتد في تاريخ البشرية، هو قراءة لمسار الشر في الإنسانية، (المسار القابيلي)، حيث يبسط الإنسان يده لقتل أخيه الإنسان، أو مصادرة حقوقه، أو يوظف منجزات العقل البشري في أتعاس البشرية، والتعجيل بقيامتها، لقد أخذت التقنية مسارات من شانها تعرية الإنسان، وسلب هويته، بل وإخضاعه لعملية استنساخ، وتهديد حياته على هذا الكوكب فحياة البشرية اليوم مرهونة بضغطة زر من إصبع شرير أحمق.
إن الديستوبيا مشروع لقراءة متخيل الرواية لواقع مستقبلي سوداوي بناء على معطيات الراهن، فالراهن لا يشي بأمل ينقذ الكون من شرور الإنسان، ولا يبشر بما يجعلنا نتفاءل، بل على العكس فالإنسان كلما رأى قناة أو عودًا، سارع لتركيب سنان ليقتل به أخاه الإنسان، وقد لخص ذلك المتنبي، حين قال:
كلما أنبت الزمان قناةً ركَّب المرء للقناة سنانا
من هنا تأتي أهمية الكتاب/ المشروع، وهو أول كتاب يستقصي الرواية غربيًا وعربيًا في سياق تراكمي، تاريخي، يبحث تاريخية هذا النوع الروائي من ناحية، ويسعى لاستكشاف خصائصه الرؤيوية والجمالية من ناحية أخرى، إنه بمعنى آخر، يستهدف تقديم (شعرية الخطاب الروائي الديستوبي) ويمكنني القول: إنه محاكمة نقدية لنزعة الشر، والحرب، والقتل في البشرية، ودعوة ضمنية للسلام، والحب، والحياة.
-الحداثة، التحديث، وغيرها من المصطلحات التي تُعنى بالتجديد والجِدّة والابتكار.. لماذا ما زلنا نعيش في دوامة القبول والرفض، ومن المتسبب الأول في وجود هذه الضبابية وهذا العمى المربك؟
هذه المصطلحات تعزز مدى الارتباك في الثقافة العربية، ولم تكن كذلك لو أننا امتلكنا مشروعنا الحضاري، لقد نشأت لأننا منذ لقائنا بالغرب (المستعمر) اتخذنا مواقف رد الفعل، ولم نكن نمتلك الفعل، حينما غاب الصوت، وحضر الصدى، فالمغلوب وفقًا للقاعدة الاجتماعية الخلدونية يقلد الغالب، والغالب هو من يفرض شروطه السياسية، والاقتصادية، وهو في الوقت نفسه يفرض شروطه الثقافية، ويسوق أنماط الحياة التي يبتغي لها الهيمنة. إن ضبابية المصطلحات والمفاهيم تنجم من ضبابية الرؤية، والموقف، وحين نصنع مشروعنا بأنفسنا سنتمكن من صناعة مفاهيمنا الخاصة بنا، سننجز حداثتنا المنبثقة من صميم ثقافتنا، سنتمكن من ترويض منجزات الآخر، وتوظيفها في نسيج مشروعنا بانسجام، وهذا لا يمكن أن يتحقق أبدًا في ظل حالة الاستلاب الحضاري.
– الإشهار ركيزة أساسية من ركائز البلاغة الجديدة.. كيف يمكن توظيف هذا الجانب البلاغي في دعم المشاريع التنموية، وربطه بحياة الإنسان ومتطلبات الحياة؟
الإشهار هو طريقة عرض المنتج، أيًا كان نوعه، فكيف يمكنك جلب اهتمام الآخر؛ لكي يصغي إلى بضاعتك بغض النظر عن طبيعة البضاعة، سواء أكانت بضاعة مادية، أو معنوية، فالإشهار في ظل التواصل العالمي يغدو ضرورة ثقافية، وتنموية.
لقد أصبح الإشهار الآن علمًا، له أسسه، وأدواته، وهناك دراسات وافرة في هذا المضمار، ركزت على أبعاده الجمالية، وعناصره البنائية، وعلى أطرافه التخاطبية، ويمكن الإفادة من الإشهار في تسويق الأفكار، والمنتجات الاقتصادية، والثقافية، إن قدرتك اليوم في الترويج لبضاعتك، واستقطاب الآخر لاقتناء منتجك مرهون بمدى امتلاكك للخطاب الإشهاري، وقدرتك على (صناعته) ووسائل الوصول للمُشْهَر له.
– بين اليمن، والسودان، والعراق، والمملكة. ما الذي أضافه لك هذا التشكّل الأكاديمي العلمي الثقافي المعرفي المتنوع؟
لا شك في أن تعدد البيئات الثقافية التي يعيش فيها الفرد تعكس نفسها عليه، وكلما زاد التعدد البيئي/ الثقافي يزداد الثراء، وتكتنز تجربة المرء، وتتنوع.
لقد كانت حياتي بين اليمن، والسودان والعراق، والمملكة العربية السعودية مصدر ثراء لتجربتي العلمية والثقافية، حيث التقيت بثقافة متعددة المشارب، ومفردات المعرفة، وتعرفت على شخصيات متعددة، ومؤسسات كثيرة، وتمكنت من المشاركة في منابر، ومؤسسات، كل ذلك حقق في تكويني تنوعًا مثمرًا سواء في الخلفية الثقافية، أو في المدارس الأدبية والنقدية التي ينتمي إليها الصف الأكاديمي الذي تعلمت على يديه، أو تفاعلت معه في هذه المجتمعات، وما أنا سوى مجموعة أساتذة تمثلت عقولهم، وأرواحهم، وخبراتهم، وأفرغتها في خصوصية ذاتي، فكنت أنا.
بيد أن تجربتي في المملكة – دون مجاملة – كانت أكثر عمقًا لسببين: الأول يتمثل في طول فترة إقامتي في المملكة وهي فترة تصل إلى سبعة عشر عامًا حتى الآن، وهي فترة تحقق فيها الكثير من التراكم لدي، حيث تفرغت تفرغًا شبه كلي للعمل الأكاديمي تدريسًا، وبحثًا، وتكوين طلبة الدراسات العليا في مرحلتي الماجستير والدكتوراه.
والسبب الثاني يتمثل في الاستقرار الذي تعيشه المملكة، وهو استقرار نوعي، صاحبه دعم رسمي سخي، في ظل رؤية طموحة، كل ذلك مكن المؤسسات العلمية، والثقافية في المملكة من الانطلاق، كما منحها التنوع بحكم تمكنها من استقطاب الكفاءات النوعية، في التخصصات الأدبية والنقدية، واللسانية، سواء على المستوى الأكاديمي، أو على مستوى الفعاليات المختلفة من ندوات، ومؤتمرات، وجوائز، وغيرها.
في مسقط رأسي الأول (تعز اليمن) كان اسمي الذي صار علمًا للدلالة عليِّ، وفي المملكة العربية السعودية تمكنت من تحقيق اسمي العلمي، وهويتي الأكاديمية، وقد كنت محظوظًا بالقدر الذي ساقني لأقدار من الفضل، وسماوات من الحلم لا تنتهي.
– ذكرت في حديث لك في برنامج (صنوان) أن من أهم واجبات الأستاذ ومهامه الإشرافية والتربوية على طلابه، أن يستخرج أجمل ما لديهم من إمكانيات ويبرز أفضل ما عند الباحث من قدرات ومهارات... كيف يمكن تحقيق ذلك؟!
لا يتسنى ذلك إلا بمراس، وطول خبرة بالإشراف، والتفاعل مع الوسط الأكاديمي، ومعرفة طبيعة الطالب، وإمكانياته، ومن خلال فهم السياق الكلي لاشتغاله، يمكن للمشرف أن يوجه الطالب/ ـة إلى ما يتناسب مع قدراته، كما يمكن للمشرف معرفة تلك القدرات، واعتصار أفضل ما فيها، وما يمكن أن يشكل منها فرادة الطالب؛ ليسهم في عملية التنمية المستدامة.
*المثقف أمام تحد في مواكبة المتجدد في مضمار المعرفة والثقافة
– ما قراءتك للحراك الثقافي المتسارع، هل تراه يشكل ظاهرة صحية محفزة أم أن تسارعه يضعف نضوجه؟ وهل ترى المشهد النقدي ضمن هذا الحراك أم هو بمعزل عنه؟
يعيش العالم اليوم حالة من الإيقاع المتسارع بفعل التقنية، وما صاحبها من تحولات في المفاهيم المركزية المؤسسة؛ مثل مفهوم الإنسان، والحياة، والمعرفة، والعقل، وقد قدمت التقنية وفتوحات الذكاء الاصطناعي تقاربًا كبيرًا بين أطراف العالم، وسهلت إمكانية التواصل، والحصول السريع والكثيف لمفردات الثقافة والمعرفة، وذلك له إيجابياته، وله سلبياته في الوقت نفسه، فهذا التسارع يجعل المثقف أمام مسؤولية كبيرة في اختزال المسافات، وأمام تحدٍ صعب يتمثل في مواكبة المتجدد في مضمار المعرفة، والثقافة، والحياة.
– حصدت الكثير من الجوائز، وشاركت الكثير من الأبحاث والأطروحات، وساهمت في ملتقيات أدبية متنوعة، وندوات نقدية مختلفة... بعد كل هذه التجربة الثرية، والعطاء الممتد، ما الذي توجهه للباحثين والمهتمين في مجال الثقافة الأدب والنقد؟
الإرادة هي أغلى ما يملكه الإنسان، لقد تعلمت من أساتذتي أن الإنسان في أيسر تعريف له، وأعمقِه هو إرادة، فإن فقد الإرادة فقد كل شيء، وإن امتلكها امتلك كل شيء، هي السر المكنون وراء كل تميز، وهي الإكسير الذي به تتحقق القفزات على مستوى الأفراد، وعلى مستوى المجتمعات.
وحين تتسدد الإرادة بالوعي، وتتخصب بالعمل الدائب، والإقدام المبصر، هنالك يمكنك أن تصل لمرامك، ألم يقل الشاعر:
وما استعصى على قوم مرام إذا الإقدام كان لهم ركابا؟
*الحالة الثقافية في المملكة.. طفرة غير معهودة وطموح للعالمية
– من خلال تعاونك الممتد مع جامعة الملك خالد منذ ما يقرب العقد ويزيد، كيف ترى التطورات التي حدثت فيها، وهل ترى الجامعات في المملكة تؤدي دورها كما ينبغي، أم أن في الجعبة ما يستحق المزيد؟
تعيش المؤسسات العلمية والحالة الثقافية في المملكة طفرة غير معهودة، ومواكبة مدروسة، وطموحة للعالمية، وهي مواكبة تجعلني أقول باطمئنان: إن المملكة مثلما هي تاريخيًا قبلة دينية، فقد أصبحت المركز سياسيًا، وعلميًا، وثقافيًا، وهي تنفتح على المعطى العالمي، وأظن بأنها لن تقنع بما دون النجوم، ففي الجعبة، وفي الرؤية ما يفصح عن رهان لا حدود له، رهان بهمة صلبة مثل جبل طويق، همة تسابق المستقبل، ولا تؤمن بالمستحيل.
– كيف تقيم الحالة الثقافية في المشهد السعودي على المستويات كافة، شعرًا وسردًا ونقدًا؟
المشهد الثقافي والإبداع، شعرًا وسردًا، ونقدًا، فيه زخم كبير، وقدمت رؤية 2030 رافدًا نوعيًا لحياة المشهد، وارتقائه، ومع ذلك فالمنجز يحتاج لحركة فرز، وترشيد، وتفعيل للحس النقدي التراكمي، فهناك حالة من الانفجار الإبداعي السردي خصوصًا، وهناك حالة من الاستسهال لدى الكثير من المبدعين، حالة أتاحتها سهولة النشر، وإمكانياته، ووسائله، لكن ثقتي كبيرة بأن الحركة النقدية المدروسة ضمن مشروع رصين، سيجعلنا قادرين على تحاشي سلبيات المشهد، وتعزيز نقاط الإيجابية فيه.
إن هناك مؤشرات تجعلنا نتفاءل بإمكانية ذلك، حتى يكون للمشهد الإبداعي في المملكة مكانته التي نطمح إليها، ونرجو تحققها، وما ذلك ببعيد.
التعليقات