77
0
الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
12019
0
10934
0
10388
0
9269
5
7847
0

أبو بكر بن مخاشن *
الحب كالريح العاتية، يأتي بلا استئذان، يقلب موازين الروح رأسًا على عقب، يخطفك من عالمك المُعلَّب بقوانين الزواج والطلاق والعزوبية، ويُلقيك في بحرٍ من الأسئلة المُحيِّرة: أهو جنونٌ أم قدر؟ أهو خيانةٌ أم بحثٌ عن حياةٍ ثانية؟
إنه ذلك الكائن الغامض الذي لا يُفرِّق بين مُتزوِّجٍ يبحث عن دفءٍ فقده، ومُطلَّقةٍ تئنُّ من جراح الماضي، وعازبٍ يحلم بلمسةٍ تُحييه. الحب يُشبه طفلًا عابثًا يلعب بكرة النار في حقل قش، لا يُبالي بما يحرقه خلفه، ولا يهمه سوى لهيب اللحظة التي يمتلئ بها القلب حتى الحافة.
تتساءل المجتمعات: كيف يُمكن للحب أن يطغى على عهد الزواج، ذلك الميثاق المقدس؟ لكن القلب له حكاياته التي لا تُترجم بلغة العقل.. كالطائر المحبوس في قفصٍ ذهبي، قد يهرب ذات يومٍ بحثًا عن سماءٍ أرحب، حتى لو كلفه الأمر جرح أجنحته.. هنا، تتحول “الخيانة” في قاموس العُرف إلى “بحث عن النجاة” في قاموس الروح.
إنها معادلةٌ صعبة؛ زوجٌ لم يعد يسمع همسات زوجته، أو زوجةٌ تشعر أنها تعيش مع شبحٍ بدلًا من رجل.. هنا، يُصبح الحب كالنبتة التي تشقُّ الإسفلت بصلابةٍ، تنمو رغم القيود، تبحث عن شمسٍ لم تجدها في تربتها الأصلية. قد يُطلق المجتمع عليهم “خائنين”، لكن قلوبهم تُردد: “لم نختَر أن نحب، بل وُجِدنا أنفسنا فجأةً في قلب العاصفة”.
الزواج ليس مجرد عقدٍ على ورق، إنه وعدٌ بالاستمرار حتى تحت الأنقاض.. لكن ماذا لو تحولت الحياة الزوجية إلى روتينٍ بلا أرواح؟ ماذا لو صار الفراش المشترك غرفةَ انتظارٍ بلا أحاديث؟ هنا، يبدأ القلب بالتمرد كفرسٍ جامحٍ، يرفض أن يموت تحت سوط العادة.
الحب الجديد في هذه الحالة ليس مجرد لهو، بل صرخة وجود: “أنا ما زلتُ حيًا، أستطيع أن أُحب، أن أشتعل، أن أتنفس!”. قد يكون المُتزوِّج هنا كمن يغوص في بحرٍ لإنقاذ نفسه من حرائق الصحراء، مُستعدًا لدفع الثمن؛ تفكيك أسرة، نظرات احتقار، أو حتى خسارة الذاكرة الاجتماعية.. لكن هل يُحاسَب المرء على اتباع قلبه عندما يصير القلبُ مُعلِّمَه الوحيد؟
في النهاية، الحب الذي يتسلل بين جدران الزواج ليس مجرد قصة عاطفية، بل هو مرآة تُظهر صدوعًا خفية؛ ربما إهمالٌ تراكم كالغبار، أو حاجةٌ عاطفية جُوعت لسنوات، أو بُعدٌ روحي تحوَّل إلى هوة.. هنا، يُصبح “الخائن” في عين المجتمع، “ضحية” في عين نفسه، و”بطلًا” في عين من أحب.
لكن هل يكفي الحب لتبرير كسر القلوب؟ هل تُجازف بدمار عائلةٍ لأجل شرارة عينين؟ الأسئلة تطفو كسُحبٍ سوداء، والإجابات تختلف كألوان البحر.. فالحب قوةٌ عمياء، لكن الإنسان ليس عبدًا لها.. عليه أن يختار.. إما أن يُصلح ما انكسر في عالمه القديم، أو يتحمل ثمن بناء عالمه الجديد، مع علمه أن كل اختيارٍ سيُخلِّدُه إما كـ “خائن” أو كـ “شجاع” في كتب الآخرين.
في النهاية، يبقى الحب لغزًا أعظم من أن تُحكمه الأخلاقيات البسيطة.. هو كالنهر الجارف، قد يروي أرضًا قاحلة، أو يغرق قريةً بأكملها.. الفرق بين “الخيانة” و”التحرر” قد يكون مجرد منظور.. لكن تذكَّر: قبل أن تتبع القلب، اسأله: هل أنت مستعدٌ لأن تحمل جراح الآخرين في جعبتك؟ فالحب الحقيقي لا يبني سعادته على أنقاض أحدٍ آخر، بل يبحث عن طريقٍ لا تُدَمِّر فيه الأزهارُ حين تزهر.
*كاتب يمني.
التعليقات