77
0
الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
12019
0
10933
0
10388
0
9269
5
7847
0

سعد الساعدي *
في زمن أصبح فيه الخبز مقياسًا للوجود، وصارت الحاجة إلى الطعام رمزًا للحياة، ننسى أحيانًا أن هناك جوعًا آخر، أعمق وأكثر ألمًا، جوعًا لا يُشبع برغيف ساخن، ولا تُطفئه مائدة عامرة.. إنه الجوع الثقافي، ذلك الفراغ الذي يلتهم الروح، ويجعل الإنسان كائنًا بلا ظل، بلا لون، بلا صوت.
الجوع الثقافي ليس مجرد نقص في الكتب أو الفنون أو المعرفة، بل هو انفصال عن الذات، عن الجذور، عن الحكايات التي تشكل هويتنا.. إنه الشعور بالغربة في وطنك، حين تجد نفسك غير قادر على فهم ماضيك، أو تفسير حاضرك، أو تخيل مستقبلك..هو الجوع الذي يجعل العين تنظر ولا ترى، والأذن تسمع ولا تدرك، والقلب ينبض ولا يشعر.
في عالم يتسارع نحو التكنولوجيا، حيث أصبحت الشاشات نوافذنا إلى العالم، نجد أنفسنا غارقين في بحر من المعلومات، لكننا نعاني من عطش روحي لا يُروى.. المعلومات تتدفق كالنهر، لكنها تفتقر إلى العمق، إلى الجوهر، إلى الروح.. لقد أصبحنا نستهلك الثقافة كما نستهلك الوجبات السريعة؛ بسرعة، بلا تذوق، بلا هضم.. وها نحن الآن، نعاني من سوء تغذية ثقافية تهدد وجودنا الإنساني.
يجعل الجوع الثقافي من الإنسان كائنًا بلا ذاكرة، بلا هوية، بلا حلم. إنه يجعلنا نعيش في حاضر دائم، منفصلين عن ماضينا، غير قادرين على بناء مستقبلنا..ويجعلنا ننسى أننا جزء من سلسلة طويلة من الحكايات، من التجارب، من الأحلام.. يجعلنا ننسى أن الثقافة ليست ترفًا، بل ضرورة وجودية، مثل الهواء الذي نتنفسه، والماء الذي نشربه.
لكن كيف نُشبع هذا الجوع؟ كيف نعيد للروح ظلها، وللحياة لونها؟
الإجابة بسيطة ومعقدة في الوقت نفسه: بالعودة إلى الجذور، إلى الحكايات، إلى الفنون، إلى الكتب، بالعودة إلى أنفسنا.. الثقافة ليست مجرد كتب تُقرأ، أو لوحات تُعرض، أو أغانٍ تُسمع.. الثقافة هي ذلك الحوار الخفي بين الماضي والحاضر، بين الذات والآخر، بين الواقع والحلم. .هي الجسر الذي يربط بين ما كنا عليه، وما نريد أن نكون.
لنكن صادقين مع أنفسنا؛ الجوع الثقافي أخطر من الجوع الجسدي؛ لأنه يجعلنا نفقد إنسانيتنا.. وهو جوع لا يُشبع بالخبز وحده، بل بالمعرفة، بالفن، وبالحكايات.. جوع يحتاج إلى إعادة اكتشاف ذواتنا، إلى التعلم من ماضينا، إلى الحلم بمستقبلنا.
في النهاية، الجوع الثقافي هو نداء من الروح، يذكرنا بأننا أكثر من أجساد تحتاج إلى الطعام.. نحن كائنات تحتاج إلى المعنى، إلى الجمال، إلى الحلم.. فلنُشبع هذا الجوع، قبل أن يلتهمنا الفراغ.
* كاتب عراقي
التعليقات