48
047
047
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11847
05073
04982
04806
04482
0*ساهمت وزارة الثقافة في تنبيض الصحافة
*الصحافة متراجعة عالميًا
*الصحافة تعيش حالة انهمار فوضوي في فضائنا الرقمي
*الكاتب الجيد المبدع هو ثمرة وغرس قراءة جيدة مبدعة
*شمولية الثقافة تقتضي من القارئ أن يدلف لكل حقول المعرفة
*الصحافة مهنة المتاعب
*الصحافة الورقية مأكول مذموم
حوار_ هناء الحويصي
مدير تحرير حاضنة الفكر والإبداع الثقافي بصحيفة الرياض، الكاتب الحر والمتجدد الأستاذ: عبدالله بن أحمد بن هادي الحسني الزهراني.
ضيفًا قديرًا على فرقد
ولأن دلالة الأدب دلالة بواطن وأعماق، حرصت فرقدكم على إقامة هذا الحوار القيم لاستكشاف شخصيته الفذة والمتألقة عن قرب.
نتمنى لكم قراءة ماتعة وتصفحًا مثريًا..
*ساهمت وزارة الثقافة في تنبيض الصحافة
– كيف ساهمت وزارة الثقافة في دعم الصحافة الثقافية؟
لعل من المهم أن نبدأ بمهاد نظري مختصر عن وزارة الثقافة كمنظومة وطنية تنهض بالكثير من المسؤوليات، فالوزارة منذ أن تم إنشاؤها كوزارة مختصة بهذا الفعل الحضاري، جاءت استراتيجيتها جلية وواضحة الأهداف، فكانت جزءًا مهمًا من التحول الوطني الذي كان منبثقًا من رؤية وطنية عظيمة؛ وهي رؤية المملكة 2030 التي لا شك أنها حدث تاريخي، ومجتمعي نقل بلادنا نقلة عظيمة، فكان من ضمن استراتيجية وزارة الثقافة أن تكون الثقافة نمط حياة، من هنا يمكن قراءة الفعل الثقافي بصورته الأوسع والأشمل، ويمكن القول بأن مساهمة وزارة الثقافة ودعمها في دعم الصحافة الثقافية؛ وإن لم يكن بشكل مباشر فإنه أسهم في تنبيض هذه الصحافة عبر المناشط والمبادرات والبرامج العديدة التي كان يستلزم مواكبتها أن تجد صحافة مواكبة ومتابعة. هذا أحد وجوه الدعم في نظري. ومن الطبيعي جدًا أن نجد تلك الأصداء المبهجة التي رافقت هذا التحول الوطني الذي كانت الثقافة أبرز ملامحه.
*الصحافة متراجعة عالميًا
– صف لنا تجربتكم في إدارة تحرير الشؤون الثقافية في جريدة الرياض.
بعيدًا عن الحديث عن الذات، والنأي عن شبهة تورّم الأنا، لكني ومن باب تسجيل مرحلة مهمة – على الأقل في مسيرتي الصحفية – تقتضي الموضوعية أن أشير لتجربتي في إدارة تحرير الشؤون الثقافية في جريدة الرياض، التي أعتبرها تجربة مهمة، ذلك أنها عايشت تحديات كبيرة، لعل أهمها هذا التحول الكبير الذي حدث لصناعة الصحافة عمومًا، وحالة التراجع التي شهدتها لظروف لا تخفى عن المتابع للصحافة عمومًا؛ ليس على المستوى المحلي أو الإقليمي، إنما العالمي، سيما بعد تغوّل الوسائط الرقمية وما رافقها من اندفاع محموم ألقى بظلاله على الصحافة عمومًا، وبعيدًا عن تبعات هذا التحول من تسطيح، ودخول طارئين كُثر على المجال الإعلامي والصحفي، بحكم الاستسهال الذي أتاحته تلك الوسائط، إلا أن العمل ضمن هذا المناخ وما اعتراه من فوضى، وتقديم عمل ثقافي نوعي –إن صحّ لي هذا الإدّعاء- فهو نجاح وتجربة خليقة بالتوثيق والإشارة والإشادة. ومن عمل في أتون هذا المجال الصحفي يعي ويدرك حجم التعب، والتحديات التي تواجه المأخوذين بهذه المهنة المتعبة.
*الصحافة تعيش حالة انهمار فوضوي في فضائنا الرقمي
– ما أهم التحديات والعوائق التي تواجه الكتاب الصحفيين اليوم؟
التحديات لا تواجه الكتاب الصحفيين فقط، إنما تنسحب متاعبها وآثارها على الجميع، من كتاب، ومحررين، حتى على الصناعة نفسها، الصحافة كما أشرت هنا؛ تعيش في ظلّ تحوّلات كبيرة، وانهمار فوضوي في فضائنا الرقمي، الذي يفتقر في أغلبه للالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية، والمهارات الضرورية والأساسية التي يستلزم توفّرها على من يتعاطى الكتابة الصحفية في مختلف فنونها، سواء المقالة أو الحوار أو الخبر والتقرير وغيرها.
– “رب تغريدة خير من مئة مقال” ما رأيك في فكرة تلخيص المقال في تغريدة، هل ذلك يجعلها مكثفة بليغة أم أنها فكرة ليست ذات نفع كبير للمقالات أم ماذا؟
فكرة التخليص أو الاختصار، أو التكثيف للفكرة وكبسلتها، فكرة جميلة، لكنها تصطدم غالبًا بضعف من يكتبها، فالتكثيف والاختصار، ليسا بالسهولة التي قد يظنّها البعض، فهي بحاجة لمن يمتلك القدرة على الاختزال غير المُخلّ، وهذا يقتضي امتلاك الكاتب لثراء لغوي يعينه على انتخاب واختيار المعنى المناسب، بحيث لا يقع الكاتب في اختصار مبتسر، فتبدو العبارة غير قارّة، ومتقلقلة لا تؤدي معناها المراد. ومع هذا فالاختصار والتكثيف مطلوبان في ظلّ هذا الزمن الذي يتّسم بالسرعة، وندرة القُرّاء الذين يملكون جلداً وطاقة وصبرًا على القراءة العميقة، والنصوص الطويلة التي لا يتيحها هذا الزمن العجول الذي يلتهم كل شيء حتى الشغف القرائي.
*الكاتب الجيد المبدع هو ثمرة وغرس قراءة جيدة مبدعة
– من خبرتكم الطويلة في الصحافة، ما مقومات صناعة الكاتب الصحفي؟
إذا كنت تعنين الكاتب الصحفي الجيد، فلا يمكن أن يكون الكاتب جيدًا ما لم يكن يملك رصيدًا ثقافيًا كافيًا، ومتسلّحًا ومتدرّعًا بحصيلة معرفية، ولغوية، وإلمام كافِ بمهارات الكتابة عمومًا، فضلًا عن الدربة والمراس، والاشتغال الدائم على النفس وتطوير القدرات التي تجعل منه كاتبًا متطوّرًا لا تشيخ عبراته أو فكره مع انصرام الأيام والسنين. وإجمالًا يمكن القول: الكاتب الجيد المبدع هو ثمرة وغرس قراءة جيدة مبدعة. ولعل هذا ما يجعلنا بصيرين بالفروقات بين كاتب قارئ وآخر يعاني من شح في اللغة والثقافة، ولا يقف على أرضية معرفية تدعم واقعه الكتابي.
*شمولية الثقافة تقتضي من القارئ أن يدلف لكل حقول المعرفة
– “الكتب في حياتي ليست مجرد لقاء حسي مع الورق، بل إنه انغمار يتجاوز دهشة اللحظة”، ما نوع الكتب التي تجعلك هائمًا في عالمها منغمسًا في صفحاتها؟
لا أميل لاقتصار القارئ على كتب معينة، ربما هذا الهاجس ساورني في بداية رحلتي مع الكتاب، إذ كنت أميل للكتب الأدبية والتراثية عمومًا، ولا شك بأنها مهمة، لكن الثقافة وشموليتها تقتضي من القارئ أن يدلف لكل حقول المعرفة، فالكُتُب بما تمنحه من بهجة الملامسة وجذل الحواس، تبقى الرهان الأمتع والأجمل لتلك العلاقة المائزة والمبهجة بين القارئ والكتاب، أيًا كان نوع هذا الكتاب؛ إذ يكفي الكتاب أنه يمنحنا ذلك الشعور من وقار اللحظات وجلال النّظر للكتب وهي تكسو المكان في مكتباتنا مهابة، وتشي بأنّ ثمة أرواحًا وعقولًا وقلوبًا تصطفّ وتتراصف بجوار بعضها البعض دالّة على تعاقب حضارات وأفكار وقيم ومنظومات فكرية وفلسفية وأخلاقية، لعقول غابرة منحت عصارة خبراتها ومعارفها وتجاربها وقدّمتها في وعاء أنيق جاذب أمين وحاوٍ لخلاصة جهد فكري وثقافي خلاّق وخالد.
– “لا يجيد القراءة، لكنه يملك حصافة المثقف ولقانة الفيلسوف”،” لم يكن أكبرنا عمرًا، بل أكبرنا نبلًا وعطاء وإنسانية”، رحم الله والدك القدير وأخاك علي النبيل، كيف كانت طفولتك في كنف أسرتك؟
حين أستعيد تلك الأجواء المبهجة، والأوقات الثرية المحفزة لاجتراح الجمال، وتعاطيه، أشعر به، وأنا أتدفّأ بتلك الأجواء والمشاعر الرهيفة الحادبة، أشعر بحزن شفيف لافتقادها، لم يكن والدي قارئًا بالمعنى الحرف أو الأداتي، لكنه كان قارئ بالفطر، يستشعر قيمة الكلمة، ويتعاطاه في ترداده لأمثلة وقصص من تراثنا الشعبي الغزير، وكان ملهمًا ومحفزًا، وهذا ما بدا لي في تشجيعه واستحثاثه لي على القراءة، وارتياد آفاق المعرفة، وكان –على شحّ الموارد المادية وضيق ذات اليد- معطاءً لا يدخر عطاءً في توفير أي كتاب أطلبه -رحمه الله وأجزل له المثوبة، باختصار كان أبًا عظيمًا.
– يقول إلياس زيادة “الصحافة هي دليل ارتقاء الأمة” ما رأيك بمن يستسهل ويشوه عمل الصحفي من مشاهير وسواهم؟
اتفق تمامًا، بالفعل تشهد هذه المهنة والصناعة ولوج كثير من الطارئين، ممن يدفعهم حب الشهرة وشهوة الظهور لارتياد عالم الصحافة، دون أن يملكوا ما يؤهلهم لخوض معتركها؛ فهذه مهنة المتاعب كما نعرف، لكني على يقين بأنه لا يصح إلا الصحيح، فهؤلاء برغم كثرتهم إلا أنهم لن يصمدوا أمام اختبار الوقت والزمن الذي هو كفيل بتعرية كل طارئ.
أما من يطلق عليهم مشاهير؛ فهم من الكثرة والسطحية ما يؤكد أن العالم بأسره يعيش زمن التفاهة والحمقى الذين أشار لهم العالم السيميائي والناقد الإيطالي الشهير إمبرتو إيكو. لكن أعود وأكرر: الزمن حَكِمٌ عادل كفيل بفرز الجيد من القبيح، وقادر على أن يعيد موضعة المشهد بشكل عام إلى موقعه الصحيح.
– حدثنا عن كتابك “الاختلاف يفسد للود قضية”، وهل هناك نتاج أدبي آخر تعمل عليه؟
كتاب “الاختلاف أفسد للود قضية” وباختصار شديد يسجل مرحلة ثقافية مهمة، ومن قرأ الكتاب سيجد فيه مادة ثرية، ليس لأني من أعدّها، لكن لأنها رافقت مرحلة مهمة لمشهدنا الثقافي، وأبرزت كثيرًا من المعاطب، والتشوهات التي تعتري أي مشهد، إضافة إلى أنه يشعرنا بضعفنا البشري وطبيعة البشر وتناقضاتهم وغيرها. وبيقين وثقة أقول: بأنه يرصد تاريخ مهم، بذلك أعدّه كتابًا مرجعيًّا لا غنى للباحث عنه.
*الصحافة مهنة المتاعب
– ما الصعوبات التي تغلف منصب رئاسة قسم الشؤون الثقافية، التي مررتم بها من خلال تجربتكم الثرية؟
المصاعب جمّة، وقد أشرت سابقًا بأن الصعوبة تأتي كنتيجة طبيعية للتحول الكبير الذي يشهده العالم، وتشهده الصحافة وصناعتها خصوصًا، من هنا فإن العمل في ظل هذه الصعوبات يبدو أمرًا بحاجة إلى إيمان عميق بأهمية ما نعمل، واستشعار حقيقي بالدور المنوط بنا كمشتغلين في هذا الحقل، فضلًا عن المصاعب والتحديات المتعلقة بقلة الكوادر وندرة وجود صحفيين حقيقيين خلاّقين ومبدعين وقادرين على تقديم عمل ثقافي مميز. وكما يقال: الصحفي الثقافي الجيد نادر، لكنه بلا قيمة للأسف. أخلص من هذا أن العمل الثقافي محفوف بالمصاعب والمكاره، ولعل اختفاء بعض الصفحات الثقافية من بعض الصحف هو ترجمة واقعية لهذه التحديات.
*الصحافة الورقية مأكول مذموم
– ذكرت في مقابلة لك أن عبارة” الصحافة ماتت” هي عبارة استفزازية وغير صحيحة لأن “الصحافة لا تموت”، أيضًا ذكرت في لقاء آخر أن هنالك “ضعف عام في الصحافة؛ بسبب سيادة اللغة الرقمية”، هل من الممكن أن تعاود الصحافة الورقية نهضتها، وإلى ماذا تحتاج الصحافة اليوم؟
نعم ذكرت هذا، وهي عبارات مستفزة؛ لأن أغلب من ينظّر لهذه المهنة خصوصًا الصحافة الثقافية ليسوا صحفيين، ولا علاقة لهم بها، والأنكى من ذلك أنهم يطرحون آراء تبسيطية واختزالية، ولا يجيدون طرح حلول واقعية، ومن يزعم تسيّد الصحافة الرقمية يناقض نفسه حين يحرص على نشر مقالاته في الصحافة التقليدية كما يراها، وفي الوقت نفسه ينتقدها، وهنا يمتلكك العجب، إذ إن الصحافة الورقية مأكول مذموم.
– إلى أي حد تؤثر الصحافة في تشكيل المجتمع؟
الصحافة من أدوارها المهمة صياغة الوعي، وبث الثقافة والاستنارة، وفتح آفاق الفكر والوعي لدى المجتمع، فمن خلال المقالة والتقرير والتحقيق والاستطلاع وكل الفنون الصحفية المختلفة ينغمر القارئ في بحر المعرفة المتلاطم، الذي لا شك سيؤثر في العقل والسلوك والتحضر. المعرفة والثقافة قوة للمجتمعات، وصيانة لهم من التسطيح والهشاشة، وسياج مجتمعي يجعل منّا مجتمعًا واعيًا قادرًا على العطاء وصناعة الفكر، وبناء الشخصية وترميم الذوات.
التعليقات