الأكثر مشاهدة

عبدالعظيم الضامن* الفن الفطري.. الفنانة بدرية الناصر يعتبر الفنان الشعبي فنانًا …

الفن الفطري.. بدرية الناصر

منذ أسبوعين

53

1

عبدالعظيم الضامن*

الفن الفطري.. الفنانة بدرية الناصر
يعتبر الفنان الشعبي فنانًا بالفطرة، لذلك سمي بالفنان الفطري؛ كونه يرسم بفطرته التي نشأ عليها، فهو يرسم بعفوية وتلقائية دون الالتفات للتفاصيل، مرتبطاً ارتباطاً قوياً ببيئته ومجتمعه الذي ينتمي إليه بعاداته وتقاليده وموروثاته، وفي معظم الأحيان يرسم التراث الشعبي بصنوفه وألوانه، فناناً لم ينل قسطاً من التعليم في كثير من الأحيان، فهو يحمل ثقافة شعبية تؤهله لأن يكون مميزاً في فنه، وهو قريب جدًا لكل مكونات المجتمع، يرسم فنونهم الشعبية من رقصات وحركات يقوم بها الفلكلوريون، ويرسم ألعابهم الشعبية وسط الحارات المليئة بالدفء بين أزقتها وجمال عمارتها، لا يعترف بالمنظور ولا بالتشريح، فهو يرسم تلك الملامح بحب دون النظر للتفاصيل، وهنا نذكر على سبيل المثال الفنان أيوب حسين والفنان خلفة القطان من الكويت والفنان محمد الصندل والفنانة بدرية الناصر من السعودية.
الفن الفطري..
ومن تسميته يتضح لنا بأن ممارسيه هم أناس يرسمون بالفطرة، يرسمون بعفوية تامة، لا يهتمون لقواعد الفن أكاديمياً ولا يأبهون بالتفاصيل.
ويندرج تحت هذا المسمى فنانون كثر، منهم فنانون عالميون ومحليون، ويعزو تسمية ذلك لكونهم يرسموا خارج إطار الرسم الأكاديمي، لكنهم يرسمون بوعي الفنان، وبعضهم لكونه يمتلك الموهبة ولم يتلقى تعليمه الدراسي المتخصص في الفنون، والبعض الآخر وجد في هذا النوع من الفن فرصة للتعبير عن ذاته الحالمة.
وأهم ما يميز المدرسة الفطرية العفوية والبساطة والموضوعات ذات الدلالة الرمزية لحدث ما أو موضوع ما، لعله أشبه بقصة قصيرة ملونة، وهنا لعلنا نذكر الفنان هنري روسو ولوحته الشهيرة الغجرية النائمة، ويعتبر الفنان هنري روسو هو الذي أيقظ بيكاسو في البحث عن هذا الفن وكذلك أيقظ النقاد للحديث عن تجربته التي سميت حينذاك بالمدرسة الفطرية، والتي تتميز بقوة ألوانها ووضوح معالمها دون مراعاة لضوابط وقواعد الرسم الأكاديمي الواقعي وعدم الاهتمام بالمنظور الهندسي والظل والنور، وهو بذلك يرسم القصة بحقيقتها المتخيلة، لا كما يراها، وهو بالأصل لم يراها.
ومن ضمن هؤلاء الفنانين الفطريين الفنانة بدرية الناصر من المملكة العربية السعودية، التي بدأت في المشاركات التشكيلية المحلية في بواكير بدايات الفن التشكيلي السعودي مع رعاية الشباب في أول مشاركة لها في العام ١٩٧٥ م، ورحب فيها الجمهور، وكتبت عنها الصحف المحلية، ويبدو لأنها من جيل الرعيل الأول ولأنها امرأة تدخل غمار الفن التشكيلي في ذلك الوقت، فكانت الحفاوة بها بالغة.
ويعتبر الفن الفطري (الساذج) ظاهرة مهمة في الحركة التشكيلية العالمية والمعاصرة، ولقيت اهتمامًا كبيرًا في الأوساط الثقافية محلياً ودولياً، وكانت وما زالت محل دراسات نقدية وتحليلية من قبل النقاد والمهتمين حتى يومنا هذا.
‎يطلق على هؤلاء تعبير «الفنانين السذج» أو «المعلمين الشعبيين للواقع» أو «البدائيين في القرن العشرين».
‎أول من اكتشف هؤلاء الفنانين هو جامع اللوحات الألماني ويلهلم أوهد الذي أعجب بهم كثيراً وأطلق عليهم اسم «مصوري القلب المقدس» لأنهم كانوا يمارسون الفن أيام الآحاد، فقط لانشغالهم بمهام ووظائف أخرى بقية أيام الأسبوع.
‎الفن الساذج..
‎إن التركيز على مصطلح “الفن الساذج” أمر مهم، فهو يُعبِّر في الأصل الأجنبي عن الذكاء الطبيعي الخالي من التكلف، وقد تم استخدام هذا المصطلح أول مرة في القرن التاسع عشر لوصف أعمال روسو الذي كان يرسم خارج القواعد الأكاديمية، وينطلق من خياله لصنع أعمال مبتكرة.
‎تنتمي رسوم الفنانين الفطريين (السذج) إلى المدرسة الواقعية التي مارسوها من دون دراسة أكاديمية وبمبالغات طريفة تصل أحياناً إلى حد اللا معقول.
‎يلتقي الفن الساذج مع الفن الشعبي والفطري والبدائي، وحتى مع الفن الطفلي، بجملة من القواسم المشتركة، أبرزها العفوية والتلقائية، ويختلف عنها في الوقت نفسه في أن غالبية من يمارس الفن الساذج هم من المتعلمين والمثقفين العاملين في مهن أخرى، بينما الفن الشعبي هو فن الفلاحين والمجتمعات الزراعية الذي يعبر عن مرحلة التاريخ المعلوم الذي بدأ بعد انقضاء عصور التوحش، والفن الفطري قريب جداً من الفن الشعبي، أما الفن البدائي فله مدلول تاريخي ويرتبط بالحضارات الإنسانية الأولى، وقد سبق وجود الكتابة، أي جاء في مرحلة الأمية الإنسانية.
وتأتي أعمال الفنان بدرية الناصر ضمن هذا الفن (الساذج) الذي عرفت به منذ أول معرض شاركت فيه في بدايتها الفنية مع رعاية الشباب وجمعية الثقافة والفنون بالأحساء.
وبدأت ترسم كما تعتقد، وكما تتخيل، خاصة أنها كانت تكتب الخواطر، فترجمت تلك الخواطر إلى أعمال فنية، ليس لديها قواعد أكاديمية تحكمها، فباتت ترسم المرأة بصور متعددة، يسودها الحزن والوحدة والحيرة، تارة نجد المرأة تجلس خلف باب مغلق بلا جدران، هائم في الصحراء، وتارة أخرى تجلس وحدها على أرجوحة والطيور تحلق حولها.
الفنانة بدرية الناصر اعتمدت في رسمها على فطرتها وعفويتها لكل العناصر التي ترسمها، وكرست وقتها لخمسة عقود من الزمن على هذا النوع الفن، حاولت الخروج منه في فترة من الزمن واتجهت للتجريد، لكنها لم تجد نفسها إلا في الواقع والحياة التي تعيشها المرأة من وجهة نظرها.
واقتبست ما كتب عنها في الصحف المحلية بعض المقاطع المكتوب عنها في صحيفة اليوم وغيرها من أرشيف الفنانة، التي للأسف لم يذكر اسم الكاتب ولا تاريخ الصحيفة، أعتقد أن المرأة كانت عنصرًا أساسيًا في مجمل لوحات الفنانة بدرية الناصر، والباب المغلق كان أساس المضمون للوحاتها الفنية، ولعل الباب هو رمزية للدخول والخروج، بينما هي تغلق الأبواب دائمًا في لوحاتها، وأحياناً تتركهم بلا جدران، أبواب هائمة في الصحراء، وعلينا قراءة ذلك المضمون بحس فني بصري فلسفي.
‎واتسمت أعمالها الجديدة بروح الحداثة.. هي فنانة تستحق الوقوف عندها.
‏اهتمت في أعمالها بواقع المرأة الاجتماعي وارتبط في أذهان جمهورها البؤس العذري، وتتجلى الروح والعاطفة والفكر في أعمالها من خلال قسمات الوجوه وحركات الأجسام وألوان السماء والأرض، وكل ما في الطبيعة إنما يحمل طابعًا أو شخصية في نظرها.
اتسمت أعمال الفنانة بدرية الناصر بالمحيط الاجتماعي البسيط الذي يلف بألوانه البسيطة وتقاليده وعاداته وتراثه، وإن كان الطابع العام لأعمالها الحزن، فإنك ترى في الوجوه انعكاس إحساس معين لديها قد يكون أحلى من الفرح، الحزن بلون وردي، باب قديم وسط صحراء قاحلة، فضاء كبير، امرأة تجلس وراء الباب المغلق وكأن الباب يوحي بمأساة، وهذا هو الحال في العديد من أعمال الفنانة بدرية ليلة الحناء وهي إحدى أهم اللوحات التي نفذتها الفنانة بدرية، رغم أنها تمثل فرحة الفتاة بزواجها إلى أننا نلاحظ قسمات وجه الفتاة يوحي بالبؤس وهكذا هي معظم أعمالها الفنية.
(بدرية الناصر فنانة عصامية اعتمدت على نفسها في تطوير قدراتها الفنية، واجتهدت لمعالجة الألوان بفطرتها، وعفويتها، ومارست الرسم بالفطرة.
وهي من الفنانات اللاتي تميزن باستمرارية في العمل التشكيلي، وانطلقت إلى داخل المرأة لتكشف مكنوناتها وأحلامها وأحزانها.
ألوان الناصر صريحة وحارة، وخطوطها معبرة، ومضامينها رغم وضوحها تحمل الكثير من المعاني، فبدرية المبدعة لا تزخم لوحاتها بمفردات كثيرة تتزاحم وتتصارع، لكنها تختزل رؤيتها في تكوينات محورية تتسم بالرومانسية أحيانًا وأحيانًا بالإيقاع الفاعل أو السكونية الموحية.
شاركت في الكثير من المعارض المحلية التي نظمتها الرئاسة العامة لرعاية الشباب وجمعية الثقافة والفنون وبرامج السياحة الداخلية وفي معارض أقيمت خارج المملكة؛ منها لندن وباريس والقاهرة وألمانيا والجزائر، أيضًا معارض فردية ومشتركة وحصلت على عدد من الجوائز وشهادات التقدير).
أرشيف الفنانة بدرية الناصر:

التعليقات

  1. يقول Fatimah Al-Sharif:

    مقال تراصت حروفه للتصنيف والوصف لسيدة من سادات الفن نفخر ونعتز بفنها… كل التحايا لقلمكم المبدع الثري … واتفق معك كثيرا في التصنيف لفنها أنه فن شعبي، ويمكن أن يصنف وفق الثقافة الأمريكية المعاصرة أن الفنانة ممن هوت الفن وطورت أدواتها فيه فهي (Self taught artist)
    حيث فيما يبدو أنها لم تتعلم الفن أكاديميا ، ويمكن أن تصنف (Visionary artist ) حيث جعلت لفنها رسالة معينة عبر ألوانها وتكويناتها …

    شكرا لك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود