صالح الحسيني *

التناغم بين جميع الناس يشكلُ نواةً أساسيّة لبناء المجتمعات وقيامها على بنيان متينٍ من التفاعل الذي يؤدي إلى التقدم والتطور العلمي والعملي والفكري والثقافي والاجتماعي، فلا بد من تفاعل أي مجموعة بشرية للتآلف مع المجموعات الأخرى حتى تستفيد منها و تفيدها في شتى المجالات، فينطوي تحت ذلك العنوان بأهمية التعرف على الثقافات الأخرى، فتكتسب الخبرات والمعلومات والأفكار اللازمة لتكوين صورة أفضل عن العالم والسير في مجالات تطوير استعمال أدواته ومكوّناته، وتقتضي التعايش مع الثقافات الأجنبية المغايرة لما نشأت عليه مجموعة معينة من البشر، وهو ما يسمى ب(المثاقفة)، لما في تلك التسمية من التعبير عن التأثر والتأثير.

يعد التفاعل الثقافي شكلًا من أشكال الحضارة وسببًا من أسباب تكوينها، ويعد المجتمع الثقافي الذي يستطيع الاستفادة من عيوب وأخطاء غيره هو أكثر المجتمعات وعيًا وأكثرهم قدرةً على النهضة والمسؤولية، فالمخزون الراكد لدى أي مجتمع لا يُعد كافيًا لاستمرارية التطوير العلمي والمعرفي.

وتعدّ اللغة هي العامل الأول للتواصل والرابط بين الحضارات؛ لأنها أداةُ الاتصال الفكري التي تمكن من انتقال ما يريد أي مجتمع أن يُفيدهُ من المجتمعات الأخرى.
تتبنى بعض الجامعات في هذا الزمن شكلًا من أشكال التفاعل الثقافي من خلال إقامة مِنح التبادل الثقافي بين الطلبة الجامعيين في بلدين مختلفين، ما يؤدي إلى أداءات مختلفة لمجموعة من الطلبة في كل من البلدين، وهذا ما يساعد في الامتزاج الثقافي والتعرف على مكامن قدرات هؤلاء الطلبة وما يمكن أن يقدموه للبلاد التي ينتسبون إلى جامعاتها، فيحملون تلك المعلومات ونتاج البيئة التي تعرفوا عليها إلى بلدهم الأم، فتزيد القدرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعلمية لكل من البلد المرسل والمستقبِل.

ومن حيث أهمية التفاعل الثقافي بين الشعوب: لقد حثّ الدين الإسلامي على تفاعل الناس فيما بينهم لإعلاء شأن التعاون، قال الله تعالى في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚإِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} سورة الحجرات – الآية ١٣.
فدَور التنوع الثقافي في تقارب المجتمعات يتخذ شكلًا أساسيًّا من أشكال تكوينها، لأن الإنسان الذي يعيش وحيدًا عبر العصور لا يمكن أن يطوّر وسائل معيشته أو يفتح آفاقه الفكرية دون الاستعانة بالآخر، إذ تتمّ عملية التلاقح الفكرية والثقافية الأمر الذي يؤدي إلى الإنتاج المبتكر، والتغيير المستمر لشكل الحياة وطريقتها نحو الطريقة الأفضل والأكثر إعانة، حيث تسهم اختلافات الثقافات بين المجتمعات بتقديم طرق متعددة لإقامتها بأفضل صورة، ولا بدّ أن يكون ذلك التفاعل منظمًا ومضبوطًا بضوابط أساسية، وحين يأخذ المجتمع بالتفاعل الإيجابي من خلال المثاقفة يستطيع استثمار تلك المتغيّرات في حياته العملية وفق أهداف علمية أو عملية.

*كاتب وناقد من السعودية