الأكثر مشاهدة

إعداد / أحلام شعبان يتسابق كثير من المؤلفين في البحث عن “شخصيات” ذات …

صفحات التقديم في المؤلفات.. بين الترويج والتتويج

منذ أسبوع واحد

165

0

إعداد / أحلام شعبان

يتسابق كثير من المؤلفين في البحث عن “شخصيات” ذات طابع فخري أو اعتباري أو مهني لكتابة صفحات “التقديم” في الإصدارات والمؤلفات في وقت يظل هذا “الأمر” اختياريًا، مقارنةً مع الأركان الأخرى الثابتة مثل المقدمة والخاتمة والفهرس والمحتوى، وتباينت الخطوة ما بين البحث عن “الترويج” للمنتج من خلال البحث عن “شخصية معروفة وذات سيرة منفردة” أو التتويج الذي يسعى من خلاله “المؤلف” إلى اكتمال “محتوى” كتابة بتقديم يمثل له احتفاءً به وبإصدار مقترن بتقديم يحمل “المعنى والاسم”. 

فرقد ناقشت القضية من اتجاهات مختلفة وفق المحاور التالية:

١- هل ترى أهمية التقديم الخاص في صناعة “الفارق” ما بين كتاب جيد وآخر متواضع؟

٢- هل يساهم تقديم الشخصيات الكبيرة في تلميع صورة “المؤلف والكتاب” على حساب الجودة؟

٣- في رأيك ما الأسس الاحترافية التي يبنى عليها “التقديم” في الإصدار ليسهم في تطوير المحتوى بعيدًا عن المحاباة والمجاملة؟

* التقديم المُصاغ بوعي يصنع الفرق.

ﺗﻔﺘﺘﺢ ﺣﻮارﻧﺎ ﻓﻲ ﻗﻀﯿﺔ اﻟﻌﺪد اﻟﺸﺎﻋﺮة واﻷﺳﺘﺎذة ﺗﻐﺮﯾﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﯾﻢ أﻧﻌﻢ ﺑﻘﻮﻟﮭﺎ:

تُعدّ صفحات التقديم في المؤلفات بوابة العبور الأولى نحو النص، فهي الانطباع الذي يسبق القراءة، واللمسة التي قد تمنح الكتاب هويته المميزة. إن التقديم المصاغ بوعي وجمال قادر على صناعة فارق بين كتاب جيّد وآخر متواضع؛ لأنه يهيئ القارئ للدخول في أجواء العمل، ويكشف له ملامح فكر المؤلف وخصوصية طرحه. ومع ذلك، قد يتحول تقديم الشخصيات الكبيرة أحيانًا إلى أداة لتلميع صورة المؤلف والكتاب، حتى لو كان المحتوى ضعيفًا، فينشأ تضاد بين التوقعات التي يخلقها التقديم والواقع الذي يقدمه النص. فالقيمة الحقيقية لأي تقديم لا تُقاس بحجم اسم كاتبه، بل بصدق مضمونه وموضوعيته.

أما الأسس الاحترافية للتقديم المؤثر، فتبدأ بقراءة العمل بتمعّن، وفهم روحه قبل صياغة أي كلمة، ثم إبراز نقاط قوته وسياقه وأهميته للقارئ، بعيدًا عن المبالغات والمجاملات. ويجب أن يحمل التقديم إضافة فكرية أو معرفية تعزز من فهم الكتاب، لا أن يكون مجرد ديباجة دعائية، إن التقديم الناجح باختصار هو الذي يوازن بين الترويج المستحق والتتويج المستند إلى جودة النص؛ ليصبح جسرًا صادقًا يربط المؤلف بالقارئ، ويمنح العمل ضوءه الحقيقي.

التقديم قيمة مضافة، لا مجرد ديباجة

وﯾﺆﻛﺪ اﻟﺮواﺋﻲ واﻟﺸﺎﻋﺮ اﻷﺳﺘﺎذ ﺣﺴﻦ ﻣﺤﻤﻮد أﺑﻮ ﻗﻄﯿﺶ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺎور اﻟﻘﻀﯿﺔ ﺑﻘﻮله:

تُعدُّ صفحات “التقديم” في المؤلفات من العناصر التي قد تصنع فارقًا حقيقيًّا في استقبال القارئ للعمل، إذا جاءت بروح مهنية تُضيء للقارئ خلفية الكتاب وقيمته، دون أن تطغى على جوهره. فالتقديم الجيد يهيئ المتلقي للولوج إلى النص برؤية أعمق، وقد يمنح الكتاب بعدًا إضافيًا يميّزه عن سواه، بينما التقديم الضعيف أو المجامل قد يسلبه هذا التأثير. لكن في المقابل، لا يمكن إنكار أن توقيع شخصية مرموقة على التقديم قد يُكسب العمل بريقًا خاصًّا، حتى لو لم يكن المحتوى على ذات المستوى، وهو أمر قد يظلم القارئ ويضر بمصداقية المؤلف. هنا تكمن خطورة التقديم إذا تحوّل إلى أداة للتلميع بدل أن يكون جسرًا لتعريف حقيقي بالكتاب، ومن منظور احترافي، ينبغي أن يقوم التقديم على أسس واضحة؛ أولها فهم عميق لموضوع الكتاب وأهدافه، وثانيها تقديم سياق علمي أو أدبي يثري القارئ، وثالثها الابتعاد عن المبالغات والمديح الفارغ. كما يجب أن يتضمن إشارات نقدية بنّاءة تُظهر مواطن القوة، وربما بعض مواطن القصور، في إطار من الاحترام. بذلك يصبح التقديم قيمة مضافة، لا مجرد ديباجة بروتوكولية، ويؤدي دوره في دعم المحتوى وتوجيه القارئ نحو قراءة واعية ونقدية، بهذا النهج، تتحوّل صفحات التقديم من “مجاملة” إلى “مسؤولية” تُعزز مكانة المؤلف والكتاب معًا.

التقديم إضاءة للقارئ 

ويشاركنا الرأي توفيق بوشري كاتب وقاص من المغرب، بقوله:

أعتقد أن التقديم شيء جيد لأنه بمثابة إضاءة بالنسبة للقارئ، أو من المفروض أن يكون كذلك قبل التعاطي مع النص الأدبي أو الإبداعي ليشكل بوصلة من خلالها يتم منح النص قيمة معينة داخل إطار نقدي معين، لكن في كثير من الأحيان يصبح هذا التقديم عائقًا عندما لا يكون موضوعيًا وصادقًا في التعاطي مع النص ويكون مبنيًا على علاقات محاباة وربما مؤدى عنه! وهذا يؤدي إلى تلميع كاذب للكتاب وإلى خداع القارئ الذي ربما ليس لديه الحس النقدي الكافي للكشف عن حقيقة قيمة النص وكذب ومخاتلة التقديم. عمومًا تقديم كتاب ليس شيئًا سيئًا، لكن لا بد من شرط الحياد والموضوعية في الحكم على إبداعيته من عدمها، فهو من جهة تشجيع للكاتب خاصة المبتدئ ومن جهة ثانية هو فرصة لتدريب القارئ على النقد قبل تحفيزه للقراءة لأسماء معينة. 

سلبية التقديم جناية على القادم المستحق 

ويعلق الشاعر والكاتب الأستاذ عبد الرحمن سابي، عضو مجلس إدارة نادي الباحة الأدبي:

ثمة تسمية في هذا الأمر لا يمكن تأطيرها بمنهجية معينة؛ لأن القول بمطلق إيجابية التقديم يعد ممارسة قد لا يغفرها النسق الثقافي إذا ما كان المحتوى غير جدير بمن قدّم له أو بما قُدِمَ فيه والجنوح إلى سلبية التقديم بشكل عام فيها جناية على القادم الجديد، المستحق في نظري إلى التقديم من القامات إذا ما امتلك في قدومه ما يعزز ذلك التقديم ويدعم وجوده ويكون حافزًا له في الثبات والاستمرارية، وفيما يشاهد من ممارسة هذه العملية الكثير من السواد والقليل من البياض فكم من لمعة لحقت بمن لا يستحقها عبر تقديم خان أمانته لعوامل عدة لا يعرف باعثها وكانت الجودة التي قال بها التقديم أبعد ما تكون عن هزالة ورداءة محتوى المقدَم له وعليه فإن استشعار أمانة الكلمة والبعد عن المجاملات عند الرغبة في تقديم ما من شأنه الوقوع بين يدي الناس يعد لزامًا واحترافًا يجب البقاء في دائرته حتى لا يتم استغلال هذا الفعل في الإساءة إلى الواقع الثقافي؛ ما يترتب عليه إصدار الحكم المعرفي المعيب حول المحتوى المرتبط بالصورة العامة للمجتمع. 

*التصدير المقبول يكون من شخص له صلة بالكاتب

وﯾﻌﻠﻖ الأﺳﺘﺎذ واﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﻤﺼﺮي ﺣﺠﺎج ﺳﻼﻣﺔ، ﺑﻘﻮله:

أعتقد أن الاستعانة بشخصية علمية أو أدبية معروفة لكتابة تقديم لكتاب جديد، هي مسألة تتعدّد أسبابها، وما أقوله هنا قد يكون صوابًا وقد يكون رأيًا خاطئًا، ومن وجهة نظري فإن البعض يلجأ إلى تصدير كتابه بتقديم بقلم شخصية لها حضورها ولها مكانتها وشهرتها ونتاجها العلمي أو الأدبي، بهدف إضفاء قدر من القيمة على الكتاب، ومن أجل إكساب كتابه مصداقية لدى القارئ، وأجد أن هذا الأمر لا ضرر فيه إذا فكرة الكتاب ومادته تستحق أن يكتب لها تصدير باسم عالم أو مفكر أو كاتب أو مثقف كبير، لكن الخشية هنا تكون من أن تتسلل المجاملات في هذا الأمر، وربما يكون ذلك مستبعدًا، وأثق أن العلماء والمفكرين والأدباء الحقيقيين وأصحاب الشهرة الحقيقية والنتاج القوي، لن يغامروا بوضع اسمهم على كتاب غير جيد. وبالنسبة لي فإن التصدير المقبول هو حين يكون مكتوبًا من قبل شخص له صلة بالكاتب، مثل أن يكتب الأستاذ مقدمة لكتاب تلميذه، أو أن يدور الكتاب في فلك موضوع تفرّد به وتخصص فيه عالم أو مفكر أو كاتب أو أكاديمي ما، فيكون التصدير هنا مقبولًا ومناسبًا. والكثير من المقدمات التي تتصدر الكتب، والتي يكتبها أشخاص آخرون غير مؤلف الكتاب، تأتي مفيدة، وتطرح أسئلة، وتجيب على تساؤلات وتضيء على فصول الكتاب وصفحاته بشكل جيد يُساعد القارئ في القراءة وفهم موضوعات الكتاب بشكل صحيح. أي أن بعض المقدمات تقوم بدور يخدم القارئ.

اقعية الترويج تعطي تصورًا صادقًا عن المؤلَّف 

وﺗﺸﺎرﻛﻨﺎ اﻟﺮأي الشاعرة الأردنية د. ﺳﻤﺎح ﻋﻼﯾﺎ اﻟﺨﺼﺎونة، بقولها: 

اﻟـﻨﺎظـﺮ ﻓـﻲ أﺣـﻮال ھـﺬا اﻟـﻌﺼﺮ ﯾـﺮى زﺧـﻤًا واﺿـﺤًا ﻓـﻲ اﻟـﻤﺆﻟـﻔﺎت، ﻓـﻲ ﻣـﺨﺘﻠﻒ اﻟـﻤﻮاﺿـﯿﻊ، اﻟـﺸﻌﺮﯾـﺔ واﻷدﺑـﯿﺔ واﻟـﻌﻠﻤﯿﺔ وﻣـﻮاﺿـﯿﻊ ﻛـﺜﯿﺮة أﺧـﺮى ﻣﺴـﺘﺠﺪة، ﻟـﻜﻦ أي ھـﺬه اﻟـﻤﺆﻟـﻔﺎت ﯾـﺼﻨﻊ ﻓـﺮﻗًـﺎ، وﻟﻤﺎذا ﺑﻌﻀﮭﺎ ﯾﺤﻈﻰ ﺑﺮواج ﻛﺒﯿﺮ واﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﻻ ﯾُﻠﻘﻰ له ﺑﺎل، ﻟـﻌﻞ ﺑـﻌﺾ اﻟـﻤﺆﻟـﻔﺎت ﺗﺠـﺪ ﻓـﯿﮭﺎ ﻣـﻘﺪﻣـﺎت ﺗـﺸﻌﺮك أﻧـﻚ أﻣـﺎم ﻣـﺆﻟـﻒ ﻣـﮭﻮل، ﻓـﺈذا ﺑـﺪأت ﻓـﻲاﻟﻐﻮص ﻓﻲ أﻋﻤﺎقه ﻻ ﺗﺠﺪ إﻻ اﻟﺴﺮاب اﻟﺬي ﯾﺨﺪع اﻟﻈﺎﻣﺊ. أﻣـﺎم اﻟـﻤﻘﺪﻣـﺎت اﻟـﻜﺜﯿﺮة اﻟـﺘﻲ ﯾـﻌﺘﺒﺮھـﺎ اﻟـﻜﺜﯿﺮون ﻣـﻔﺎﺗـﯿﺢ ﻟـﻠﻜﺘﺐ ﺗـﻘﻒ ﺣـﺎﺋـﺮًا أﯾـﮭﺎ ﺗـﺨﺘﺎر، ﻟﺘﺠـﺪ ﻧـﻔﺴﻚ أﺣـﯿﺎنًا أﻣـﺎم ﻣـﺆﻟـﻒ ﻻ ﯾـﺮﻗـﻰ، وﻻ ﯾـﺴﻤﻦ وﻻ ﯾـﻐﻨﻲ ﻣـﻦ ﺟـﻮع، وﻻ ﯾـﺨﻔﻰ ﻋـﻠﻰ أﺣـﺪ أن اﻟـﺘﻘﺪﯾـﻢ ﻟـﻠﻜﺘﺎب أﺻـﺒﺢ ﻣـﻦ اﻷھـﻤﯿﺔ ﺑـﻤﻜﺎن، ﺧـﺼﻮﺻًـﺎ ﺑـﯿﻦ اﻟـﻤﺆﻟـﻔﯿﻦ اﻟﺠـﺪد وإن ﻛـﺎن ﻣـﻮﺟـﻮدًا ﺑـﯿﻦ ﺟـﻤﯿﻊ اﻟـﻤﺆﻟـﻔﯿﻦ، ﻟـﻜﻦ اﻟـﺴﺆال اﻟـﺬي ﯾـﻄﺮح ﻧـﻔﺴﮫ ھـﻞ ﺗـﺼﻨﻊ اﻟـﻤﻘﺪﻣـﺎت ﻓـﺮﻗًـﺎ ﻣـﺎ ﺑـﯿﻦ ﻛـﺘﺎب ﺟـﯿﺪ وآﺧـﺮ ﻣـﺘﻮاﺿـﻊ؟ ﻓـﻲاﻟـﺤﻘﯿﻘﺔ ﺗـﻌﻤﻞ اﻟـﻤﻘﺪﻣـﺎت ﻋـﻠﻰ ﺟـﺬب اﻟـﻘﺎرئ، وﺗـﻌﻄيه  ﺗـﺼﻮرًا ﻋـﺎﻣًـﺎ ﺣـﻮل ﻣـﺎ ﯾـﺪور ﺣـﻮﻟـه اﻟﻜﺘﺎب، ما ﯾﺴﮭﻞ ﻋﻠيه  ﻓﻚ ﻋﻘﺪ اﻟﻜﺘﺎب أﺛﻨﺎء اﻟﺘﺒﺤﺮ ﻓيه.

وﯾـﺴﮭﻢ ﺗـﻘﺪﯾـﻢ ﺷـﺨﺼﯿﺎت ﻛـﺒﯿﺮة ﻟـﻠﻜﺘﺎب ﻓـﻲ ﺗـﻠﻤﯿﻊ ﺻـﻮرة اﻟـﻜﺘﺎب ﻣـﻦ أﺟـﻞ اﻟـﺘﺮوﯾـﺞ ﻟـه، ﻋـﻠﻰ ﺣـﺴﺎب ﺟـﻮدﺗـه، وﻧـﻔﺎﺳـﺔ ﻣـﺤﺘﻮاه، ﻛـﻤﺎ ھـﻮ دارج ﻓـﻲ زﻣـﺎﻧـﻨﺎ ھـﺬا ﻓـﻲ أﻏـﻠﺐ اﻷﺣـﯿﺎن، ﻓـﻘﺪ ﻧﺠـﺪ ﻛـﺘﺎﺑًـﺎ ﻧـﻔﯿﺴًﺎ ﻟـﻜﻦ ﻛـﺎﺗـﺐ اﻟـﻤﻘﺪﻣـﺔ ﻏـﯿﺮ ﻣـﻌﺮوف، وﻗـﺪ ﻧﺠـﺪ ﻛـﺘﺎبًا ﺿـﻌﯿﻔًا وﻛـﺎﺗـﺐ اﻟـﻤﻘﺪﻣـﺔ ﻣـﺸﮭﻮر، اﻷﻣـﺮ ھـﻨﺎ ﯾـﻮﻗـﻊ اﻟـﻐﺎﻟـﺒﯿﺔ ﻓـﻲ ﺷـﺮك الاﻧﺠـﺮاف وراء اﻟـﺘﯿﺎر، وﻻ ﯾﺴـﻠﻢ ﻣـنه  إﻻ ذو ﻋـﻘﻞ رﺷـﯿﺪ، ﻓـﺎﻟـﺘﺮﻛـﯿﺰ ھـﻨﺎ ﯾﻜﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺆﻟِّف ﺛﻨﺎءً وﻣﺪﺣًﺎ، دون اﻟﻮﻟﻮج إﻟﻰ ﻋﻤﻖ اﻟﻤﺆﻟَّﻒ. وﺣـﺘﻰ أﻛـﻮن ﻣـﻨﺼﻔﺔ ﯾـﺠﺐ أن ﺗـﻜﻮن ھـﻨﺎك أﺳـﺲ اﺣـﺘﺮاﻓـﯿﺔ ﺗـﺆﺧـﺬ ﻓـﻲ ﻋـﯿﻦ اﻻﻋـﺘﺒﺎر ﻓـﻲ اﻟـﺘﻘﺪﯾـﻢ ﻟـﻠﻜﺘﺐ، ﻣـﻦ ھـﺬه اﻷﺳـﺲ: اﻻﺑـﺘﻌﺎد ﻋـﻦ اﻟـﻤﺠﺎﻣـﻠﺔ واﻟـﻤﺤﺎﺑـﺎة، اﻟـﻤﻮﺿـﻮﻋـﯿﺔ، اﻟـﺘﺸﻮﯾـﻖ وﺟـﺬب اﻟﻘﺎرئ، اﻻﺧﺘﺼﺎر، ﺳﻼﻣﺔ ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﻠﻐﺔ، أن ﺗﻜﻮن اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ﻓﻲ ﺻﻠﺐ ﻣﻮﺿﻮع اﻟﻜﺘﺎب. إن اﻟـﺘﺮوﯾـﺞ ﻟـﻠﻜﺘﺎب أﻣـﺮ ﻣـﮭﻢ، ﻟـﻜﻦ ﯾـﺠﺐ أن ﯾـﻜﻮن اﻟـﺘﺮوﯾـﺞ واﻗـﻌﯿًﺎ، ﺑـﻌﯿﺪًا ﻋـﻦ اﻟﺨـﺪاع واﻟـﺘﺰﯾـﯿﻒ ﻣـﻦ أﺟـﻞ ﻧـﯿﻞ ﺣـﻔﻨﺔ ﻣـﻦ اﻟـﻤﺎل، وﺑـﯿﻊ أﻛـﺒﺮ ﻋـﺪد ﻣـﻦ اﻟـﻨﺴﺦ، ﻓـﺎﻟـﻘﺎرئ إن ﺧُـﺪع ﻣـﺮة ﻟـﻦ ﯾُﺨـﺪع ﻣﺮة أﺧﺮى.

*اﻟﻨﺺ اﻟﺠﯿﺪ ﯾﻘﺪم نفسه 

ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ واﻟﺮواﺋﻲ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﻜﺎﻣﺢ ﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮب وﺟﮭﺔ ﻧﻈﺮه اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺣﻮل اﻟﻘﻀﯿﺔ اﻟﻤﻄﺮوﺣﺔ، ﺣﯿﺚ ﻗﺎل: بادئ ذي بدء: كثير من القراء، وأنا منهم، يرى في التقديم قيداً يحد من حرية القارئ في الحكم على العمل، ويعتبرونه أشبه بالكشف عن تفاصيل فيلم قبل مشاهدته، مما يفسد متعة الاستكشاف والتفاعل المباشر. هذا الرأي يركز على أن القراءة يجب أن تكون رحلة شخصية محضة، خالية من أي توجيه مسبق قد يكون مجرد انطباعات شخصية لشخص آخر. إن جمال أي عمل فني أو أدبي يكمن في التفاعل المباشر معه، وتكوين رأي شخصي نابع من التجربة الذاتية، لذا فإن تجاهل التقديم هو خطوة لتأكيد استقلالية القارئ في حكمه وتقييمه للعمل بناءً على ما يجد فيه هو بنفسه من قيمة وفائدة. وأفضل أن أقرأ التقديم بعد الانتهاء من قراءة الكتاب، ولقد تعودت على ذلك منذ طفولتي.
من جهة أخرى، يمكن النظر إلى التقديم كدليل أو خريطة طريق لا كقيد، فهو قد يقدم سياقاً تاريخياً أو فكرياً مهماً يساعد القارئ على فهم العمل بشكل أعمق، أو يلقي الضوء على دوافع الكاتب وأهدافه الرئيسية من وراء النص. فليس كل تقديم هو مجرد تلخيص للأحداث، بل قد يكون إضافة قيمة تزيد من تقدير القارئ للنص وتساعده على ربط الأفكار المختلفة. في النهاية، يعود قرار قراءة التقديم أو تجاهله إلى القارئ نفسه، فهو يختار بين الانطلاق في رحلة غير معروفة تماماً، أو أن يكون معه دليل يساعده على فهم الطريق. كلا الأسلوبين له مبرراته وفوائده، والجمال يكمن في اختلاف التجارب، على أيٍّ فالتقديم يلعب، أو “المقدمة”، دورًا محوريًا في أي مؤلَّف، فهو مدخل للمحتوى، وهو نافذة منها نطل على الكتاب قبل الشروع في قراءته، وهو كذلك بوابة الكتاب التي تُشكل الانطباع الأول لدى القارئ. هذه الفقرات التمهيدية قد تكون أداة قوية للترويج أو للتتويج، مما يثير تساؤلات حول أهميتها وتأثيرها على القارئ، خاصة في ظل تزايد عدد الإصدارات وتنافسها في سوق النشر. بالتأكيد، يمتلك التقديم القدرة على إحداث “الفارق” بين كتاب جيد وآخر قد لا يحظى بالاهتمام الكافي. التقديم الجيد ليس مجرد تلخيص سطحي للمحتوى، بل هو بمثابة خريطة طريق للقارئ، تُبرز قيمة الكتاب، أصالة أفكاره، ومنهجيته المتبعة. كتابٌ جيد بمقدمة ممتازة يبني توقعات مرتفعة لدى القارئ ويُشجّعه على الغوص في أعماق المحتوى. وعلى العكس، قد يفقد كتابٌ قيمٌ فرصة جذب القارئ بسبب مقدمة ضعيفة لا تُظهر أهميته الحقيقية، مما يجعله يُفوّت فرصة الوصول إلى شريحة أوسع من القراء. إن التقديم المتقن يعمل كأداة تشويق وإقناع، تُظهر للقارئ لماذا يستحق هذا الكتاب وقته واهتمامه، من جهة أخرى، يثير تقديم الشخصيات الكبيرة للمؤلفات تساؤلات حول طبيعة هذا التقديم ودوره. قد يساهم تقديم شخصية مرموقة في تلميع صورة المؤلف والكتاب بشكل كبير، وهذا قد يحدث أحيانًا على حساب الجودة الفعلية للمحتوى. التقديم من شخصية مشهورة قد يُضفي على الكتاب مصداقية زائفة ويُغري القارئ بشرائه، خاصة إذا كان يثق في رأي هذه الشخصية. ومع ذلك، لا يعني هذا دائمًا أن كل التقديمات من قبل شخصيات مرموقة خالية من القيمة. في أفضل الحالات، تكون هذه التقديمات بمثابة شهادة من خبير، تُضيف بُعدًا نقديًا أو تحليليًا للمحتوى، وتُبرز نقاط قوته من منظور متخصص. المشكلة الحقيقية تكمن عندما يُستخدم هذا التقديم كأداة تسويقية بحتة، دون أن يكون مبنيًا على تقييم حقيقي وعميق للمحتوى. ولضمان أن يكون التقديم أداة لتطوير المحتوى بعيدًا عن المجاملة والمحاباة، يجب أن يُبنى على أسس احترافية. أولاً، يجب أن يتحلى التقديم بالموضوعية والحيادية، وأن يكون مبنيًا على تحليل نقدي للمحتوى، لا على علاقة شخصية بالمؤلف. ثانيًا، من الضروري أن يُبرز التقديم بشكل واضح ما يضيفه الكتاب للمعرفة الموجودة، سواء كانت نظرية جديدة أو تحليلًا مبتكرًا لظاهرة ما. ثالثًا، إذا كان التقديم من قبل شخصية مرموقة، فمن الأهمية بمكان أن تكون خبرتها مرتبطة بموضوع الكتاب لضمان قيمة مضافة حقيقية. أخيرًا، يجب أن يركز التقديم على تقديم توجيه مفيد للقارئ حول كيفية الاستفادة القصوى من الكتاب، وأن يضعه في سياقه الفكري أو التاريخي المناسب. بهذه الطريقة، يصبح التقديم أداة تُثري تجربة القراءة وتخدم القارئ، لا مجرد وسيلة لترويج الكتاب بطريقة سطحية.

إن قرار عدم قراءة التقديم أو المقدمة في أي مؤلف هو اختيار شخصي يتخذه العديد من القراء. قد يرى بعضهم أن القيمة الحقيقية للكتاب تكمن في متنه الأساسي، وأن التقديم ليس إلا مجرد حشو أو ترويج لا يضيف شيئًا جوهريًا لتجربة القراءة. هذا الرأي له وجاهته، خاصةً في ظل وجود العديد من التقديمات التي لا تتعدى كونها مجاملات أو إطراءات عامة لا تقدم للقارئ أي فائدة حقيقية.
لكن في المقابل، يمكن النظر إلى التقديم من زاوية مختلفة. التقديم الاحترافي، الذي يُكتب بأسس نقدية وموضوعية، يمكن أن يكون بمثابة دليل إرشادي لا غنى عنه. فهو لا يهدف إلى إقناعك بالقراءة، بل يهدف إلى إعدادك لها. فكر فيه كخريطة طريق؛ هو لا يمنحك المعلومات التي في الكتاب، بل يضعها في سياقها المناسب. التقديم الجيد قد يوضح لك المنهجية التي اتبعها المؤلف، أو يُشير إلى أهمية الأفكار المطروحة في سياقها التاريخي أو الفكري، أو حتى يضع الكتاب في مقارنة مع أعمال أخرى مشابهة.
فالعديد من التقديمات لا تستحق القراءة، وأن الوقت الذي يُصرف عليها قد يُستثمر في قراءة محتوى الكتاب نفسه. ولكن، قد يكون في بعض التقديمات ما يُعطي العمل عمقًا إضافيًا، أو يضيء جوانب قد لا تدركها من القراءة المباشرة للمتن. في النهاية، يعود الأمر إلى القارئ في تحديد ما إذا كانت المقدمة تستحق قراءتها، لكن قد يكون من المفيد إلقاء نظرة سريعة عليها؛ فربما تكون إحداها كنزًا مخفيًا، رغم أني لست من القراء الذين يقرؤون  التقديم، وقد جاء ذلك على شخصية في روايتي: “ليتني لازلتُ منسيا” إذ يقول:
(دعك من كل هذه الأمور، ابتعد دائما عن المقدمات التي تضر بالنص أو بالشريط أكثر مما تخدمه، لا تكن مثل الذين يستهلون كتبهم بمقدمات في أول الكتاب، فيرسمون لك طريق ما تقرأ بدل أن يتركوك حراً طليقا تحلق بين الصفحات كما تشاء غير مرتبط بفكرة مسبقة وبقراءة مقننة، ما يقتل النص هو التقديمات والتجميلات بلا معنى والتطويل بلا فائدة، النص الجيد يقرأ نفسه بنفسه، ويقدم نفسه بنفسه ويكون في غنى عن من يقدمه.)

*المصداقية أهم أسس الاحترافية

وﺗـﻀﯿﻒ الأديبة ﻣـﺮﯾـﻢ ﺣـﺎﻣـﺪ اﻟـﺮﻓـﺎﻋـﻲ، ﻋـﻀﻮ ﻓـﻲ ﻓـﺮﯾـﻖ اﻟﺴﻼم اﻟﺴﻌﻮدي اﻟﺘﻄﻮﻋﻲ،  ﺮأﯾﮭﺎ:

ﺻﻔﺤﺎت اﻟﺘﻘﺪﯾﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺆﻟﻔﺎت مهمة ﺟﺪًا، ﻓﮭﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﻤﻔﺘﺎح ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻘﺎرئ ﻟـﻺﻟـﻤﺎم ﺑـﻤﺤﺘﻮى ھـﺬا اﻟـﻜﺘﺎب وأﺳـﻠﻮب ورؤﯾـﺔ اﻟـﻜﺎﺗـﺐ ﻣـﻦ ﺧـﻼﻟـﮭﺎ، ﻓـﺈذا ﻛـﺎﻧـﺖ اﻟـﻤﻘﺪﻣـﺔ ﻣـﺨﺘﺼﺮة وھـﺎدﻓـﺔ ﻓـﺈﻧـﮭﺎ ﺗـﻔﺘﺢ آﻓﺎق اﻟﻘﺎرئ ﻟﯿﻤﯿﺰ ﻣﺪى ﺟﻮدة ﻣﺤﺘﻮى اﻟﻜﺘﺎب ﻣﻦ رداءته، ﻓﺈن ﻟﻢ ﯾﺴﻌﻒ اﻟﺠﻮھﺮ ﻓﻼ ﯾﺴﻌﻒ اﻟﻤﻈﮭﺮ. 

ﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎﯾﺔ ﺑﻨﻮادر اﻟﻨﻔﺎﺋﺲ ﻟﺘﺰﺧﺮ اﻟﻜﺘﺐ ﺑﻤﺤﺘﻮاھﺎ اﻟﻤﺘﻔﺮد، ﻋـﻨﺪﻣـﺎ ﯾـﻌﺘﻨﻲ اﻟـﻤﺆﻟـﻒ ﺑـﻤﺤﺘﻮى اﻟـﻜﺘﺎب ﺑـﺈﺿـﺎﻓـﺔ اﻟـﻔﺮاﺋـﺪ واﺧـﺘﯿﺎر اﻟـﻤﻮاﺿـﯿﻊ وﺗﺤـﺮي اﻟـﺪﻗـﺔ وﺗـﻜﺮﯾـﺲ وﻗـته وجهده ﻟﯿﺼﺒﺢ اﻟﻜﺘﺎب ﻓﺬًا ذا ﻗﯿﻤﺔ أدﺑﯿﺔ واﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ، ﺛﻢ ﯾﺮدف إﻟﻰ ﻣﻘﺪﻣته ﺑﻌﺾ اﻷﺳﻤﺎء اﻟﻜﺒﯿﺮة ﻟﺘﻌﺰﯾﺰ ﺟﻮدته، ﻓﺈن ذﻟﻚ ﯾﻌﺪ ھﻀﻢ ﺣﻖ وﺗﻘﻠﯿﻞ ﻣﻦ ﺷﺄن ﺟﻮدة اﻟﻜﺘﺎب، ﻓﻘﺪ اﺷﺘﮭﺮ ﻛﺘﺎب وﺑﺮزت أﻣﮭﺎت اﻟﻜﺘﺐ ﻋﺒﺮ اﻟﻌﺼﻮر ﻟﻤﻜﺎﻧﺘﮭا اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ واﻷدﺑﯿﺔ ﻻ ﻹﺿﺎﻓﺔ اﻷﺳﻤﺎء اﻟﻜﺒﯿﺮة واﻟﻤﺮﻣﻮﻗﺔ إﻟﯿﮭﺎ. 

ﻻ ﺗـﻮﺟـﺪ أﺳـﺲ اﺣـﺘﺮاﻓـﯿﺔ ﻟـﻠﺘﻘﺪﯾـﻢ، إﻧـﻤﺎ ﯾـﻨﺒﻐﻲ ﻣـﺮاﻋـﺎة اﻟـﻤﺼﺪاﻗـﯿﺔ واﻟـﺠﻮدة ﻓـﻲ اﻟـﻌﻤﻞ واﻷﺧـﺬ ﻣـﻦ ﻣـﺼﺎدر ﻣـﻮﺛـﻮﻗـﺔ، وﻋﺪم اﻟﺘﻜﺮار واﻹطﺎﻟﺔ، ﻛﻤﺎ ﯾﺠﺐ اﻻﺑﺘﻜﺎر واﻟﺘﺠﺪﯾﺪ ﻓﻲ اﻟﺘﺄﻟﯿﻒ ﺑﺘﻄﻮﯾﺮ اﻷﻓﻜﺎر وﻣﺰاﻣﻨﺔ اﻷﺣﺪاث وﻣﺴﺎﯾﺮة اﻟﻌﺼﺮ.

 اﻟﻤﻘﺪم لا يزج  ﺑﺎﺳمه ﻓﻲ ﻣﺤﺘﻮى ﺿﻌﯿﻒ 

وﯾﻀﯿﻒ الأﺳﺘﺎذ طﺎرق اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ، ﻋﻀﻮ ﻧﺎدي وﺳﻢ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ، رأيه ﺣﻮل ﻣﺤﺎور اﻟﻘﻀﯿﺔ اﻟﻤﻄﺮوﺣﺔ، حيث أفاد: تختلف الأسباب من كاتب إلى آخر في طلب التقديم الخاص لكتابه من شخصية كبيرة، فمنهم من يسعى إلى تعزيز الموضوعات والأفكار التي حواها كتابه، ومنهم من يسعى إلى انتشار الكتاب على نطاق واسع مستخدماً مكانة المقدم، كأن يضع اسمه على غلاف الكتاب، ومنهم من يسعى إلى الحصول على المباركة من المقدم عندما يدخل عالم التأليف خاصةً عندما يكون الكتاب أول إصدار للكاتب.

وأياً كانت الأسباب فإنها لا تضمن جودة المحتوى، فالحكم في النهاية سوف يصدره القارئ بعد فترة من صدور الكتاب. ولا أظن المقدم سوف يجامل ويقدم لكتاب لا يستحق أو موضوع لا يهمه، فعادة ما يكون المقدم حريصاً على عدم الزج باسمه في محتوى ضعيف أو باهت.

كما أننا لا يمكن أن نضع ضوابط لمثل هذا الأمر (تقديم الكتاب)، لأنه يخضع غالباً للعلاقة التي تربط المؤلف بالمقدم. وأظن أن هناك عدة عوامل تدفع المقدم إلى التقديم منها: إعجابه بالمحتوى، أو اهتمامه بالموضوع الذي تطرق إليه الكاتب، أو تعزيزه للأفكار التي أوردها الكاتب فيه، أو تشجيع الكاتب إذا كان من المستجدين في التأليف والنشر.

* ﺻﻔﺤﺔ اﻟﺘﻘﺪﯾﻢ بوابة العبور للقارئ 

وﺗﺨﺘﺘﻢ ﻗﻀﯿﺘﻨﺎ اﻟﻔﻨﺎﻧﺔ اﻟﺘﺸﻜﯿﻠﯿﺔ واﻟﻜﺎﺗﺒﺔ الأﺳﺘﺎذة ﺳﻠﻮى الأﻧﺼﺎري، ﺳﻔﯿﺮة ھﯿﺌﺔ الأدب ﺑﺘﺒﻮك، بقولها:

ﻓـﻲ ﺻـﻨﺎﻋـﺔ اﻟـﻜﺘﺎب، ﺗـﺄﺗـﻲ ﺻـﻔﺤﺔ “اﻟـﺘﻘﺪﯾـﻢ” ﺑـﻮﺻـﻔﮭﺎ اﻟـﺒﻮاﺑـﺔ اﻷوﻟـﻰ اﻟـﺘﻲ ﯾـﻌﺒﺮ ﻣـﻨﮭﺎ اﻟـﻘﺎرئ إﻟـﻰ ﻋـﺎﻟـﻢ اﻟـﻜﺘﺎب اﻟـﻤﻘﺪم وﻓـﻜﺮ اﻟـﻜﺎﺗـﺐ، وھـﻲ ـ ﺑـﻼ ﺷـﻚ ـ ﺻـﻔﺤﺔ ﻣـﮭﻤﺔ ﻗـﺎدرة ﻋـﻠﻰ ﺻـﻨﺎﻋـﺔ اﻟـﻔﺎرق ﺑـﯿﻦ ﻛـﺘﺎب ﯾُـﻐﺮي ﺑـﺎﻟـﻘﺮاءة وآﺧـﺮ ﯾـﻔﻘﺪ ﺑﺮﯾقه ﻣﻦ اﻟﺼﻔﺤﺎت اﻷوﻟﻰ. ﻓـﺎﻟـﺘﻘﺪﯾـﻢ اﻟـﺠﯿﺪ ﻟـﯿﺲ ﻣﺠـﺮد ﻛـﻠﻤﺎت ﺗﻤﮭـﯿﺪﯾـﺔ، وﺗـﻠﻤﯿﻊ ﻟـﻠﺼﻔﺤﺎت اﻟـﻘﺎدﻣـﺔ، ﺑـﻞ ھـﻮ ﺟﺴـﺮ ﻣـﻦ اﻟـﺜﻘﺔ واﻟـﻤﻌﺮﻓـﺔ، ﯾﮭـﯿﺊ ذھـﻦ اﻟﻘﺎرئ ﻟﺘﻠﻘﻲ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﺪﻓﺘﯿﻦ، وﯾﺮﺳﻢ ﻣﻼﻣﺢ اﻻﻧﻄﺒﺎع اﻷول اﻟﺬي ﻗﺪ ﯾﻈﻞ ﻋﺎﻟﻘًﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ إﻏﻼق اﻟﻜﺘﺎب. ﻏـﯿﺮ أن ﺗـﻘﺪﯾـﻢ اﻟـﺸﺨﺼﯿﺎت اﻟـﻜﺒﯿﺮة ـ ﻋـﻠﻰ أھـﻤﯿته  ﻓـﻲ ﻟـﻔﺖ اﻻﻧـﺘﺒﺎه ـ ﻗـﺪ ﯾـﺘﺤﻮل أﺣـﯿﺎﻧًـﺎ إﻟـﻰ ﺳـﻼح ذي ﺣـﺪﯾـﻦ؛ ﻓـﺤﯿﻦ ﯾـﻜﻮن اﻟـﺘﻘﺪﯾـﻢ أداة ﻟـﺘﻠﻤﯿﻊ ﺻـﻮرة اﻟـﻤﺆﻟـﻒ أو اﻟـﻌﻤﻞ ﺑـﻌﯿﺪًا ﻋـﻦ ﺟـﻮھـﺮ اﻟـﺠﻮدة، ﻓـﺈنه ﯾﺨـﺪع اﻟـﻘﺎرئ ﻣـﺆﻗـﺘًﺎ، ﻟـﻜﻦ ﺳـﺮﻋـﺎن ﻣﺎ ﺗﺴﻘﻂ ھﺬه اﻟﮭﺎﻟﺔ أﻣﺎم ﺿﻌﻒ اﻟﻤﺤﺘﻮى، وﺗﺼﻤﺖ أﺻﻮات اﻟﻄﺒﻮل اﻟﺰاﺋﻔﺔ.

ھﻨﺎ ﯾﺼﺒﺢ اﻟﺘﻘﺪﯾﻢ ﻋﺒﺜﯿًﺎ ﯾﻘﻠﻞ ﻣﻦ ﻣﺼﺪاﻗﯿﺔ اﻟﻤﻘﺪم وﯾﻮﺿﺢ زﯾﻒ ﻗﻠﻢ اﻟﻜﺎﺗﺐ.. ﺑـﯿﻨﻤﺎ ﻟـﻮ ﻛـﺎن اﻟـﺘﻘﺪﯾـﻢ اﺣـﺘﺮاﻓـﯿًﺎ وﯾﺤـﻤﻞ ﺑـﯿﻦ أﺣـﺮفه ﻣـﺸﻜﺎة ﺗـﻨﯿﺮ طـﺮﯾـﻖ اﻟـﻘﺎرئ، ﻓـإنه  ﺑـﻼ ﺷـﻚ ﺳـﯿﻜﻮن ﺗـﻘﺪﯾـﻤًﺎ ﯾـﺮﺿـﻲ اﻟﻘﺎرئ ﻗﺒﻞ اﻟﻜﺎﺗﺐ. وﻟـﻮ زﻋـﻤﺖ أن ھـﻨﺎك أﺳـسًا اﺣـﺘﺮاﻓـﯿﺔ ﻟـﻠﺘﻘﺪﯾـﻢ، ﻓﮭـﻲ ﺗـﻨﺒﻊ ﺑـﺰﻋـﻤﻲ ﻣـﻦ اﻟـﺼﺪق اﻟـﻨﻘﺪي واﻟـﻮﻋـﻲ ﺑـﻤﻮﺿـﻮع اﻟـﻜﺘﺎب، ﻣـﻊ اﻟـﻘﺪرة ﻋـﻠﻰ إﺑـﺮاز ﻗـﯿﻤته اﻟـﺤﻘﯿﻘﯿﺔ دون ﻣـﺒﺎﻟـﻐﺔ أو ﻣـﺤﺎﺑـﺎة، ينبغي أن يقدم التقديم رؤية واضحة عن العمل وأھـﺪافه، وأھـﻤﯿته ﻣـﻊ إﺷـﺎرات ﻧـﻘﺪﯾـﺔ ﺑـﻨّﺎءة ﺗُـﺜﺮي اﻟﺘﺠـﺮﺑـﺔ اﻟـﻘﺮاﺋـﯿﺔ، ﺑـﻌﯿﺪًا ﻋـﻦ اﻹطـﺮاء اﻟﻤﺠـﺮد أو اﻟـﻤﺠﺎﻣـﻠﺔ اﻟﻤﻔﺮطﺔ. ﻓـﺎﻟـﺘﻘﺪﯾـﻢ اﻟـﻨﺎﺟـﺢ ﻟـﯿﺲ إﻋـﻼنًا دﻋـﺎﺋـﯿًﺎ، ﺑـﻞ وﺛـﯿﻘﺔ ﻧـﻘﺪﯾـﺔ وﻓـﻜﺮﯾـﺔ ﺗـﻀﯿﻒ ﻟـﻠﻌﻤﻞ وﺗـﺪﻓـﻊ اﻟـﻘﺎرئ ﻻﺧـﺘﯿﺎر اﻟـﻜﺘﺎب ﺑـﻌﯿﻦ واﻋـﯿﺔ وﻗﻠﺐ ﻣﺘﺸﻮق ﻟﻘﺮاءﺗﮫ، ﻓﺎﻟﻤﻘﺪم ھﻨﺎ ﻣﺆﺗﻤﻦ وواﺟﺐ ﻋﻠيه أن ﯾﺆدي اﻷﻣﺎنة ﻋﻠﻰ أﻛﻤﻞ وجه.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود