مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

سمير عبد العزيز القوصي* وقفت أمام شقتها مباشرة وطرقت بابها ثلاث طرقات خفيفة ومتت …

الزيارة الأخيرة

منذ سنتين

138

0

سمير عبد العزيز القوصي*

وقفت أمام شقتها مباشرة وطرقت بابها ثلاث طرقات خفيفة ومتتالية، مضت برهة من الوقت ولم تفتح الباب، كررت الطرق وكان صوته على الباب واضحًا.. ولم أتلق ردًا أيضًا .. ضغط على زر جرس الباب وأصدر صوتًا، انتظرت أن تفتح الباب ولكن دون جدوى .. تساءلت في عقلي: ربما تكون خرجت لتبتاع شيئًا؟ أو تزاور إحدى جارتها؟

عندما هممت بالرحيل سمعت صوتًا يأتى من الداخل يقول في وهن شديد: يا من تطرق الباب … الباب مفتوحًا .. إدفعه .. فأنا غير قادرة على الحركة .. دفعت الباب ودلفت بداخل الشقة .. كانت الإضاءة خافتة .. 

رأيتها راقدة على أرضية الصالة على جانبها الأيمن وتحتها مرتبه قديمة ومتدثرة ببطانية متهالكة .. كانت الصالة خالية من قطع الأثاث تقريبًا .. على الوسادة وضعت هاتفها المحمول وبجوارها زجاجة مياه وهرتين … كانت قد شرعت في تربية الهررة بعد أن اعتراها اليأس من عدم الإنجاب فوجدت في تربيتها لها من يؤنس وحدتها، ولاسيما بعد أن طلقها زوجها منذ ثلاثة عقود وتركها تتجرع الآم الوحدة وشظف العيش.

بدت شاحبة وهزيلة .. تبددت ملامحها وبدت عجوز مسنة غزت التجاعيد وجهها.. ما أن رأتني حتى انخرطت في البكاء وقالت وهي تبكيأخيرًا تذكرتنى … فأنا لم أرك منذ أن رحلت والدتك من عشر سنوات إلا مرة أو مرتين وكنت دائمًا في عجلة من أمرك .. هانت عليك العشرة والجيرة؟ هالني منظرها وتغرغرت عيني وقلت لها والكلام تحشرج في حلقي: منذ متى وأنت على هذه الحالة … قالت وهي تبكي: منذ فترة ليست بالقصيرة .. قدماي متورمتان وأشعر وكأن موقدًا في باطنيهما لا ينطفئ أبدًا واستطردت وهي لا تزال تبكي: كل ما أرجوه أن أعود كسابق عهدي وانهض من رقدتي واستطيع أن أتحرك.

على كرسي كان موجودًا في الصالة مسحت ما علق به من أتربة وجلست عليه وقلت لها: هل ذهب بك أحد من الجيران إلى المشفى أو إلى الطبيب؟ هل عرفت شقيقتك التي تقيم بالإسكندرية عن حالتك؟ اجابتني وهي تمسح بيدها دموعها: جارتى أم فاطمة لا تتركني وتقوم على رعايتي … فأنت تعرفها، التي تقيم بالطابق الثالث .. أخذتني إلى المشفى وهناك فحصوني وأجروا لي التحاليل وأعطوني العلاج ومن وقتها وأنا أتناوله دون فائدة وسيدة تقصد شقيقتهارحلت منذ عامين أو أكثر.

تنهدت ونهضت من على الكرسي واطرقت رأسي في حزن، تذكرت شقيقتها عندما كانت تزاورها وتذكرت جاراتها عندما كن يجتمعن كل ليلة في شقتها يتسامرن

إننى أتذكر تلك اللحظات فهي لا تزال منقوشة في ذاكرتي ومخيلتيودعتها والدموع تنهمر من عيني وغادرت المكان وأنا لا أكاد أرى أمامي.

*كاتب من مصر

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود