23
051
079
080
0240
3الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11935
07056
06861
06337
05728
5إعداد _ هيا العتيبي
شهدت معارض الكتاب في السعودية والخليج خلال العامين الأخيرين انتشاراً كبيراً وغزارة في الإنتاج الأدبي والفكري من معظم “المؤلفين الجدد” القادمين إلى ساحة التأليف ؛ مما انعكس سلباً على جودة المنتج في اتجاهات الجودة والإجادة، وباعتبار أن كثرة الإنتاج الفكري ليست هي المرغوبة بل نوعيتها وتفردها هو ما يجذب القراء، ويُسهم في خلق صور ثقافية جديدة وابداعية طاغية ترفع من المجتمع ثقافياً، وتساعد في بناء شخصيته المتفردة، وفي ظل تهافت التأليف على حساب المنتج فرقد سبرت أغوار القضية من خلال المحاور التالية:
– إلى من تتجه أصابع الاتهام في رداءة الإنتاج وما هي نتائج هذا التسرع غير المحسوب؟
– ما المسؤولية الواقعة على عاتق دور النشر لنصل بالمنتج الثقافي إلى المستوى اللائق به من الجودة ؟
– كيف نثقف المؤلفين الجدد بأهمية التركيز على جودة المنتج والارتكان إلى الأُسس المهنية في التأليف ؟
أصابع الاتهام تتجه للمؤلف
يبدأ حوارنا الشاعر محمد عابس المستشار في وزارة الإعلام بقوله:
بالتأكيد تتجه أصابع الاتهام بالدرجة الأولى للكاتب أو المؤلف الذي يستعجل الطباعة ويستسهل الكتابة ولا يستفيد من الخبرات السابقة، وبعضهم يرفض النقد بمختلف أشكاله، وقد يعتبرك بعضهم عثرة في طريق نجاحه أو محارباً له، إلى جانب المطبلين لمحدودي الموهبة في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة لأهداف ومصالح خاصة لا علاقة لها بالإبداع ولا بالنقد الموضوعي. ثم يأتي بعد ذلك دور النشر التي يحرص كثير منها على الكسب المادي فقط. وثالثاً يأتي دور التعليم بمختلف مراحله لاكتشاف ودعم وتنمية المواهب. ولا أنسى محدودية دور النقد التطبيقي عندنا، واهتمام معظم النقاد بمشروعاتهم النقدية الأكاديمية ونقد النقد والنقد الثقافي.
هناك متابعة محدودة لما تصدره دور النشر من إبداعات مختلفة، فلا نرى إلا أخباراً بسيطة حول صدور هذا الكتاب أو ذاك، واختفت الدراسات والاستعراضات والمتابعات النقدية، كما اختفت البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تتناول الإبداعات وتستعرضها نقدياً سواءً أكانت مطبوعة أو لم تطبع بعد. والنتائج سلبية على المؤلف وعلى مستوى النشر وكفاءة وجودة المنتج شعراً كان أم قصة أم رواية .. إلخ، إلى جانب التأثير على القراء والناشئة والشباب بتقديم نماذج سيئة يتأثرون بها، ويتوقعون أنها النماذج الجيدة فيقلدونها ما يزيد سوء الإنتاج ويشوه ذائقتهم الفردية والذائقة الجماعية.
وعن مسؤولية دور النشر في الارتقاء بالمنتج يقول الأستاذ محمد: المسؤولية كبيرة، لأن صناعة النشر ليس هدفها الكسب المادي فقط، فهناك مكاسب أخرى تحققها دور النشر عندما يفوز كتاب ما بجائزة محلية أو عربية أو دولية، أو بحصول الكتاب على دراسات وقراءات نقدية مختلفة، وحضور المعارض الدولية للكتاب، إلى جانب الواجبات والمسؤولية الثقافية والاجتماعية باحترام القراء والارتقاء بالذائقة ودعم الابداع الحقيقي وتوسيع دوائر القراءة
وحول طرق تثقيف المؤلفين الجدد للارتكان إلى أسس الجودة يقول:
هنا يتقاطع دور وسائل الإعلام القديمة والحديثة مع التعليم ومؤسسات الثقافة الرسمية والخاصة، من خلال الطرح الصحفي مقروءاً ومسموعاً ومرئياً، وعبر ورش التدريب المختلفة والجلسات النقدية حول أشكال الكتابة الإبداعية واستضافة كبار المبدعين لطرح تجاربهم وخبراتهم، ولعل التطبيقات الحديثة أتاحت كثيراً من الفرص لإقامة مثل تلك الفعاليات عن بُعد وبتكاليف محدودة جداً.
من جهة أخرى لابد على الكاتب في السنوات الأولى من تجربته الكتابية أن يستمع لآراء المختصين، ويطور أدواته ذاتياً أو من خلال القراءات وحضور الفعاليات واستشارة المختصين وعرض الإنتاج عليهم، فليس عيباً أو تقليلاً من قيمة الكاتب حينما يقوم بذلك بقناعة ورغبة في الاستفادة وتحسين أدوات الكتاب وبالدرجة الأولى جودة اللغة والأسلوب.
وأخيراً إذا لم يقتنع الكاتب أو المؤلف ذاتيًا بأهمية ما أشرتُ إليه فلن يتطور ولن تتحسن كتابته، وبالتالي لن يُشكل أي إضافة لنفسه أو للمشهد الثقافي..
المنتِج والمتملقين أساؤوا للجودة
ويرى الكاتب والناقد محمود صوالحة من الأردن أن أصابع الاتهام تتجه للمنتِج نفسه الذي استعجل الوصول معتمداً مديح مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المتملقين، دون أن يغذي موهبته، وأن يثقف نفسه. كل همه أن يحصل على صفة كاتب، ومن ثم هناك تداخل الأجناس الأدبية وكثير من الكتاب الشباب، لا يميز بين قصيدة النثر والخاطرة. والنتيجة هي الضياع والتيه.
مسؤولية دور النشر قليلة لأنها تجارية بالدرجة الأولى يهمها الربح وتسويق ذاتها وخصوصاً في ظل تراجع الكتاب أو تراجع الإقبال على الكتاب، أما مسؤوليتها فهي تقع ضمن اختيار الأصل السيء الموجود بكثرة، أما المسؤولية الحقيقية فتقع على الدائرة المختصة بإجازة المنتج وإيداعه والموافقة على النشر، وهنا يمكن للكاتب أن يرسل كتابه أو منتجه لدار نشر أو أن يطبعه هو بنفسه لذلك كان من مسؤولية تلك الدائرة التابعة بالأصل لوزارة الثقافة وكيف سمحت بالنش .
وعلى المؤلف أن يثقف نفسه في البداية، وأن يعي ما يكتب أو ينتج، وأن لا يخجل من عرض منتجه على مختصين يثق بهم، ويستمع لإرشاداتهم وتوجيههم.
التقنية جعلت الإنتاج كالسيل الجارف
ومن طرفه يعلق الروائي محمد فتحي المقداد من سوريا على محاور القضية بقوله:
بدايةً فإنَّ أيَّ مُنتج ثقافي هو بناء على فكرة، تغلغلت في ذهن كاتب، واستبدَّت به بسيطرتها واستحواذها عليه؛ لتجعله في حالة مخاض عسير حتَّى ولادتها، وخروجها للعلن، لتصبح تحت مجهر القراءة، وبذلك تكون المادَّة الثقافيَّة الابنة الشرعيَّة المُمثِّلة بشكل حقيقيٍّ لصاحبها، وهي التعبير الصّادق عن دواخله؛ فجودتها أو رَدَاءتها بشكلها النِّهائي، تتبع لقدرات كاتبها العالية أو المتدنية، وغِنى قاموسه اللُّغويِّ، ومدى فهمه العميق لتخصُّصه الذي يخوض غمار الكتابة فيه.
ومع الانتشار الواسع لمستخدمي الشَّبكة العالميَّة للأنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعيَّة، وسهولة استخدامها، جعلت من المواد المنشورة كالسيْل الجارف، منها الغثُّ والسَّمين، وفي ظلِّ غياب الرَقابة الحكوميَّة والخاصَّة، أتاحت لأي شخص حريَّة النشر بما يروق له، وبما يراه مناسبًا لمقاصده الحياتيَّة، وفي العودة إلى المُنتج الورقي على شكل كتب من خلال دور النشر، التي تلعب دور الوسيط بين المؤلف والمطبعة، تأخذ هامش ربح يدفعه المؤلف، وهي تضطلع بالبيع التسويق بكافَّة أشكاله الورقيَّة والإلكترونيَّة، إلى هنا الأمور تبدو معقولة جدًّا، إلى أن تقع الصَّدمة للقارئ بحجم الأخطاء اللغوية والنحوية، والهبوط الفكري والقِيَمي للكتاب، هنا تأتي مسؤوليَّة النّاشر المُفترضَة من أجل الحفاظ على المستوى الذي يليق بدار نشر تحترم نفسها، بدل اللُّهاث والانحدار فقط من أجل العائد الربحيِّ والفوائد الماديَّة، والمشكلة الأعظم في الجيل الجديد من الكُتَّاب الذين يستعجلون الوصول للشهرة، دون تثقيف أنفسهم بالقراءة، وتشكيل مخزونهم اللغوي والفكري، فتأتي الكثير من الكتابات مليئة بالأخطاء النحويَّة واللغويَّة، والمحتوى الفارغ المتحور حول العواطف الملتهبة، وبذلك ستكون مخرجاتها تدميرا ذاتيًّا على مستوى الأفراد والجماعات. بغير القراءة والقراءة ثمَّ بالقراءة، لا يمكن أن تكون المخرجات الثقافية مُثقلة بموادها الدسمة ذات المحتوى الجيد والمفيد.
استسهال النشر قدم لنا إصدارات ممسوخة
ويُرجع الأديب عبدالعزيز الصقعبي هذا التكاثر غير الصحي للإنتاج الأدبي إلى عدة أسباب يذكرها في قوله: موضوع كبير يحتوي على عدة محاور ألخصها بالتأليف وحداثته والنشر والتوزيع، مع سهولة قنوات النشر أصبح كل من يكتب يستطيع أن يكون مؤلفاً، مجرد تجميع كلمات قد تكون حكايات أو خواطر أو ما يشبه المقالات يجمعها ويقدمها لدار نشر لتصبح كتاباً وليصبح مؤلفاً ( وأنا هنا أتحدث عن الرجل والمرأة)، هذا الاستسهال بالنشر قدم لنا إصدارات ممسوخة للأسف قد يرى البعض أنها تنتمي للشعر أو القصة أو الرواية، ولكنها مجرد محاولات لا تصل لمستوى الإبداع الأدبي.
نعود لأسئلة القضية أصابع الاتهام تتجه أولاً إلى الكاتب أو الكاتبة بتسرعهم بالنشر دون صقل الموهبة إذا وجدوا اكتساب مزيد من المعرفة، من خلال القراءة والاطلاع ومعرفة التجارب السابقة، والصراحة مع النفس وهذا هو المهم بسؤالها ” هل الرغبة للكتابة أو الشهرة أو التقليد أو اتباع موجة التأليف” عند الإجابة بصدق عن هذا السؤال سيتراجع كثير من يرغب التأليف عن مشروعهم، لأن هنالك قنوات للشهرة غير التأليف.
وأصابع الاتهام أيضاً تتجه للمشهد الثقافي الذي لا يوجد به حركة نقدية توضح الجيد من الرديء ليضيع الجيد بين ذلك الرديء الذي غالباً أعلى صوتاً وأكثر حضوراً، وأصابع الاتهام أيضاً لدور النشر وبالذات المحلية ومن ضمنها المؤسسات الحكومية الثقافية مثل الأندية الأدبية، فمن المفترض أن يرتفع سقف الجودة ويكون هنالك تحكيم لما يُعد للنشر.
ونرى من نتائج تسرع النشر ذلك الكم الكبير من الإصدارات الرديئة، وتلك الصدمة لدى الكاتب أو الكاتبة لوصول بعض الأحكام السلبية لنتاجهم أو –وهذا ما يحدث غالباً– إهماله فكأنه لم ينشر، وبالطبع تلك الكتب تكون عبئاً على كل دارس للحركة الأدبية في المملكة.
أنا من حسن حظي من جيل الثمانينات الميلادية حيث كان هنالك وضع صحي للأدب وكانت القصة والقصيدة لها حضورها الجيد، كانت هنالك مجموعة من الملحقات الثقافية التي ننشر بها إبداعنا، وكان يواكب ذلك نقداً ومتابعة من نقاد بعيداً عن المجاملة، وكانت هنالك بعض المجلات الثقافية، التي تنشر الإبداع والدراسات، لذا أرى أن المتابعة النقدية هي الأهم للتقويم، فلو كنت ناقداً لأخبرت عددًا كبيراً ممن أصدروا مجموعات قصصية بأن ما أصدروه ليس بقصة أو مجرد محاولة، وللأسف ما أكثر هؤلاء كتاباً وكاتبات (وأطلق هذه الكلمة مجازاً).
أعتقد أن كل من يرغب أن يلبس رداء التأليف عليه أن يحيك وشاحاً من القراءة، وكلما كان الوشاح متقناً ويأخذ زمناً ليس بالقصير سيناسبه الرداء، لذا أقول مباشرة لمن يضع خطواته الأولى للتأليف أولاً اقرأ، حتى تلم بالفن الذي تميل إليه: قصة، رواية، شعر، مسرح، مع تفاوت التثقيف بها، وبعد ذلك عرض ذلك الإنتاج للمخلصين والمهتمين لطرح رأيهم، ثم لتبدأ خطوات النشر، وبالطبع قضية النشر والتوزيع قضية شائكة يطول الحديث عنها.
غياب النقد أوقعنا في دائرة الرديء
ويشيد الأديب سامر المعاني من الأردن بمسيرة الإنتاج في الماضي بقوله: أولاً بين انتشار دور النشر ومواقع التواصل الاجتماعي زادت جراءة الشباب على اقتحام دنيا النشر في الماضي كان الكتاب يمر بمراحل طويلة واستشارات نقدية أدبية ويشعر الكاتب بمسؤولية كبيرة حول طباعة كتاب والذي في الغالب سيتعرض لنقد عادل في الأوساط النقدية والذي يجعل إصدارات الشباب تأخذ فرصاً أقل في المنابر والصحف والمجلات المحكمة والمنقحة، ومنهم من كان يحتفظ بها بأدراج المكتبات الخاصة حيث يعتبر مغامرة أدبية هذا إذا سلمنا أن الأدباء الآخرين اعترفوا به كاتباً.
اليوم مع انتشار النصوص المنشورة دون ضابط للنشر، ففي لحظات تكتب ما يخطر ببالك ثم تصدره ليقرأه المئات بل الآلاف دون تدقيق أو تمحيص، وفي ذات الوقت يلقى تهليلاً عبارات مثل: أبدعت.. ، رائع.. ، وهي عبارات تصلح للمجاملة أكثر منها نقداً حقيقياً أو وصفًا لنص أدبي أدى إلى خلق حالة من النشوة والثقة المزيفة بقدرة المبتدئ هذا من جانب، وهنالك جانب آخر ألا وهو غياب دور النقد الحقيقي الذي يستطيع أن يؤشر على المنتج الغث والسمين، مما يجعل المنتج الذي لا أب نقدي له يتصدر المكتبات وتقام له حفلات توقيع، فنقع في دائرة المنتج الرديء والكاتب الذي يدعي أنه أديب لا يشق له غبار، وعلى الصعيد الآخر لفترة طويلة احتكر المشهد الأدبي أسماء بعينها واقتحام المشهد من بعض اليافعين قد يكون الطريق الصحيح لخلق أدباء حقيقين إذا تم تبني المواهب نقدياً وأدبياً لتتمكن المواهب أن تكتمل تجربتها من خلال نقد المنتج وتوجيه الكاتب وتقدير منتجه، وبالتالي يجب أن يكون هناك. حاضنات يقوم عليها عدد من الأدباء الحقيقين والنقاد وأهل اللغة لتكون نواة لإطلاق المواهب، تعطي أساسيات الكتابة وتتعاهد المواهب بالرعاية ولا ننسى دور المنتديات الثقافية والدوريات الورقية والإلكترونية التي تساهم بدور كبير في نشر المواهب الأبرز في المشهد، أما دور النشر فأنا أرى عمل لجنة مختصة بالأنواع الأدبية يحول لها المخطوط وإبداء الرأي حيث سيساهم انتقاء المخطوطات للطباعة في غربلة المنتج، والتأكيد على منتج ذا قيمة أدبية، والابتعاد عن الربح المادي السريع والذي يعود على المشهد الأدبي بشكل سيء، وأشجع أن تلتفت المنتديات لإبراز المواهب والطاقات الإبداعية لصقلها وتنميتها لتكون ناضجة وذات رسالة هادفة.
على دور النشر ألا تصدر للمشهد إلا الإبداع
ومن جانبه أجاب القاص والمسرحي يحيى العلكمي قائلًا: يمكن النظر إلى موضوع المؤلفين الجدد بين كثرة الإنتاج وضعف الانتشار على أنها قضية جودة في المقام الأول، فالمتلقي اليوم يستطيع وعبر أدوات مهنية معرفة المنجز الإبداعي عما سواه، خاصة والقنوات المعرفية متعددة الأشكال والمضمونات، ناهيك عن أن مسألة اقتناء رواية أو حتى مجرد البحث عنها أصبح عملاً نوعياً وربما نادراً.
كثرة الإنتاج وزيادة تراكمه لا تعني بالضرورة حضوره المختلف، فكثير مما تزخر به رفوف دور النشر قد لا يمت إلى العمل الفنّي وفق أسسه بصلة، وهنا تكمن المسؤولية على عاتق دور النشر التي ينبغي أن تكون مرشّحاً وفارزاً لهذه الأعمال، بحيث لا تصدّر إلى المشهد إلا المحتويات الإبداعية الرافدة، ولعل ما استحدث مؤخراً -وأعني الوكيل الأدبي- يفي بهذا الأمر خاصة وهو يمثل الأدباء والمؤلفين ويشهر إصداراتهم عبر التنسيق بينه وبين دور النشر، ما يجعلنا نطمئن قليلاً إلى توخي الجودة الفنية، وتحقيق الحدّ الأدنى من معايير الفن المقصود قبل نشره على عواهنه.
منع النشر أو تقييده مرفوض إبداعياً
ويشاركنا من الأردن القاص والناقد موسى إبراهيم أبو رياش بقوله:
يجب أن نعترف في البداية أن نشر كتاب ورقي حلم كل الشباب الذين على صلة بالكتاب، وكل قارئ هو مشروع كاتب، وهذا حق مشروع يفترض أن يجد الدعم والمساندة والتشجيع، ولكن ضمن قنوات من الحكمة والتأني وعدم الاستعجال، وضرورة أن ينضج الكتاب على نار هادئة، الكم الكبير من الإنتاج لا يتوقف على الكتب، بل هو سمة العصر في جميع مجالات الإنتاج، وهناك سعار في الإنتاج والبحث عن أسواق جديدة وتسويق المنتجات تحت عناوين وشعارات براقة ومخادعة في كثير من الأحيان، وكل ذلك من أجل تحصيل أكبر قدر ممكن من الأرباح؛ لأن الجودة والمتانة ليست في مصلحة رأس المال، وإلا لتوقف الإنتاج بعد وقت، أو شحت المبيعات على الأقل، ومن يعد إلى صناعات منتصف القرن الماضي ويقارنها بصناعات اليوم في المصنع ذاته، سيجد الفرق هائلاً من حيث الجودة والمتانة، والتسرع في نشر الكتب ليس حصرًا على الشباب، بل تورط فيه عدد من الكتاب الكبار، حيث أن بعضهم ينشر كتاباً أو اثنين وربما ثلاثة في العام الواحد، وبعضهم يبرمج نفسه لإصدار كتاب كل سنة كأنه آلة، ولذا يخرج إنتاجهم بلا روح مع أنه مكتمل الشروط الفنية للعمل الإبداعي، من الطبيعي أن الكم الكبير من الكتب المنشورة يرافقه كم كبير من الرداءة، ولن تجد فيها إلا قلة من الدرر، وهذه ظاهرة عالمية وليست عربية فقط،. وعدم اطلاعنا المباشر لما ينشر في الدول الأجنبية يورطنا في اتهام أنفسنا، مع أنه لا يوجد متهمين معينين، بل الكل ضحايا، فمن ينشر كتابا رديئا فهو في الحقيقة ضحية، ولا جدوى من البحث عن متهمين محددين، فالكل متهم في الآن نفسه، والكل يعني الكل على إطلاقها، كما أن الكم الكبير من الإصدارات في الحقول الإبداعية يصاحبه محدودية التسويق والقراءة والمتابعة النقدية، وهذا يؤدي إلى تراكم الكتب على الرفوف، وبالتالي إهمالها ونسيانها، وتحولها إلى أرقام لا وزن لها، الخطورة في نشر الكتب الإبداعية ضعيفة المستوى أنها تصبح عبئاً على صاحبها، ونقطة محرجة إن لم تكن سوداء في تاريخه الإبداعي، وقد تكون سبباً في إحباطه وتوقف مسيرته الإبداعية خاصة إذا قوبلت بنقد قاسٍ أو لم تجد أي صدى عند القراء أو لم تجد من يقرؤها ابتداءً من غير الحلقة الضيقة المحيطة به. مبدأ منع النشر أو تقييده مرفوض إبداعياً، وهو نوع من الوصاية والتنمر غير المقبول مهما كانت المبررات، فنحن نعيش في سوق كبيرة، ومن يملك الثمن يستطيع أن ينشر ما يشاء، والمنصات مفتوحة على مصراعيها ورقياً وإلكترونياً، ولكن يبقى الرهان على الكاتب نفسه ودور النشر. أما الكاتب فعليه أن يجعل الأولوية للجودة والنوعية وليس للشهرة والاسم اللامع على الغلاف. ومن الحكمة أن يستعين بمن يثق به من المبدعين المعروفين ومن القراء النوعيين الذين يقدمون النصيحة والرأي دون مجاملة. وعليه أن يُدرك أن الكتاب الأول هو تذكرة دخوله أو طرده من ميدان الإبداع. أما دور النشر التي تحترم نفسها وتحافظ على سمعتها ومكانتها، فعليها أن لا تنشر إلا الجيد القابل للبقاء، ولا تتهاون في معايير الجودة والإبداع مهما كان المبلغ المقدم مغرياً، وعليها أن تخلص في النصح للكاتب، وأن تستعين بالمدققين اللغويين والمحررين الأدبيين للرفع من مستوى منشوراتها الإبداعية. إن الرفع من مهارة الكاتب الشاب وسوية ما يكتب يتطلب أن تقوم الهيئات الثقافية بدورها في متابعة هؤلاء الكتاب وعقد الورش في الكتابة الإبداعية، وربطهم بالكتاب المحترفين، والإعداد لملتقيات في موائد مستديرة لربط الجيل الجديد بالأجيال الأسبق منه، وتبادل الأفكار، والحديث عن المشكلات والعقبات وكيفية مواجهتها، والإجابة عن تساؤلات الشباب بصراحة وشفافية، دون وصاية أو أستذة أو أبوة إبداعية متسلطة، كما أن أهم العوامل للرفع من سوية الكتاب هي القراءة والقراءة والقراءة، فلا شيء أفضل من القراءة، فمن خلالها تزداد ثقافة الكاتب، وتتوسع رؤيته، وتثري لغته، ويحلّق خياله، كما أنها تمنحه رصيدًا كبيرًا من الأفكار والأساليب، والقراءة هي الزاد والوقود الذي لا غنى عنه لأي كاتب مهما كان محترفاً أو مكرساً.
التعليقات