الأكثر مشاهدة

سلوى الأنصاري*  في عالم الفن، حيث تتراقص الألوان على أنغام الإبداع، يولد أحيانًا …

الرعب والجمال بلغة الألوان

منذ أسبوعين

205

7

سلوى الأنصاري* 

في عالم الفن، حيث تتراقص الألوان على أنغام الإبداع، يولد أحيانًا كائن عجيب، مزيج بين الرعب والجمال، كأنه يهمس للمشاهد بسر خفي يثير في نفسه الفضول والخوف في آن معًا. 

فجمع بين نقيضين، كليل يتهامس فيه السكون مع عاصفة، تأسر القلوب وتغمر الأرواح بمشاعر لا توصف.

فنجد ذلك الكائن يسكن الكثير من اللوحات يرعب المشاهد وفي ذات الوقت يأسره بجماله، من بين تلك اللوحات على سبيل المثال: 

ابتسامة الغموض في لوحة “الموناليزا”

أمام “الموناليزا”، ذلك الوجه الذي يجمع بين النقاء والغموض، يتجمد الزمن وتتهادى النفس بين الجمال المطمئن والرعب الغامض. عيناها، تلك التي تطاردك بنظرات ثاقبة، كأنهما نافذتان إلى عالم لا يدرك، وابتسامتها، كأنها أيقونة لسر قديم، تضفي على اللوحة جمالًا مشوبًا بالخوف.

هل تخفي ابتسامتها ألمًا؟ أم أنها ابتسامة شخص يملك أسرار العالم؟

أما الصرخة الصامتة في لوحة “الصرخة”

تلك اللوحة التي تجعل الجمال يصرخ والرعب يتنفس. فينطلق الضجيج في رأسك دون أن ينبس العمل ببنت شفة. خلفية غارقة في الألوان الدافئة، كأنها شمس غروب تغرق العالم في بحر من اللهب، لكنها تسحبك تدريجيًا إلى عالم داخلي مليء بالفزع، حيث الوجه المشوه يجسد خوفًا طاغيًا من مجهول يقترب.

البحر والمصير في لوحة “غرق سفينة ميدوزا”

في لوحة “غرق سفينة ميدوزا”، يمتزج الرعب بالجمال المأساوي. وسط بحر هائج وأفق يكاد يلتهمه الظلام، يظهر طوق النجاة كرمز للصراع من أجل البقاء، محاطًا بأجساد منهكة بين الحياة والموت. السماء الملبدة بالغيوم والماء العاصف يعكسان الحزن واليأس، بينما الأجساد تتمايل كأمل يصارع المجهول.

اللوحة تجسد مأساة إنسانية مرعبة، جمعت في تفاصيلها جمالًا مهيبًا  تتداخل فيها قسوة الطبيعة مع إصرار الإنسان على البقاء.

أما لوحة “موت مارا” ففي قلب الرعب يسكن الجمال

نجد الفنان جاك لوي دافيد، يجسد الرعب بأبهى صورة من الجمال المأساوي. تلك اللحظة التي تُجمّد الزمن وتُخلّد الموت كأنه مشهد شعري مروع. مارا، الرجل الثوري الذي اغتيل في حوض استحمامه، يظهر بجسد مسجى كتمثال رخامي، بينما الدم ينساب بخجل على بشرته كأنه يتمتم بحمرة الأقدار.

في وسط هذا المشهد القاتم، يظهر مارا كأنه ملاك نائم، ووجهه الهادئ يناقض وحشية موته. رسائله وأوراقه المتناثرة حوله تضفي على المشهد صبغة إنسانية عميقة، كأن اللوحة تهمس: “هذا هو الثائر الذي قُتل من أجل أفكاره، لكن أفكاره لم تمت”.

الضوء في اللوحة هو السحر الذي يجمع بين الرعب والجمال. الإضاءة المركزة على جسد مارا تجعله يبدو كطفل نائم، بينما الخلفية المعتمة تغلف المشهد بهالة من الغموض والرهبة. الخنجر الذي يظهر على الأرض يذكر بالمأساة، لكنه في الوقت نفسه، يمنح اللوحة بعدًا دراميًا يجعل المتلقي يشعر بثقل تلك اللحظة ورهبتها.

هذه اللوحات تبرهن على أن الرعب والجمال ليسا عدوين، بل هما وجهان يمكن أن يجتمعا في أعماق النفس البشرية، اللوحات هنا  بنورها وظلها، بمأساتها وجمالها، بغموضها ورعبها تحاكي أحداثًا تدفع المتلقي إلى الغوص في أعماق الفكرة، حيث يدرك المتلقي أن الحياة، بكل تناقضاتها، يمكن للفنان تجسيدها في عمل فني واحد.

التعليقات

  1. يقول نبيهه:

    رائعة المعلومات
    🌹🌹

  2. يقول جميلة القطناني:

    أحسنت النشر والكتابة وانا معك دائما هناك وجهان للخير والشر للرعب والجمال

  3. يقول فوز:

    الجمال والرعب ليسا عدوين رؤية رائعه وشرح اروع

  4. يقول أبو يارا:

    يقتل المفكر ولكن أفكاره لا تموت ….
    جميل جداً هذا السرد أستاذة سلوى

  5. يقول عبير الشامان:

    سلمت الانامل

  6. يقول مها حلواني:

    مقالة رائعة وجدا مفيدة حعلتني اتعمق في مخيلة الفنان وتفصيل الوحه والعمق الذي تعنيه 👍احسنتي السرد

  7. يقول هند السعوي:

    مازلتِ تتحفيننا بكل جميل
    رسمة وقصة قصيرة لم نفق بعد فآثر جمال روحك تتحفيننا بهذه المعلومات واللوحات الغنية
    قمة الروعة كروعتك أيتها الأنيقة أ. سلوى 💝

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود