48
047
047
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11847
05073
04982
04806
04482
0احمد فلمبان*
إن التذوق الفني، في الحقيقة هو ملَائَمة بين الفرد وبين خارجه، وعلى هذا الأساس فإن هذه العلاقة تختلف باختلاف الأفراد والفئات الاجتماعية، إذ إن هناك عوامل عدة تؤثر فيها: منها درجة ثقافة الفرد العامة، وثقافته الفنية ووجهة نظره وميوله الفكرية.
أما بالنسبة للفئات المتمكنة اقتصاديًا، فإن هناك صفة معينة تنعكس في أذواقها، وهي اتجاهها الثابت لاستهلاك بضائع أو خدمات ذات طابع خاص -غير مهم على وجه العموم- كالكماليات، والأعمال الفنية الاستثمارية، وهذا يرجع إلى رغبة تثبيت المكانة الاجتماعية باقتناء كل ما هو نفيس ونادر.
ومن هذه الزاوية بالذات يمكن تحديد شكل التذوق السائد لدى الفئات المقتدرة اقتصاديًا واجتماعيًا والتحول السريع والتطور الذي حدث في مجتمعنا، إذ اتجهت بعض الفئات المقتدرة إلى الأسواق الأوروبية سعيًا وراء مقتنيات من الكماليات، والأعمال الفنية التي أصبح استيرادها شيئًا مألوفًا.
ولهذا السبب بالذات، الذي ينعكس في جوهره من فقدان التقاليد الفنية، أي تقدم وارتقاء حقيقيين في مسـتوى تذوق هذه الفئات، بل مجرد تغيير في نوعية المنتجات التي أخذت تتكدس وتتجمع، كبرهان زائف لمكانة اجتماعية، أو اقتصادية عالية.
ولقد أصبح مظهرًا بارزًا من مظاهر التذوق الفني، شراء لوحات فنية “لرسام إيطالي” من الدرجة الخامسة وحتى العاشرة ومن (حراج المخلفات ودكاكين الأنتيكات في الشانزليزيه) بدلًا من شراء إنتاج فنان محلي، له قيمته وأثره الاقتصادي والتشجيعي، لأن الأولى وافدة رأسًا من مصدر الإلهام! والثانية ليس لها أهمية وميزة! وقد تكون بعد 50 سنة لها اعتبار، أو بعد وفاة الفنان، فالتأثير على الساحة الفنية من هذه الناحية إذن (سلبي) لأنه يحرض الفنان المحلي على إرضاء الجزء المؤثر القادر على الشراء، وماذا تريد هذه النخبة المتمكنة سواء للاقتناء أو إرضاء الذات أو المفاخرة! ومعرقل في الوقت ذاته، تحدده مطالب السوق المحلية، ويلعب في هذا المجال الجاليريات وشريطيو اللوحات وهوامير الفن، حيث يتحكمون في الأسعار والمقاسات، والمواضيع أيضا، لمصالحهم الذاتية لتصريف إنتاج الفنان المحلي، الذي يعاني في ظل هذه الظروف المتناقضة الفقر والعوذ، الذي أصبح العمل الفني سلعة كباقي السلع الأخرى قابل للزيادة والنقصان والمقايضة والمساومة، ومن هذا المنحى، المقتني يبحث عن الأرخص ولا يهمه الفن الأصيل! حيث يلهث أكثر الفنانين خلف السوق واستجداء الفئات القادرة على الشراء، وتحقيق هذا المطلب، وعلى مقولة (مين داري عنك يا اللي في الظلام تغمز)، حيث يجد الفنان نفسه في تناقض حاد بين الجزء المؤثر القادر على الشراء وبين التقاليد الفنية الموروثة لديه، وهنا يتم إسقاط المستوى والجودة والنوعية والتي تتخذ شكل آخر في تكييفها لشكل الإنتاج الفني المفبرك، وعلى قول المثل المكاوي (طب طب وليس يطلع كويس)، حيث تتشابه وتتكرر في الفكرة والتقنية والأسلوب وتتقارب في الاستلهامات والصيغ، وإلى من تذهب الجوائز، ومن يبيع أكثر، (مثلًا) فنان عمل موضوعًا عن الحصان، ولقي الرواج والبيع والفوز! بعده قلدوه العشرات من الفنانين ورسموا ذات “الحصان” علهم يحظون بما حظي زميلهم، وجزء من التورتة، هناك غيرة وحسد! (حتى رواد الفن وكبار الفنانين، انساقوا خلف هذه الحالة) في ظل فلتان الوضع التشكيلي، وغياب المعايير والطابع الرسمي المنظم، حيث أصبح مدرس النطنطة فنانًا، ومعلم الصبة والتليس ناقدًا للفن السعودي، وخبيرة التجميل فنانة وتمثل التشكيل السعودي خارج المملكة، (الله يستر) ناهيك فعاليات المسابقات التي أصبحت ميدانًا رحبًا للتزييف والاقتباس من الصور الفوتوغرافية والنت، وبدا أن الحالة التشكيلية تأخذ إلى متغيرات سلبية، بسبب اللهث السريع للولوج إلى الشهرة، فاتجهوا مع ما تذهب له الجوائز، أو من يبيع أكثر، والسبب في ذلك السوق -يبدو لي- اتجاهها إلى الصيغ التزيينية أو الأكثر ديكوراتية مع المجالس والصالونات، والمشاركات المقاولاتية والمناسباتية، ومع هذه الحمى والتسابق، الذي غابت معها الأعمال الجادة، هناك تنافس على تقديم معالجات تختلف في مقدار تجويدها، بحيث تذهب بعض الجوائز إلى الأسماء الجديدة التي لم تزل تتلمس خطواتها الأولى، ولم ترسم لوحة واحدة في حياتها، (مجرد تجربة ومشي حالك) إضافة الى المبالغة في التلميع والتطبيل، من بعض هواة رص الكلمات، (واحد كتب عن فنان أن لوحاته وصلت إلى المريخ) ما شاء الله نافسنا الأمريكان والروس بوصوله المريخ، وهم (مساكين يادوبهم وصلوا القمر) فهناك أيضًا أشبه بالموضة باندفاع البعض للمواضيع السهلة والمعروفة، أو إلى الأشكال الزخرفية والحروفيات خاصة الأسلوب التجريدي والرمزي (وهم بها جاهلون) للخروج من إشكالية ذوات الأرواح، وإيجاد حلول سريعة آنية تتفاوت درجات تنفيذها بين الرديء والهابط، كأننا نشجع على تشابه التجارب، بالتالي نسهم في تحييد التغيير أو الجرأة الفنية نحو ما هو مختلف، وهذا الأمر لا يخدم الفنان نفسه، بل يضعه في موقع المُستَهلَك يساهم في عرقلة تطور الفن التشكيلي السعودي على نحو إيجابي، والذي من خلاله يمكننا رؤية أعمال متميزة وتجارب جريئة وتقنيات وأساليب متنوعة وشخصيات فنية متجددة، تعبر عن حالة فنية أصيلة، لخلق تقاليد ثقافية ثابتة تعكس حقًا الأوضاع والمتطلبات الجديدة المتنامية للبناء والتطوير للوصول بالفن التشكيلي السعودي إلى مستوى الحراك التشكيلي بمفهومه الشامل.
التعليقات