مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

أحمد فلمبان  اعترت “الواقعية” لأزمة “الوضعية” في فلسفة ا …

الواقعية.. أو الرومانسية

منذ أسبوعين

61

0

أحمد فلمبان 

اعترت “الواقعية” لأزمة “الوضعية” في فلسفة الفن، وانتقل الأدب رأسًا من الواقعية إلى الرومانسية، على يد الأدباء والفلاسفة من دعاة التجديد، التي تميل إلى التعبير عن العواطف والأحاسيس والتصرفات التلقائية الحرة، في حين أن التصوير مر في “المدرسة التأثيرية”  قبل أن يصل إلى “الرومانسية”، وكلنا يعلم الآن الدور المهم الذي لعبته “المدرسة التأثيرية” والانقلاب الذي أحدثته من حيث شكل التعبير، والتي تعتمد على العاطفة والخيال والإلهام أكثر من المنطق، وهذا ليس فقط في حقل التصوير، بل أيضًا في حقلي الشعر والموسيقى، ومع ذلك لا يزال النقاش يدور لمعرفة ما إذا كان التأثيريون يمثلون الفوج الأخير للمدرسة “الواقعية” أو طليعة المدرسة “الرومانسية”، وقبلهم كان “جوستاف كوريه” ينزع إلى تمثيل الواقع الخارجي بصورة وهمية، وكان يلجأ إلى جميع الأساليب المعهودة كي يحرض الناظر، ويُدخِل في ذهنه الفكرة التي يريدها، لذا كان الجمهور يُعجب به، وبالعكس جاء التأثيرين، فاستعملوا النور بشكل يُعبر عن الطبيعة من خلال زاوية واحدة، لذا اتهمهم الجمهور بتشويه الواقع، لكنهم لم يُبالوا بالتهمة وتابعوا طريقهم مقتنعين بأن قيمة اختيارهم الفذ، تكمن ليس في انتفاء الموضوع، بل في انتفاء الشكل واللون، وهذا ما أعلنوه منذ عام 1877م، لذلك، لم تعش طويلًا، على الرغم من أنها مذهب مرئي محدود الأهداف، فقد أشاعت موجة من التحرر في الفن.

وقد بدأت أزمة الواقعية بين عام 1870 وعام 1885م بظهور المدرسة “التأثيرية” وهذا ما يدل عليه استنتاجات المفكر والناقد “أرنست ماخ” الذي رفض “ميتافيزقية” الفلسفة الوضعية، واعتبر أن المعرفة هي الإحساس، ومهما يكون من أمر، فإن “الرومانسيون” أكملوا عمل “التأثيريين”، ومنذ عام 1885م نرى “مونيه” ينظر إلى الواقع من خلال النور الذي اختاره كرمز للكون، لأن الثورة “التأثيرية” كانت تُلبي حاجة عميقة في العصر الذي ظهرت فيه، مثلها مثل كل ثورة، مع أنها ترتكز على عقيدة أو نظرية معينة، بل على حدس خاص في طريقة التعبير، لكن أتباعها لم يلبثوا أن شعروا بضرورة الاستناد إلى مذهب واضح، لذلك أنعزل “سيزان” عن أصدقائه وراح يفكر في وضع أسس ذلك المذهب، وقرر أن يمتنع عن عرض لوحاته، حتى يهتدي إلى نظرية تبرر أسلوبه التصويري، وكان يريد أن يُدخل شعوره باللون والنور في نظام هندسي معين، وهذا ما يفسر اهتمام تلاميذه بالمكعبات والأشكال الهندسية المختلفة، أكثر من اهتمامهم بالنور وانعكاساته المتنوعة في مخيلة الفنان، وراح “سورات” يفتش عن مبررات علمية للطريقة الـتأثيرية، فاستنبط بعض المفردات الفيزيائية النفسية لتفسير استعماله للخطوط التي ترمز إلى نفسية معينة، أما “جوجان” و”فان جوخ”.. فإنهما ابتعدا عمدًا عن الواقع، ليفتشا في داخلهما عما لم يعثرا عليه في الخارج، وفي الوقت نفسه كانا يدعيان حق اختيار الألوان بشكل اعتباطي للوصول إلى درجة أقوى في التعبير، على ألا تطغى على الموضوع، لكن الرومانسية ترى خلاف ذلك، إذ يعد العمل الفني إحساس الفنان الذاتي وطريقته الخاصة في نقل مشاعره للآخرين باختيار موضوعات غريبة غير مألوفة في الفن، مثل المناظر الشرقية، كذلك اشتهرت في المدرسة الرومانسية المناظر الطبيعية المؤثرة المليئة بالأحاسيس والعواطف، ما أدى إلى اكتشاف قدرة جديدة لحركات الفرشاة المندمجة في الألوان النابضة بالحياة، وإثارة العواطف القومية والوطنية وتصوير المشاهد الدرامية، بينما الواقعية، تصور الأشياء القائمة في الوجود خارج الإنسان، وأن يلتزم في هذا التصوير الموضوعية التي تنكمش أمامها الصفة الذاتية، وأن يستخدم في هذا التصوير أسلوبًا واضحًا دقيق الصياغة، وأن يختار مواضيعه من واقع الحياة اليومية، فينفذ بذلك إلى حياة الجماهير، ليعالج مشكلاتهم وإيجاد الحلول الإيجابية، ويجعل من عمله الفني وسيلة اتصال بالجماهير، ذلك برسم أشكال الواقع كما هي، وتسليط الأضواء على جوانب مهمة كما يريد الفنان إيصالها للجمهور بأسلوب يسجل الواقع بدقائقه دون غموض أو نفور، فالمدرسة الواقعية ركزت على الاتجاه الموضوعي، وجعلت المنطق الموضوعي أكثر أهمية من الذات، إذ يعد العمل الفني إحساس الفنان الذاتي وطريقته الخاصة في نقل مشاعره للآخرين، لكن يجب ألا تطغى على الموضوع، وأن المدرسة الواقعية هي مدرسة الشعب، أي عامة الناس بمستوياتهم جميعًا، ويختلف عنهم الرومانسيون، من حيث التعبير عن العواطف والأحاسيس والتصرفات التلقائية الحرة، بقناعتهم أن الحقيقة والجمال في العقل وليس في العين، وأن تصوير الواقع نفسه من خلال الرؤية الذاتية النابعة، كالمناظر الطبيعية المؤثرة، والتصرفات التلقائية، وإثارة العواطف القومية والوطنية والمبالغة في تصوير المشاهد الدرامية وصراع الإنسان مع الطبيعة، ولم يهتموا بالحياة المألوفة اليومية، بل سعوا إلى ما وراء عوالم بعيدة من الماضي، ووجهت أضواءها إلى ما وراء أسرار الشرق، حيث الخيال والسحر والغموض، وتأثرهم بأساطير ألف ليلة وليلة.

الواقعية.. أو الرومانسية 

(أُجَزِّمُ أن الشغوفين والأعمدة الراسخة في الفن، ورموز الصياغة الجمالية والهوية البصرية لا يدركون من هذه المجموعة الأسلوب الرومانسي من الواقعي!).

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود