90
0155
0305
1812
1167
2الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11753
04693
04291
173913
03353
0هيام جابر*
قرارًا وجاهيًا غير قابل للطعن بطريقة النقض (صدر ولن يعلن).
بعد تخبط أفكاره، وضع همام الشاب الوسيم .. نقطة على السطر. مزمعًا عدم العودة لقطعته العسكرية التي يخدم مجندا بها.
كان قد سمع والده القاضي يقول هذه العبارة كثيرا، عندما يصدر حكمًا نهائيًا على احد المتهمين. إلا أنه حرّف العبارة الأخيرة .. لظنه إنه يمكن أن يخفي ما قرره، ليتمادى بتمرده ومشاكسته، التي ميزته في عائلته،
مقارنته بأخيه الأصغر عزام المطيع، كانت تزيده نفورا وغضبا وتماديا.
أما والده الذي لا يخفى عنه استهتار ابنه، سرعان ما علم ، وبنفاذ صبر بذل ما بوسعه..
لثنيه عن مغامرة خطيرة، ليس ملمًا بكل ابعادها. لكن كلها ذهبت أدراج الرياح.
أخر محاولة هرع على إثرها همام إلى صورة أخيه عزام التي تزين صدر البيت. منذ ثلاث سنوات. خلعها بعصبية، و وضعها بوجه أبيه، الذي طالما لام نفسه على منحه الدلال الكثير حتى أفسده.
قال مرتجفا:
هل تريد أن ألحق به؟
هل ترسلني للموت؟
بصوت خفيض وحزن دفين أجابه والده:
لكل ميتة سبب، والأعمار مقسومة ومكتوبة.
أما الشهداء فهم أحياء عند ربهم .. لا يموتون.
خرج همام مهزوزا، غاضبا من البيت
حينها قرر القاضي المشهود له بحسن سيرته ترك ابنه وشأنه عسى الحياة تلقنه ما لم يستطعه هو.
الأب الذي فجع باستشهاد عزام
يتذكر الرجل الذي كان كثيرا ما نسي أنه أمام ابنه.. لقد شعر دائما بصداقته.
بكى بمرارة فراقه يوم وصول جثمانه ملفوفا بعلم بلاده … انحنى مقبلًا
حذاءه المحترق .. و وجهه الأبيض الجميل احتقن لكأن نيرانا تضطرم به .. وحين حاول النهوض غاب الأخضر من عينيه ليصبح غباشًا أسودًا .. ولتخر القامة الشامخة فاقدة الوعي .. رغم كل الجلد الذي عهد به.
“ليتك يا همام تسد الفراغ الذي تركه“
همام الذي خرج لا يلوي على شيء .. الكل يعرف وجهته ..
يسرح بعيدًا حيث الغابة المحيطة بالقرية من الجهة الجنوبية. يمضي ساعات طوال مع شلة من أصحابه .. يلهون ويتسامرون حتى ساعات متأخرة من الليل.
كانت ليلة ليلاء. ظلامها له أنياب لم يستطع ضوء القمر سترها حين تناهى لمسمعه ذات ضياع .. أصوات غريبة ومريبة من كل جهات القرية.
دب به رعب لم يشعره سابقًا … خاصة عندما سمع استغاثات أطفال ونساء ورجال..
ثم رأى أشباحاَ، لم يتبينها في الظلام إلا حين وصل لاهثاَ قرب بيتهم.
لم يسأل كثيرا ماذا جرى.
كل المؤشرات دلت أن الإرهابيين المتحصنين في خرائب متناثرة بالقرب، نفذوا تهديدهم، ويحاولون تجاوز حدود القرية والدخول إليها لتدمير كل شيء يدل على الحياة.
أخذ بندقية، وانضم لصفوف رجال القرية الذين هبوا للدفاع عن أنفسهم.
معركة حامية الوطيس، ردت شرذمة الإرهاب مندحرة على أعقابها في غضون ساعات.
همام الذي تتبعهم بعيدا بقلب أسد .. لم يعد يدري أين وصل، وفي أي جهة أصبح!
عندما صمت صوت الرصاص … أدرك أن المعركة انتهت.
حاول العودة، اتجه صوب نور خافت تحمله رياح نشطة، فلا خيار أمامه إلا الذهاب حيث مصدره وإلا ستأكله الوحوش في هذه البرية وهذه الحروش . .
عندما وصل مبتغاه أدرك حجم الخطر الذي وقع به.. حيث خرج إليه رجلا بلحية طويلة .. وزي غريب ولهجة مختلفة.
حوار مقتضب دار بينهما…
سأله الرجل..
من أنت وماذا تريد؟
أجابه همام ..
راعيًا ..
تأخر بي وقت الرجوع وضللت الطريق.
قال الغريب:
أدخل ريثما يستيقظ خليفة المسلمين ليبت بأمرك .. دافعا إياه بوحشية
لمكان أتضح فيما بعد أنه زريبة سابقة.
هناك رأى أربعة أشخاص محتجزين. انبأه مظهرهم .. رغم العتمة عن تعذيب وحشي طالهم.
صوت إغلاق الباب الصدئ بعد دخول همام اجفلهم وبنفس الوقت سمع همهمات بينهم. فهم أن قلوبهم تترقب هذا الباب.
قال أحدهم:
لم يغلق الباب كالعادة بالسلاسل
قال آخر:
سمعت طقطقة خفيفة.
قال ثالث:
أغلب الظن ربطه بسيخ رفيع.
الصوت الرابع لم يسمعه همام … الذي قبع مترقبًا لكل ما يصدر عنهم بقلب واجف.
أدرك أنهم يخططون للفرار.
عندها تشجع وعادت إليه أنفاسه المتقطعة وتهيا لمساعدتهم.
بإرادة لا تلين خرّ لهم المستحيل .. وراحوا يعدون وهواء جديد يلفح أنفاسهم العطشى للحرية.
وكأنما كان بينهم إتفاق غير مقصود إلا يبتعدون عن بعضهم أثناء الفرار ليستمدوا القوة بوجودهم معا.
ركضوا كثيرا تحت جنح الظلام و وابل من الرصاص وراءهم.
أخيرا صفق لهم زرعًا سنابله ملأى قصدوه، وارتموا سريعًا بين أحضانه متقطعي الأنفاس.
وما أن سلم الليل رأيته للنهار، وأعلنت أول زقزقة طير أنه وقت انبعاث النور .. نهضوا يبحثون عن وجهة آمنة.
على مرمى أنظارهم وهم يبتعدون عن الزرع، ارتفع جبل شاهق، وأغلب الظن أنّ العلم المرفرف أعلاه، علم الوطن، الذي دفع الكثيرون دمهم من أجل أن يبقى خفافا.
قصدوه والأمل يكبر في نفوسهم كلما اقتربوا، فكل شيء يشير أنهم بوجهتهم الصحيحة.
لم ينته الخطر بعد سيكون هناك حراس وسوف يقومون بواجبهم عندما يرون خمسة غرباء قادمون في هذا الفجر!
بسفح الجبل رأوا معدات حربية، تنتصب على أهبة الاستعداد لأي هجوم معاد.
راح صوت أجش ينادي
بأعلى صوته:
أصدقاء ..
نحن أصدقاااء
جنود .. هربنا من الأسر ..
النجددددددة.
النجدددة!! ؟
ردد همام متلعثما … متفحصا وجه المتكلم ذو اللحية الطويلة المتسخة والزي العسكري، الذي مزقته ثلاثة سنوات أسر، والذي لم يتبنه في زريبة يغلفها الظلام.
قبل إعطائهم شارة الأمان ليصعدوا الجبل..
اقترب مذهولا من ملامح يراها وهمًا بصورة معلقة على جدران بيتهم .. وبين ملامح يراها واقعا هنا.
ما أن أصبح بمواجهة أخيه… جحظت عينا عزام قائلا:
هماااا…
وقبل أن يكمل ارتمى بين أحضان همام مغشيا عليه.
*كاتبة من سوريا
التعليقات