الأكثر مشاهدة

إعداد_أشواق الرقيب  تكتظ الكثير من المجلات والمواقع والصحف بمقالات ثقافية منوعة …

المقال الثقافي.. بين الهيئة الأدبية والهوية المهنية

منذ شهر واحد

603

1

إعداد_أشواق الرقيب 

تكتظ الكثير من المجلات والمواقع والصحف بمقالات ثقافية منوعة في ظل تداخل بين تصنيف المقال بهويته المهنية المفترض، أو وجوده وحضوره كدراسة أو نقد أو خاطرة أو تقرير في ظل ضروريات حضوره في الوسائل والوسائط الإعلامية بهيئته المهنية اللازمة واستيفائه لكل الشروط، حتى يبقى في تصنيف خاص به بعيدًا عن دخوله في مسارات التجنيس الأدبي التي تعد فنون أخرى بعيدة عن هوية المقال. 

فرقد ناقشت القضية من جوانبها المختلفة، وفق المحاور التالية:

شروط المقال الثقافي وكيفية المحافظة  على هويته.

-أسباب تداخل المقالات الثقافية مع غيرها من الأجناس الأدبية، ودور المؤسسات  الصحافية والثقافية في رفع مستوى الوعي، في تمييز الفن الأدبي عن المقال الثقافي.

-من المسؤول عن هذه الارتباكات؟ وهل تراجع إصدار الملاحق الثقافية وراء ذلك؟

*على الإعلام التصدي لتحديات العولمة

يفتتح حوارنا الإعلامي والناقد العراقي سعد الساعدي بقوله:
ينبغي أولًا معرفة أن الكتابة تعبير عن الأفكار والآراء حول مواضيع ثقافية، اجتماعية، أو فكرية. لتحقيق تأثير فعّال، لذا هناك شروط أساسية مهمة بهذا الصدد، منها: أن تكون الفكرة الرئيسية واضحة ومحددة، كي يسهل على المتلقي فهم الرسالة الاتصالية، كون العملية برمتها اتصالًا يختلف بمستوياته. كذلك يجب أن تكون الأفكار مترابطة بعيدًا عن التشتت، ما يعزز نجاح العملية. يضاف إلى ذلك الكيفية في أسلوب الكتابة، بأن يكون الأسلوب مشوقًا وجذابًا وسلسًا، بوجود لغة سليمة تعكس ثقافة الكاتب.
ومن المهم الإيجاز وعمق التحليل، فكما أن المقال مختصر، لكنه غني بالمعلومات، كي يقدم عمقًا فكريًا دون إطالة مملة. وأخيرًا ينبغي التعبير عن الذات بموضوعية وأن يعكس المقال شخصية الكاتب وآراءه الخاصة، ما يمنحه طابعًا فريدًا.
وللحفاظ على الهوية الثقافية في المقالات، يجب مراعاة مجموعة عوامل منها: عدم إغفال الموروث الحضاري باستخدام أمثلة من التراث الثقافي المحلي لتعزيز النقاط المطروحة. التعبير عن القيم المحلية بإبراز القيم والعادات التي تشكل جزءًا من الهوية الثقافية. كذلك الانفتاح على الثقافات الأخرى مع الحفاظ على الهوية العامة من خلال التفاعل معها بشكل إيجابي، ما يثري المحتوى ويعزز الفهم المتبادل.
تتداخل المقالات الثقافية مع الأجناس الأدبية الأخرى نتيجة عوامل متعددة، منها التطور التاريخي للأدب الذي أدى إلى ظهور أجناس جديدة وتغيّر الوظائف الأدبية. كما أن التفاعل الثقافي الناتج عن التواصل السريع وسهولته يعزز هذا التداخل، ما يتيح تبادل الأفكار والأساليب، لكن في بعض الأحيان يحمل التداخل طابع التشويش على المتلقي وتضيع الرسالة المنشودة رغم نية الهدف الصحيح.
ويرى الكثير من الباحثين أنه يمكن للنقاد الأدبيين تحديد هوية النص الأدبي في ظل التداخل من خلال مجموعة عوامل أهمها: تحليل العناصر الفنية من عبر دراسة الأسلوب، اللغة، وبنية النص لتحديد خصائصه الفريدة التي تميزه عن الأجناس الأدبية الأخرى. كذلك فهم السياق الثقافي بإدراك الخلفيات الثقافية والاجتماعية التي تؤثر على النص، ما يساعد في تمييزه عن الأنواع الأخرى، واستخدام مفاهيم مثل التداخل والتراسل لفهم كيف يمكن أن يتفاعل النص مع أنواع أدبية أخرى دون فقدان هويته الأساسية. يضاف إلى ذلك التصنيف الدقيق، بوضع معايير واضحة لتصنيف النصوص، ما يسهل عملية التمييز بين الأنواع الأدبية المختلفة.
من جانب آخر تلعب المؤسسات الصحافية دورًا حيويًا في هذا السياق من خلال نشر مقالات تجمع بين النقد الأدبي والثقافي، ما يسهم في تعزيز الحوار بين الثقافات وتوسيع آفاق الفهم الأدبي، وأحيانًا نجد العكس طالما تصدى للمهمة من ليس مؤهلًا لذلك؛ بمعنى من هو بعيد عن المهنة وغير الخبير، لكن الواقع الوظيفي وملابسات الدور البيروقراطي هي من جاءت به هنا، إضافة لإهمال الما فوق لدوره الرقابي التصحيحي. كل هذه العوامل تؤدي إلى رفع أو خفض مستوى الوعي في تمييز الفن الأدبي عن المقال الثقافي، وينطبق ذلك في مجالات كثيرة أخرى كالفنون والدراسات وحتى البحوث العلمية؛ هنا تكمن أسباب هذه العشوائية، ولا ننسى ما تقوم به بعض دور النشر بما يسمى فوضى النشر، حين تركز على الربح دون مراعاة الجودة، فيؤدي إلى نشر نصوص غير متناسقة.
المسؤولية عن العشوائية تقع على عاتق الكتاب والمحررين، بينما تراجع الملاحق الثقافية قد ساهم في تدهور المعايير الأدبية إلى حد الوضوح. لا شك أن تراجع إصدار الملاحق الثقافية له تأثير بارز، بينما العكس هو الصحيح لفسح مجالات ثقافية جديدة واسعة، لنشر الثقافة والفنون، وتوسعة فضاءات الكتابة، لاسيما الإبداعية، وحتى المحكّمة ليست ببعيدة عنها.
وكملاحظة أخيرة أراها مهمة وهي مواجهة التحديات إعلاميًا: يجب على الإعلام التصدي للتهديدات التي تواجه الهوية الثقافية نتيجة العولمة، من خلال استراتيجيات واضحة لنقل التراث الثقافي، ويجب على وسائل الإعلام التركيز على إنتاج محتوى يعكس التراث والثقافة المحلية، بدلًا من استنساخ الثقافات الأخرى، ما يسهم في الحفاظ على الهوية.

*حركة المقال في الملاحق الثقافية تجمدت

ويرى القاص والناقد د. حسن النعمي أن الموضوع يحدد هوية المقال، حيث أفاد:

طبيعة المقال تختلف باختلاف موضوعاتها لا بطريقة بنائها.
فالموضوع هو ما يحدد هوية المقال. فمن طبيعة المقال بناء فكرته من ثلاثة أقسام، مقدمة ووسط وخاتمة. المقدمة تطرح الصورة العامة للموضوع، وفي وسط المقال يركز الكاتب على التفاصيل والاستدلال في معالجة الموضوع، ويُجْمل في الخاتمة المعزى من المقال.
وموضوعات المقالة تتعدد بتعدد شؤون الحياة، فمنها الديني والثقافي والاجتماعي والسياسي، وغيرها.
والمقال الثقافي إما أن يكون نقديًا أو تحليلًا لظاهرة ثقافية. فإن كان نقديًا وجب على الكاتب أن يكون متسلحًا بقدر من المعرفة بأساليب النقد ومناهجه. وإن كان ثقافيا يطرح فيه الكتاب رأيه في قضية رائجة يلقي الضوء عليها بشيء من التوسع.
مشكلة المقال الثقافي أنه مرتبط بصحافة متخصصة، فقديمًا كان هناك مجلات عربية رائدة في نشر المقال، مثلًا مجلة الهلال أو الرسالة في مصر، أو الأقلام في العراق، أو الموقف في سوريا، أو الفيصل والمجلة العربية والقافلة في السعودية، أو العربي في الكويت، أو الدوحة في قطر، وغيرها، وهذه المجلات ثقافية غير نخبوية، عكس مجلات أخرى رائدة، لكنها تميل أكثر للاختصاص، مثل مجلة علامات التي تصدر عن نادي جدة الأدبي، أو فصول في مصر، وغيرها من المجلات ذات الطابع المتخصص.
وللملاحق الثقافية دور في إبراز المقال الثقافي ذي الطابع السيار لارتباطه بحركة الصحافة اليومية، ومن أهم الملاحق الثقافية في السعودية، ملحق الأربعاء الصادر عن جريدة المدينة، وأصداء الكلمة الصادر عن جريدة عكاظ، وايضا ملحق المربد الصادر عن جريدة اليوم. والطابع العام لهذه الملاحق هو المتابعة وتحليل الخبر والوقوف من الأخبار موقفًا نقديًا.

حركة المقال الثقافي في الملاحق الثقافية تغيرت ووصلت إلى مرحلة الجمود والتوقف. لذا توقفت الإطلالة الأسبوعية للمقال الثقافي.
لكن بقيت الصحافة المقالية في المجلات الثقافية حاضرة كما في مجلة الفيصل والقافلة. وهي تمثل قيمة مهمة لعل بقاءها يجدد الاهتمام أكثر بهذا النوع من المقالات الاستكشافية للواقع الثقافي.

*نحتاج مبدعين لتقويم ما اعوج 

ويؤكد الشاعر منصور دماس مذكور على احتياج الساحة الأدبية لمبدعين لتقويم  ما اعوج بمهنية: 

إذا اعتبرنا أن الفنون الثقافية شعرًا وأغراضه متنوعة ونثرًا وأغراضه متنوعة، فمن أنواع النثر المقال أو المقالة وباعثها عادة ما يجري على الواقع من ظواهر بشرية وعلاقات إنسانية أو العكس، ويقف الموهوب أمام هذه الظواهر إما متابعًا فقط وإما مؤثرًا فيتخذ المقال أيًّا كان أسلوبًا معالجًا. 
وقد يكون هذا المقال عبارة عن قصة واقعية أو خيالية أو سرد هادف فالمهم لديه هو معالجة ما يمكن علاجه من سلوكيات الناس من الجنسين. 
ولا أبالغ إن قلت إن العصر الذي نعيش فيه في حاجة ماسة إلىً كتاب مبدعين يعالجون ما اعوجَّ بحكمة ورؤية ناضجة.. كلٌّ حسب موهبته الثقافية لنرى شعبًا مثقفًا واعيًا.

*هيئة التحرير هي المعول عليها في التصنيف 

ويشاركنا الرأي د. عبدالله العمري باحث في علم الاجتماع الأدبي والثقافي، حيث قال: 

أولًا أشكر أسرة تحرير مجلة فرقد ممثلة في قسم قضية العدد على اختياراتها الموفقة في مواضيع قضايا الأعداد المختلفة، والذي جعل القضية الحالية المطروحة ضمن هذا السياق من حسن الاختيار، وفق مهنية عالية ودربة صحفية احترافية.

    أما فيما يتعلق بالمقال الثقافي، وعدم وضع المقال الثقافي في مكانه المخصص في بعض الوسائل الصحفية وهو الهاجس المهني الذي بنيت عليه القضية الحالية، فقد يكون عدم فهم التقاطعات والمشتركات بين المقال الثقافي وبقية أنواع المقالات هو المشكلة الحقيقية، فالمقال الثقافي قد يتناول الشأن الاقتصادي أو الأدبي أو الرياضي أو الاجتماعي، لذلك فإن ما يحدد هوية المقال هو طريقة التناول وأسلوب عرض الفكرة، ونواة المقال التي أثمرت عن مقالة ثقافية، فنواة التمر تنتج نخلة، وكذلك نواة المقال الثقافي تنتج مقالًا ثقافيًّا وإن تطرق لموضوع اقتصادي أو اجتماعي أو أدبي أو تناول قضية رياضية.

لذلك فإن مهنية رؤساء التحرير، ومدراء تحرير الصفحات الثقافية هي المعول عليها في تصنيف المقال الثقافي المناسب ضمن صفحات الثقافة، ولعلنا نستشهد بأهم الصفحات الثقافية في صحفنا اليومية، وهي صحيفة الرياض التي ما زالت تحافظ على مكانتها وقوة موادها الثقافية، وكذلك جريدة الجزيرة، وبقية صحفنا اليومية كذلك.

    وبالمجمل فإن المشكلة قد تكمن في من يعتقد أن الصفحات الثقافية مرتهنة لقوالب قديمة ثابته لا يمكن الخروج عنها، وربما يعتقد أن مصطلح الثقافة يمثل حالة من الثبات بينما هو مصطلح متطور، ويحمل معاني متجددة، ويواكب حالة من السيولة المعرفية التي تدخل المواضيع المتنوعة في قالب المقال الثقافي متى ما تم طرح المقال بالأسلوب والطريقة التي تجعل منه مقالاً ثقافياً.

الحراك الثقافي في أي وطن يعتبر مظهرًا من أهم مظاهر التحول التنموي والحضاري، وله إسهامات كبيرة في الارتقاء بالذائقة الأدبية للمواطن المحب للأدب والثقافة بوجه عام.
وعندما نتكلم عن الثقافة فإن الذهن يتقد متوجها نحو حالة الأدب في المكان، بيد أن الثقافة لها مضمون أشمل وروافد تنموية أكثر فهي عنصر فاعل في صناعة التحول الوطني نحو التنمية البشرية، كما أن لها بعدًا آخر يعبر عن أحوال الناس وتطلعاتهم من خلال أنشطة الموسيقى والمسرح والسينما، حيث يتناول المبدع من خلال كل ذلك ثقافة الناس في الحياة وكذلك إلقاء الضوء على الإنسان القديم وطريقة ممارسته للحياة.
المقال بمعناه البسيط تركيبة فذة بسيطة تدور حول موضوع معين بأسلوب مبسط وسهل، ويتألف المقال من عناصر ثلاث رئيسية: المقدمة، العرض والخاتمة، ويكون المقال جديرًا بالرد على هموم القارئ في موضوع ما، فيتناوله الكاتب بطريقة رشيقة ليأخذ بيد القارئ المهتم بهذه الفكرة نحو النُّور، بعد أن يجيب على الأسئلة الثائرة في رأسه مستخدمًا في ذلك الأمثلة والمقارنة والتفسير والتبرير وقد يستخدم الأرقام عندما يميل إلى الإقناع.
وتتعدد أنواع المقالات بحسب الموضوع الذي يهتم الكاتب بمعالجته، فقد يكون المقال تحليليًّا، أو جدليًّا، أو تفسيريًّا، وقد يكون المقام مقال المشكلة، والحل، وأيَّا كان المقال فهو يندرج تحت عنوان المقال الثقافي.
وحينما تذكر عنوان موضوعنا اليوم، فإن العقل يتجه مباشرة صوب رواد كتاب المقال الذين ساهموا بشكل كبير ورائد في تشكيل الذائقة الأدبية عبر سنوات وعقود.
ومن أشهر كتاب المقال في العصر الحديث عبد الرحمن الكواكبي، مصطفى صادق الرافعي، طه حسين، محمد حسين هيكل عباس محمود العقاد و المازني وغيرهم.
وقد أطلق على مقالات هذا الرعيل من الرواد اسم المقالات الأدبية. وواكبت هذه الحركة الأدبية صدور المجلات المهتمة بهذا الصنف الكتابي الجديد مثل مجلة الرسالة، وصحيفة المؤيّد ، كما ظهرت المعارك الأدبية في مصر منذ (١٩١٤ – ١٩٣٩).
وقد مثلت هذه المعارك قطاعاً حيًّا من قطاعات الحياة الفكرية في الأدب العربي، كانت له أهميته وخطورته في مجال النثر والشعر واللغة العربية، والقومية العربية، ومن أشهر هذه المعارك الأدبية مبارزة د. طه حسين والعقاد، وتعد الأشهر من بين تلك المعارك الأدبية الثرية. حيث تشكل تلك الخصومة الأدبية وجها أدبيًا وإبداعيًا، وقد كانت تلك المبارزات في الموضوع الأدبي تبدأ بطرح وجهة نظر صاحبها حول عمل أدبي أو إبداعي لأديب معين، ومهما كان الاختلاف كان الإبداع والأدب هو السبيل الوحيد للرد.
لا يمكن للأديب الحصيف المتمرس أن يخلط حين يكتب بين صنف أدبي وصنف أدبي آخر، حيث إن الملكة الإبداعية توجهه نحو كتابة الصنف الأدبي برشاقة وإقناع تام ، ينتج ذلك عن الدربة والمران، حيث اكتسب تلك المهارة من دوام المثاقفة والكتابة والقراءة.

*طفرة عالم التواصل أعلنت حتف الصحيفة الورقية 

وللأديب  والقاص المصري يسري ربيع داود  وجهة نظره حول القضية المطروحة، حيث قال: 
على مر العصور، حافظت الكتابة الأدبية عامة على الهوية القومية، حيث تعمل على رفع مستوى الوعي بين الناس، ونشر أيضًا حالة من الوعي حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية، فلا يمكن اختراق المجتمع المثقف الواعي القارئ، وأبرز مثال على ذلك حالة الوعي التي سيطرت على الشعب المصــري وقت الاحتلال الإنجليزي حيث تجمع الناس حول صيغة التحرر التي أطلقها الزعيم مصفى كامل عبر صفحات جريدة المؤيد، وهي بالمناسبة كانت السبب في إنشاء الجامعة المصرية التي يرأسها الملك فؤاد الأول آنذاك، حيث دعت الجريدة برئاسة محمد فريد إلى حفل لتكريم الزعيم مصطفى كامل لجهوده العظيمة في بريطانيا للتنديد بمذبحة دنشواي، لكنه رفض أن يكرّم على واجب وطني يقوم به، وحوّل هذه الدعوة إلى اكتتاب
عام لإنشاء أول جامعة مصرية. وقد كان للدور الصحافي أبرز الأثر في تنفيذ هذه الفكرة لتصبح أمرًا واقعًا ومنارة لكل راغب في العلم والمعرفة.
والناظر في واقعنا المُعاش هذه الأيام يرى أن منذ حدوث تلك الطفرة في عالم التواصل الاجتماعي، أعلن حتف الصحيفة الورقية. أذكر أنه في التسعينات وفي بداية الألفية الجديدة كنا ننتظر بشغف العدد الأسبوعي من جريدة أخبار اليوم وجريدة الأهرام لمتابعة المقالات الأدبية، لكن الآن من النادر أن تجد جريدة ورقية في يد شاب أو كهل، ولا حتى قراءة مقال الكتروني في الصحف الرقمية، واستعان الشباب والكبار بمقاطع التيك التوك التي تخرب هويتنا القومية والوطنية، والحق أن المدقق في أخلاق شبابنا يجدها قد تأثرت كثيرًا بما يبث عبر الشاشات والمواقع والمنتديات، وقلما تجد شابًا مهتمًا بالواقع الثقافي، ولا بتنمية معلوماته حول قضية مهمة يهتم بها الوطن والمواطن. وإن أصابع الاتهام تشير أول ما تشير إلى الفرد نفسه الذي يترك نفسه في مهاوي الردى، حيث مواقع الفحش الرديئة والتفاهات بلا رقابة مجتمعية أو أبوية أو حكومية على مواقع الفحش الروائية التي ساهمت في انحطاط الذوق العام.
وإن ما يعكر الصـفو، ويكدر الروح ذلك الركود الذي نراه في معارض الكتاب ومنافذ بيع الكتب مبيعات للكتب التي تثري الذائقة وتنمي العقل، وترفع قيمة أن يكون للشاب هدف في حياته، ويصبح جل اهتمام الشاب أن يمتلك هاتفًا ذكيًّا ليلعب عليه هذه اللعبة أو تلك، أو يقضى جلَّ يومه أمام البلاى ستيشن أو أمام قناة تبث مسلسل أجنبيًّا يزرع في المجتمع عادات جديدة من شأنها قتل عادة أخرى قائمة في المجتمع الوطني.
وأخيرًا فإنني من خلال هذه النافذة أدعو المجتمع بكل طوائفه والحكومة بكل وزاراتها أن تعمل بجد على نشر الوعي الثقافي وأن تعود المكتبات المتنقلة في الأحياء لنشر عادة القراءة مرة أخرى، كذلك محاربة المواقع المثيرة للفحش والرذائل، وأن تسد الباب الذي يأتي منه ريح الهدم، وتضع نافذة جديدة نحو تثقيف المجتمع بكل الطرق، ليكون ذلك أول حائط صد نحو الهجمات الثقافية الباردة لتقويض أركان مجتمعاتنا العربية.
وَإِنَّمَا الْأُمَمُ الْأَخْلَاقُ مَا بَقِيَتْ فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلَاقُهُمْ ذَهَبُوا

*ضعف الوعي النقدي أفقدنا دقة التصنيف  

وتجيب الأديبة صباح فارسي على محاور القضية بقولها:

للمقال الثقافي شروط أساسية تُميّزه، أبرزها:

• العمق في الطرح: يتناول القضايا بجدية وتحليل معمّق بعيدًا عن السطحية.

• الاتساق الفكري: يحرص على تقديم فكرة مترابطة ومنطقية.

• الارتباط بقضايا فكرية أو اجتماعية ذات طابع ثقافي: يُناقش موضوعات تمس الواقع الثقافي وتعكس قضايا الساعة.

كما يجب أن يعتمد لغة واضحة ومصطلحات دقيقة، مع تجنّب التكرار أو الاستطرادات غير الضرورية. للمحافظة على هوية المقال الثقافي، ينبغي للكاتب الالتزام بالبحث والتحليل، وتحقيق التوازن بين البعد الأدبي والجانب المهني. يجب أيضًا الابتعاد عن التأثيرات الدعائية أو الانحياز الأيديولوجي.

أما في الكتابة باللغة الإنجليزية، يُعد العنصر الأساسي هو “The Hook”، حيث يضع الكاتب الخلاصة التي يريد إيصالها في البداية، ثم يُفصّلها في بقية المقال. هذا العنصر يتطلب مهارة من الكاتب لجذب القارئ وتشجيعه على متابعة مقالاته المستقبلية.

أسباب تداخل المقالات الثقافية مع غيرها من الأجناس الأدبية ودور المؤسسات

يرجع تداخل المقالات الثقافية مع الأجناس الأدبية الأخرى إلى:

• غياب التصنيف الدقيق: يؤدي إلى خلط بين المقال الثقافي وأنواع أخرى مثل التأملات الأدبية أو المقال الصحفي.

• ضعف الوعي النقدي: يجعل البعض يدمج المقال الثقافي بفنون أخرى كفن الخطابة، ما يُفقده طابعه المميز.

في اللغة العربية، قد تتحوّل بعض المقالات إلى خطب طويلة تُثير الملل، أو تنتمي إلى أدب التنمية الذاتية الذي تتفاوت فيه جودة الأفكار بين ما هو مفيد وما يُهدر الوقت دون جدوى.

يمكن للمؤسسات الصحفية والثقافية أن تلعب دورًا في معالجة هذا التداخل عبر:

• إقامة دورات وندوات: تُبرز الفروق بين الأنواع الأدبية المختلفة.

• تشجيع النشر النوعي: يُسهم في ترسيخ هوية المقال الثقافي.

وتتحمل الأطراف المعنية بالمجال الثقافي، مثل الكتّاب والمؤسسات الإعلامية والتعليمية، جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن العشوائية في كتابة المقالات. ويعود ذلك إلى:

• ضعف الالتزام بالمعايير المهنية: أدى إلى تدنّي جودة المقالات المنشورة.

• تراجع إصدار الملاحق الثقافية: كانت تلك الملاحق منصة مهمة لنشر المقالات المدروسة التي تُبرز هُوِيَّة المقال الثقافي.

في ظل زخم وسائل التواصل الاجتماعي، بات القارئ يستهلك المحتوى بشكل سريع دون تمعن. لذلك، يُعد الكاتب الجيد مَن ينجح في جذب القارئ بأسلوبه الخاص، وهم قلة. على الصعيد الشخصي، أُفضل قراءة المقالات الساخرة التي تنتقد المجتمع بذكاء وحس لاذع؛ لأنها تجمع بين الترفيه والوضوح في طرح الحقائق، ما يدفعني للعودة لقراءة المزيد من أعمال الكاتب الساخر.

 *لا ضرورة لوضع سياجات بين الفنون

ويرى الأديب إبراهيم  مضواح الألمعي أن المقال يصنف نفسه، حيث قال موضحًا: 

الشأن الثقافي جزء من الشأن الاجتماعي العام، والفصلُ بين الثقافي والاجتماعي فصلٌ شكلي؛ يتحدَّد من خلال الهمِّ الذي تُعالجه المقالة، والرسالة التي تَتَغيَّا إيصالها؛ فحين تكون المقالةُ موجهةً للنخبة الثقافية، أو الأدبية، أو تعالجُ شأنًا يمسُّ صناعة المعرفة، والأدب، والثقافة، فحينها يمكنُ تصنيفها على أنها مقالة ثقافية، وحين تتوجه إلى عموم الناس أو فئة منهم لا صلة مباشرة لها بالشأن الثقافي، فإنها تُصنَّف وفق موضوعها، والفئة المخاطبة، وإن كانت الأدوات الثقافية هي أدوات الكتابة المقالية في كل الأحول.

وظهور ملامح فنية لجنس غير مقالي في مقالة ما لا يضيرها حينَ لا تَطْغَى عليها، ولا يحرفها عن الغرض الذي تعالجه؛ فليست الفوارق الحَدِّيَّة من طبيعة الفن والأدب، ولا ضرورة لوضع سياجات وأسوار بين فن وفن، وجنسٍ وآخر، فالآداب والفنون تتكامل، وما يهم هو امتلاك الكاتب للأدوات المعرفية والأدبية، واللغوية، والأسلوبية، ووضوح الفكرة لديه، وإلمامه بجوانبها؛ ليُنتجَ مقالة جديرةً أن تتمدَّدَ على صفحات الجريدة أو المجلة، أو الموقع.

ولعلَّ أول الوسائل التي تحقق ذلك: وجود هيئة تحرير تُراجعُ، وتقترح، وتُنقِّحُ، وتستبعد. وثاني تلك الوسائل: الحفاظ على قيمة الكاتب والكتابة؛ من خلال حفظ حقوق الكاتب المُجيد المادية والمعنوية، واستقطابه، عوضًا عن الإهمال الذي يؤدي غالبًا إلى انكفائه؛ فتخلوا الصفحات للهواة الذين لا يمتلك أكثرهم الأدوات الجيدة؛ فيطفو على السطح كُتَّابٌ رديؤون همهم الظهور، على حسابِ كُتَّابٍ جيدين يحتاجون المال؛ على حدِّ الطرفة التي رويت عن كاتبٍ مغرورٍ قال لبرنارد شو: أنا أفضلُ منك يا (شو) فأنا أكتبُ بحثًا عن الشرف، وأنت تكتبُ بحثًا عن المال؛ فرد عليه: صدقتَ فكُلٌّ مِنَّا يبحثُ عَمَّا ينقصه.

 

التعليقات

  1. يقول marito:

    مقالة رائعة ومفيدة! شكراً على هذه المعلومات القيمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود