الأكثر مشاهدة

د. يوسف حسن العارف* (في رثاء الزميل الصديق أحمد عايل فقيهي) فاتحة: صباح تدثر بال …

إشراقة الوجه وابتسامة الرضى.. في رثاء أحمد عايل فقيهي

منذ 4 أيام

256

0

د. يوسف حسن العارف*

(في رثاء الزميل الصديق أحمد عايل فقيهي)

فاتحة:

صباح تدثر بالحزن..

      وامتاز بالدمع السخيِّ..

            وبالموت إذ يفجؤنا…

                  ويأخذ من أيامنا..

                   لذة الوقت الثمين!

صباح تلبَّد بالحزن المعتق…

        وامتد فينــــــا:

         فضاء من الوجع المستكين.

جدة صباح الثلاثاء

16/2/1446هـ

*      *      *

(1) أحمد عايل فقيهي أخ وصديق، رفيق درب ومثقف جميل، يأسرك بحديثه الشائق في كل مناحي الثقافة الفكرية والأدبية والإبداعية، له علاقات كبيرة مع رموز الثقافة في عالمنا العربي الممتد من الماء إلى الماء!

جاءني خبر الوفاة من صديق الجميع الشاعر الأستاذ إبراهيم صعابي صباح الثلاثاء 16/2/1446هـ. تأكدت من الخبر المحزن والفاجع من ابنه وليد عبر اتصال هاتفي مبكر من هذا الصباح، لكنه كان في ظرف صعب جدًا، ففقد الأب والأخ والمعلم والقدوة يترك الحليم حيرانا! جاوبني بصوت متهدج تغلبه الدمعة، والحزن، والألم يعتصر الفؤاد، فلا تكاد تسمع إلا الوجيب!

لم أتمالك نفسي فرحت في نوبة بكاء وأنا أردد: إنا لله وإنا إليه راجعون، لا حول ولا قوة إلا بالله، وأوصي الابن وليد بالإكثار من قولها فهذا وقتها وقت نزول المصائب. كان (وليد) رجل الموقف، تمالك نفسه واعتذر عن مواصلة الحديث، لكني عرفت منه مكان الصلاة عليه ووقت الدفن في عصر هذا اليوم.

*      *      *

(2) ساعات عصيبة عاشتها مشاعري، مشاعر الألم والفقد، فرحت أردد مع المتوفي/ أحمد عائل فقيهي، مقطعًا من قصيدته الأخيرة المنشورة في ديوانه: بكائية على صدر الزمان/ الصادر عام 1443هـ/2023م:

“لو كنت أعرف أنني سأموت

         قبل ميعاد موتي

كنت زينت الحياة بلون صبري

وأسدلت الستار على ما تبقى من حياتي”

لأن (الموت) هو سيد الموقف، وسيد المشيئة.. ونحن خاضعون يرين علينا السكوت والرضا والقبول.

(الموت) كان حاضرًا في حياة أحمد عايل فقيهي منذ سنوات مضت، يوم توعك وعكته الكبرى، ودخل في عذابات المرض، ودهاليز المشافي، وأدوية الصيدليات، لكنه كان يناهض هذا (المارد) الجبار، ويناهض كل آلات الإحباط والرتابة والسكون.

كنت تجده في المحافل الأدبية ومعارض الكتب، والأمسيات الثقافية. لم يستسلم للآهات أو يقف عاجزًا مكتوف اليد، كان صديقًا للحياة!

ومنذ تقاعده عن العمل الصحفي رجع إلى إرثه الإبداعي ونتاجه الصحفي والثقافي والفكري، وأخرج مجموعة من الدواوين الشعرية، والكتب النثرية فكرية وصحافية، كأنه يقول سأستدرك ما فات! وكذلك فعل. لكن المؤكد أن في الأرشيف الذي هو الآن في عهدة أم الوليد، وأبنائها وبناتها البارين بأبيهم وإرثه الإبداعي والفكري، ما يمكنهم من مواصلة المشوار فينشرون ما كان منه معدًّا للطبع والنشر، واستكمال ما بقي من شذرات ومقالات وقصائد لم تنشر للتفكير في نشرها، إرضاءً لوالدهم (يرحمه الله) وكشفًا لمسيرته الثقافية والشعرية التي تغافل وتشاغل عنها في حياته العملية والوظيفية.

*      *      *

(3) قبل شهرين من نهاية العام المنصرم 1445هـ، كتبت مقالًا تأمليًّا في مسيرة أحمد عائل فقيهي بعنوان: (ومضات وتعليقات على مدونة الحب والصداقة والإخاء/ في رحاب أحمد عائل فقيهي) ونشرتها في صحيفة مكة الإلكترونية يوم 12/1/2024هـ وكذلك في صحيفة غراس الإلكترونية بتاريخ 6 يونيو 2024هـ، ومما جاء فيها:

“لو عرف أنه سيموت قبل موعده/ لزين الحياة بلون صبره. هذا العمر/ المداد/ الشعر، مناهض لفعل الموت ودافع له عنه”.

“هنا يتباهى أحمد عائل فقيهي بكينونته، ويتنامى بحركيته الداعية للصبر والمناهضة للسكون والاستسلام”.

“أحمد عائل يكتب (النثر) كما يكتب (القصيدة)، الشعر يملأ إحساسه ونبضه وكل حبره وتفكيره”.

“افتقدت حرفك يا أبا الوليد، لكن مجدك  الشعري حاضر في مكتبتي منذ “صباح القرى” وحتى “بكائية على صدر الزمان”.

واليوم أقول: “نم هانئًا أيها الشاعر المبدع والمثقف العميق، هذا الموت الذي انتظرته، لقد جاءك وجاءنا على حين بغتة:

وجاءك السيد الموت/

“جاء يلقط من صدرك الأغنيات..

      ومن كفك بعض أصابعها..

         ومن قلبك الأوجه الطيبة”.

(كما قال، ذات رثائية باذخة الشاعر والناقد الدكتور سعيد السريحي).

*      *      *

(4) كان أحمد عائل فقيهي أخًا وزميلًا دائم التواصل والمهاتفة، كان يشعرني أنه شعلة من النشاط والمتابعة الثقافية. يبشرني دائمًا بخطوات النجاح والإنجاز في الحقل التأليفي ونشر قصائده ونصوصه الشعرية، يأخذ رأيي وتوجيهاتي ويعتبرها من دلائل الأخوة والصداقة.

أذكر أنني قدمت ديوانه الأول الصادر عام 2018م عن نادي الرياض الأدبي وعنوانه: صباح القرى. كما أذكر أنني تشرفت بمتابعة وتصحيح ومراجعة كل كتبه الشعرية والنثرية التي صدرت تباعًا. وكان يشير إلى ذلك اعترافًا بالفضل والاعتزاز بالزمالة والأخوة. وكان كثيرًا ما يذكرني بالخير لأهله وإخوانه وأبنائه، وهذا ما سمعته من أولاده (وليد، وعمرو، وهشام، وحسام) ومن زوجته (أم وليد)!

ولهذه الصداقة والعلاقة الأسرية الحميمية حرصت على توديعه إلى مثواه الأخير في مقبرة الفيصلية بجدة، ومشاركة أبنائه مشاعر الفقد والوداع.

وجاءت ساعة الغسل والتكفين استعدادًا لصلاة العصر، عصر الثلاثاء المذكور، ودخلت إلى غرفة غسيل الموتى وكان للتو قد انتهوا من ذلك وكفنوه، وقابلت الأبناء والأخوات، وبعد تبادل كلمات الرثاء ودعوات العزاء، دعوني للسلام عليه والنظر إلى وجهه الحبيب، ولم أتمالك دموعي وهي تتساقط، لكني تحاملت ورحت أدعو له وأحوقل وأسترجع موصيًا الأبناء بالدعاء والاسترجاع والتصبر، فالبكاء لن يفيد الميت بقدر ما يفيده وينفعه الدعاء.

لقد شاهدت إشراقة وجهه وابتسامته الصافية وكلها مبشرات بحسن الخاتمة إن شاء الله. كيف لا وقد أخذ منه المرض وغياب الوعي في آخر أيامه كل مأخذ، وفي هذا مطهرة ورحمة من الرب، فإذا أحب عبده ابتلاه وأصابه بالأسقام في ختام أيامه ليكفر بها سيئاته، ويرفع درجاته حسب حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: “ما أصاب المسلم من غم ولا نصب ولا وصب ولا أذى حتى الشوكة إلا كفر الله بها من سيئاته”.

وفي هذا الموقف المفرح/ المبكي، توجهت نحو القبلة ورفعت أكف الدعاء والتضرع إلى الله القدير، أن يقبل المتوفي عنده من الصالحين ويدخله جنات النعيم، ويرزق أهله الصبر والأجر والاحتساب، إنه جواد بر رحيم.

والحمد لله رب العالمين.

خاتمة:

أيها المورق/ حبًّا وعطاءً..

      والمتنامي/ يقينًا وصفاءً..

        والمتجذر/ أصالة وانتماءً

ها أنت تطفئ شعلتك السرمدية..

وها أنا أصطفي منك غيمًا..

                  وفاتحة عشق..

                  وربيعًا فاتنًا..

                  وفضاءً سندسيًّا!

وها أنت تهمي عناقيد شوقٍ..

                  وجمالٍ باذخٍ

                  وعناقيد من تعب!

وأنا أرتوي من رحيق العناقيد

               وأمضي..

        موغلًا في تراتيل الكتابة!

جدة  ١٦-٢٠ / ٢/ ١٤٤٦هـ

*شاعر وناقد سعودي

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود