96
0306
0613
0246
093
014
050
050
01076
24الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
12007
010464
09990
08896
57501
0
العنود سعيد*
رأيتها تجلس في المقهى خلف الفندق الذي سكنتُ فيه بمجرد وصولي إلى هذه البلدة. كانت تجلس وحيدة ويدها تمسك ساعة بيضاء قديمة تنظر إليها بين الحين والآخر.
استقرت عيناها على الطاولة التى أجلس عليها، لم تكن نظراتها عابرة كم كنت أظن… هرولت نحوي تلك الفتاة التي يبدو عليها آثار الإجهاد، جذبت من على كتفي شالًا أبيض مطرزًا عليه ثلاثة أحرفٍ (س – م – ر) وعلى الرغم من دهشة الجميع باستثناء نفسي، لم تبالي بمن حولها. صرخت بذهول: أيها الرجل، أجبني من فضلك. كيف حصلت على هذا الشال؟ هل هو ملك لك؟ هل تعرف صاحبه؟ إنه لشاب لطيف اسمه وليد، نعم. اسمه وليد! أليس كذلك؟
عشرات الأسئلة تتزاحم في رأسها، نظراتٌ مثقلة بالأسى تكاد تخطف عينيها الحائرتين.
تثاقلت قدماه على الوقوف أمام هذا البركان الهائج من الانتظار والألم، صمتٌ لا يود البوح من شفتيه المرتجفتين.
اهدئي أرجوكِ سيدتي، اجلسي. خذي نفسًا عميقًا، برهة من الصمت… منذ أشهر أقطن في هذا المكان، أراقب سيدة ذات عينين جميلتين، وخصلات شعر فاتنة، ترتدي ساعة بيضاء تنظر إليها بشوق وحنين، كأنها على موعدٍ للقاء حبيب ألفته روحها بينما يبدو الوقت قد أبطأ…
تقاطعه دموعها التي انسكبت على خديها. أخبرني أرجوك، وليد بخير؟ يصمت برهة من الوقت.. كان كثير الحديث عنك، لا ينفك لسانه عن اسمك لحظة واحدة، لكِ أن تتخيلي، حتى وهو نائم ينادي اسمك مبتسمًا… أحيانًا كثيرة تنهال علي الظنون أن جسده هذا كان مسكونٌ روحًا شريرة اسمها سمر، حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم الذي تلطخ جسده بالدماء وغاصت روحه بالفراق، تنهيدة طويلة…
في صباح ذلك اليوم الغادر أطلق العدو رصاصات نيرانه على جسد وليد المتهالك منذ البداية بنيران الشوق للقاء يعيد له روحه التى تركها تهيم في مكان بعيدٍ عنه، فقلبه الذي امتلأ شوقًا وحنينًا لامرأة كانت تعني له الانتماء والوطن، امرأة استثنائية كما وصفكِ. التقط أنفاسه الأخيرة كمن يحاول خلق روح جديدة في حياة أزفت على الفراق، أمسك بيدي بقوة. اسمعني جيدًا، يا خالد لم يعد هناك متسعٌ من الوقت. أيها الصديق الطيب، بقي عندي أمانة يجب عليك إعادتها لصاحبتها بنفسك. ستجدها جالسة هناك كل يوم، في ركن منعزل من زاوية المقهى، بيدها ساعة بيضاء قديمة، سبق وأن أهديتها لها وأعتقد أنها ما زالت تحتفظ بها. وقد بادلتني بهدية أجمل، في آخر موعد لقاء كان بيننا، انظر إلى هذا الشال الأبيض، انظر ما أجمل اسمها عليه. يضمه لصدره، يحاول جاهدًا التقاط أنفاسه بصعوبة.. أرجوك اطلب منها السماح لأنني لم أستطع أن أفي بوعدي لها؟ عاهدني أيها الصديق الوفي على البقاء بجانبها لأنك أنت الرجل الوحيد الذي يستطيع حمايتها، يكفكف دموعه… لقد أغمض عينيه وهو يردد اسمكِ، ما زالت سمر في لحظات ذهول وصمت قاتل… يا إلهي لقد كان صديقًا حميمًا لا يمكن أن أنساه، كان رجلًا شجاعًا حتى آخر لحظة يذود عن وطنه بكل جزء من جسده، ذلك الوطن الذي ترك فيه روحه الطاهرة وقطعة ثمينة من ذكرياته، بيدَين مرتجفتين، أمسكت بالشال، ضمته لصدرها.. شكرًا لك أيها الصديق الطيب، كثيرًا ما كان يراودني شعور أن وليد ليس بخير، كانت روحه تحلق بالقرب مني، أنا أيضًا يا خالد أود البقاء بجانبه، لن أتركه وحيدًا، روحي هي الأخرى تود اللحاق به. توشحت ذلك الشال بخطوات متثاقلة، رفعت بصرها للسماء، ابتسمت، ثم فاضت روحها الطيبة إلى لقاء حبيبها هناك في مكان تتلاقى فيه الأرواح تتوق للانطلاق، للتحليق، بعيدًا عن ويلات وشتات هذا العالم.
*كاتبة من الـسعودية
@anoo3344
التعليقات