مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

   نجلاء سلامة * قد يتعرض الإنسان خلال حياته لهمومٍ يضيقُ بها صدره وتنطفئُ بها ر …

ضاقت بما رحُبَت

منذ شهر واحد

575

0

   نجلاء سلامة *

قد يتعرض الإنسان خلال حياته لهمومٍ يضيقُ بها صدره وتنطفئُ بها روحه، لكن هل الحزن قد يصل بالإنسان لمرحلةٍ يرى فيها كل شيء مظلمًا؟ وهل من الممكن أنْ تضيق الأرض بكل رحابتها في نظر الإنسان؟ وهل وجود شخص ما يستمع لذلك الحزن قد يُخفف بعض الشيء من ذلك الثقل؟

في بعض الأحيان قد يصل الإنسان إلى لحظةٍ ما من الضيق، يشعر فيها أنَّه يعيش وحده على الأرض وأنَّ الأرض التي يعيشُ عليها تضيق جنباتها عليه، حتى يشعر كأنَّها قد أحكمت عليه الإغلاق ولم يعد يستطيع أنْ يواصل حتى الأنفاس التي تدخل وتخرج منه، فإذا وصل  إلى مرحلة بائسةٍ ويائسةٍ من الألم النفسي، وشعر أنَّ الأرض بكل فضائها ورحابتها قد ضاقت عليه، فليعلم أنَّه في مفترق طرق في حياته، فإمَّا أنْ يهزمه الحزن واليأس وإمَّا أنْ يستجمع قواه وينتصر على ذلك الحزن.

إنَّ الحياة مليئة بالاختبارات التي تواجه الإنسان، وعليه أنْ يجتازها جميعًا، ويحاول أنْ يتغلب فيها على المصاعب والمغريات والابتلاءات، وغير ذلك من صنوف الاختبارات التي يتعرض لها خلال حياته، وفي هذه الحالة تظهر معادن الناس وشخصياتهم وقوتهم من ضعفهم، لذا على الإنسان دومًا أنْ يُذكِّر نفسه أنَّه لا يعيش في الجنَّة وأنَّه كل يوم قد يتعرض لشيءٍ ما، كفقد عزيزٍ عليه أو نقصٍ في ماله أو تغير ما في حياته، وليهيء نفسه لحوادث الدنيا.

إنَّ تهيئة النفس ليست أمرًا سهلًا يمكن التحكم به، ففي بعض الأحيان نمر باختبارات نظن أنَّها أكبر من طاقتنا، خاصَّةً إذا كان الأمر يتعلق بشيء عزيز علينا، لكن لو فكرنا قليلًا، لوجدنا أنَّه ما دام اختبارًا فلن يكون في شيءٍ سهل الابتعاد عنه أو الاستغناء عنه، لكنَّه بالتأكيد سيكون في ما هو عزيز وغالي، وإلا لما كان هناك داعٍ لهذا الاختبار أساسًا، لذا فإنَّ تلك النفس التي أحبت واشتاقت وتعلَّقتْ، قد حان الوقت لتعليمها وتهيئتها وتدريبها على عدم المبالغة أو المغالاة في التعامل مع كل ما يُحيط بها، سواء من أشخاص أو من أشياء، فمثلًا عليها أنْ تُحب هونًا ما، وتتعلَّق بالأشياء تعلق استمتاع مؤقت لا دائم، ولا بد منْ وجود لحظات تأمل وتفكُّر تتخلل تصرفاتنا؛ لتكون بمثابة الميزان الذي يضبط تلك التصرفات والبوصلة التي تُحدد الاتجاه لها.

 أنْ يتواجد في حياتك شخص يتفهمك ويستمع إليك وترتاح عند الحديث إليه، حتى وإنْ لم يكن لديه الحل لحزنك، فهذا أحد الأشياء التي من الممكن اعتبارها نعمة، أنعم الله عليك بها، فاحمده عليها، لكن تلك النعمة قد توجد بحياتك أو لا، فإذا حدث وتواجد ذلك الشخص، فمن الممكن أن تطمئن وتهدأ إذا واجهتك مشكلة ما أو أمر ما وتحدثت إليه، ومن الممكن أن تحزن كثيرًا إذا لم تجده أو إذا لم يجد سبيلًا للتخفيف عنك، وفي هذه الحالة تجد نفسك تنظر للحياة من ثقب إبرة، هنا تنتقل لمرحلة اللجوء الحقيقي.

فعندما تضيق الحياة تمامًا، ولم تعد ترى فرجًا وأملًا بين الناس، فاعلم أنك على بعد خطوات بسيطة من الحقيقة، وابدأ بالبحث بقلبك عن الملجأ من هذا الضيق، فقد حان الوقت لأنْ تتعرف على ملاذك الحقيقي ومأواك وسندك الذي لا ولن يتخلى عنك أبدًا، وهو أمنك وأمانك الذي تشعر به عند اللجوء إليه، لذا توقف عن البحث في الاتجاهات الخاطئة ووجه وجهتك إلى الله سبحانه وتعالى، ولا تلجأ إلى السند والمأوى غير المناسب، ولْتَعلم أنَّه لا ملجأ لك إلا إليه عز وجل، وكما يقول الإمام الشافعي:

يا صاحب الهمِّ إنَّ الهمَّ منفرجٌ   أبشر بخير فإنَّ الفارج اللهُ

اليأس يقطع أحيانًا بصاحبه     لا تيأسنَّ فإنَّ الكافي الله

والله ما لك غير الله من أحدٍ     فحسبُكَ الله في كلٍ لك الله

*كاتبة مصرية. 

الكلمات المفتاحية

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود