36
041
0104
053
078
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11903
05711
05652
05379
04865
0نجلاء سلامة *
الكلمة ليست حروفًا اجتمعت سويًا لتعطينا معنىً لما نقول، لكنَّها أكثر بكثير من ذلك، نحن فقط لم نتوقف عندها كثيرًا لنرى مدى أهميتها في حياتنا ومدى تأثيرها، فهل دقَّقتَ من قبل في كلماتك ومدى تأثيرها على الآخرين؟ وهل تعلم أنَّ للكلمة أنواع؟ وهل سمعتَ منْ قبل عن كلمة تقتل؟
إنَّ الكلمة هي الوسيلة لكثير من الغايات التي نتمنى الوصول إليها، وهي مفتاح كثير من الأبواب المغلقة، وهي سحرٌ يقع على السمع فيُغير حال الشخص إلى الأحسن أو الأسوأ، وقد تتعجب من كل هذه الأهمية للكلمة، لكنَّها بالفعل هكذا، فهي تحمل في طياتها الحب والكره والسخرية والضعف والقوة وما لا نهاية له من المعاني.
فالكلمة تعبير عن المشاعر بكل أنواعها وتقلباتها، وإذا تتبعنا رحلتها، سنجد أنَّها تبدأ من داخل الإنسان لتُعَبِّر عما يُريده أو يشعر به، فإذا خَرَجتْ، انتقلتْ إلى شخص آخر حاملةً له رسالة سلبية أو إيجابية.
والكلمة لا تعدو أنْ تخرج عن كلمة طيبة أو كلمة خبيثة، وكلاهما يحمل في طياته عدد من المعاني المختلفة، فذكر الله, وجبر الخاطر، والاستحسان، وإعطاء الأمل للآخرين، والتشجيع كلمةٌ طيبة؛ فالكلمة الطيبة توجد أينما وُجِدَ الإنسان الطيب ذو الخلق الحميد.
أمَّا الكلمة الخبيثة، فهي كل كلمة من شأنها كسر الخاطر والتلفظ بما يُسيء للآخرين، و ما يكسِر القلوب، وما يحمل في طياته لؤمًا وخبثًا، فالكلمة الخبيثة أيضًا توجد أينما وُجِدَ الإنسان الخبيث الَّلئيم الذي لا يهتم بما يخرج من فمه من كلمات تترجِم داخله المظلم، وتلك الكلمات هنَّ أقرب لأنْ يكنَّ أسواط يَجلدُ بها ذلك اللئيم مَنْ أمامه دون أي اعتبار لعواقب فعلته الخبيثة.
ولو أدركَ كل منَّا عواقب ما يخرج من فمه، ومدى تأثر الآخرين به، لصمتنا كثيرًا ولتحدثنا قليلًا، ولتمنَينا لو أنَّ هناك أقفالًا على ذاك الفم وأربطة شديدة تربط ذلك اللسان الذي يُتَرْجِم ما بداخلنا؛ حتى نتأكد من أننا لن نتسبب بالضرر لغيرنا، ولعلَّنا بهذا نكون قد جنَّبْنا أنفسنا معاناة تأنيب الضمير من سوء عاقبة كلماتنا.
ولا أبالغ حينما أقول إنَّ هناك كلمات قد كَسَرَتْ قلوبًا وكلمات قد قتلتْ أشخاصًا، لكن للأسف القاتل أو بمعنى آخر القائل لا يُحاسَب ولا يُعاقَب؛ لأنَّ سلاح جريمته كانت مجرد كلمة خرجتْ باتجاه شخص آخر، فأصابت قلبه في مقتل؛ لأنه لم يستطع أنْ يتحمل قسوة تلك الكلمات التي وُجهت إليه، فسقط قتيلًا مكسور الخاطر والقلب، قد انطفأت روحه ولم يعد يريد العيش أو لم يعد يتحمَّل مواصلة الحياة، فسقط قتيل الكلمة.
لماذا لا نحاول أنْ نخوض تجربة يومٍ خالٍ من الكلمات السيئة؟ إنَّ الأمر بسيط جدًا لو فكرنا فيه، فكما نتحمل أيامًا لا دهون فيها ولا سعرات زائدة بِحُجَّة إنقاص الوزن وصحة الجسم، فأعتقد أننا نستطيع أيضًا أنْ نتحمل أيامًا دون كلمات جارحة لأحد، أو مُهينة، بهدف صحة الروح وطمأنينة النفس.
فلنتبع “حِميَة الكلمات” أو لِنُطلق عليه “ريجيم الكلمات”، وذلك عن طريق تقليل الكلمات السيئة أو منعها. ولِنُكثر من الكلمات الطيبة، حتى نُقلل من عدد ضحايا الكلمات السيئة الذين يسقطون كل يوم دون أنْ يشعر بهم أحد، فقدرة الناس على تخطي جراح الكلمات تختلف من شخص لآخر، وهناك من لا يتمكن من تخطي كلمة قاسية وُجِهَت إليه، وخير دليل على ذلك قول الشاعر :
كل الجراحِ ستُنسى حين تلتئمُ
إلا الجراح التي يأتي بها الكلمُ
جرحُ اللسانِ شديدٌ في مرارته
يزداد سمًّا إذا ما خطَّه القلمُ
* كاتبة مصرية
التعليقات