48
047
047
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11847
05073
04982
04806
04481
0رشيد ازروال*
تثير رواية “غفوة ذات ظهيرة” للكاتب السعودي عبد العزيز الصقعبي إشكالية العلاقة بين الرواي والسيرة الذاتية، هذا التعالق الجدلي شغَل نقاد الرواية والسرديات عامة، وذهب البعض إلى تسييج حدود التجنيس بين النصوص الروائية ومثيلتها السيرة الذاتية في محاولة لفك الارتباط، الأولى مُتخيل والثانية واقع، الأولى تستشرف الخيال الممكن تصوره، والثانية تستدعي الذاكرة البعيدة انطلاقًا من مسار الطفولة على الأغلب. لهذا، أثمر التوتر الأجناسي بين النوعين نوعًا ثالثًا جمع الحُسنيين، هذا النوع أدى إلى تطوير تقنيات البناء السردي في الرواية، كما أضفى مسحة أكثر أدبية على السيرة الذاتية بما هي توثيق تاريخ الشخصية الساردة بأسلوب أدبي للوقائع الملموسة التي عاشتها على الأرض.
العتبة النصّية أو شعرية العنوان
يكتنز عنوان الرواية “غفوة ذات ظهيرة” دلالات مفتوحة على تعددية التأويل، فأنت تحار من المقصدية الموحدة للدال/ العنوان، فلكأنما يدعوك إلى قيلولة سردية يقظة لا نوم فيها، بمعنى أن تلج فضاء النص مُتوثبًا إلى التماهي مع ما يجري ويدور من أحداث وبين الشخوص ووسط هذه الأمكنة وداخل هذه المشاعر الإنسانية المتناقضة، أليس الإنسان كتلة مشاعر متناقضة قد تجتمع في آن واحد أو قد تتفرق في لحظة خاطفة، وتصبح هذه المشاعر كالجليد؟
الغفوة متصلة بتحول جوهري في النص، غفوة “العم مسعود” التي لم يصحو منها وهُم في السيّارة الصاعدة مرتفع الهَدا، لهذا فالغفوة المُعَنْونة دلالة على الموت في وقت الظهيرة، ليس الموت البيولوجي فقط بما هو مفارقة الروح للجسد، هو أيضًا موت الأمان في شخص مسعود المُتبني/ المُنقذ للطفل من حريق الدار في الطائف، بينما هو شارد شرود البراءة على العتبة.
الظهيرة بما هي زمن دنيوي، تُحيل على القيلولة بما تتيحه من هدأة للبدن واستراحة وغذاء، إنها الحياة نقيض الغفوة/ الوفاة الصغرى أو الكبرى (الموت) في حالة “العم مسعود”، الظهيرة هي أيضًا مُرادفة ترميزية للسكون المُطبق على المكان (سِمة الظهيرة في القيظ)، خفوت الحركة وسطوة الشعور بالفراغ.
ثمة جمالية مُلفتة في العنوان، غفوة ذات ظهيرة جملة شعرية رائقة تميط اللثام عن الشاعر، الذي يسكن السارد حتى وإن لم يكتب الشعر، وهل تشترط الشعرية في عُمقها أن تتقيد بأشكال؟ فالشعر في السرود القصصية والروائية من خلال كثير من النماذج النصِّية تجده أجمل من قصيدة تُصفر في الخواء بلا لسعات أخاذة.
تراجيديا الحكي.. الغفوة الحارقة
الحكاية موجعة، أم منير مرضت بعد ولادته، الأب المهموم يجد فسحة أمل في علاج شريكة حياته في جمهورية مصر العربية في ذلك الزمان، فيعهد إلى صديق له حتى يرعى ولده بين أفراد عائلته إلى حين العودة إلى أرض الوطن. في يوم ما وفي غفلة من العائلة الراعية لمنير، يخرج الطفل المُتعثر الخُطوات ويجلس على عتبة الباب، كانت العائلة في غفوة تأخذ قيلولة بعد الزوال. في ذلك الزمان من منتصف القرن التاسع عشر في الطائف سُطِّرت التراجيديا الأليمة، شبّت النيران في الدار فمات حرقًا على إثرها جميع أفراد العائلة، من الغفوة خرجت الحكاية وتمددت وتشعبت عبر تقلبات الحياة وأحوال الشخصية كما لو أنها مؤشر لتحولات المجتمع المُتسارعة.
منير يلتقطه مسعود من قبالة الباب وينجو به، فيتبناه كولد له، هو الذي لم يتزوج قط. ولمّا أدرك الأشياء من حوله يبدأ منير السَّير في متاهة البحث عن الذات والأهل والمصير. تمرُّ السنوات التي تتقاطع فيها الأحداث والمواقف الحياتية المختلفة، ثم يكبر والده بالتبني ويقرر أن يوصي له بثلث ماله… وفي لحظة قدرية فارقة يخطئ السائق من يقود السيارة على طريق الهدا، صعودًا من مكة إلى الطائف بمعية مسعود الذي كان في غفوة ومعه الوصية، فتهوي السيارة في أحد المنحدرات، يتوفى السائق ويستمر مسعود في غفوته الطويلة (غيبوبة)، عندئذ تضيع الوصية، وبعد فترة يتوفى مسعود.. فيسارع إخوته إلى تجريد ابنه بالتبني من ملابسه ويطردونه إلى خارج المنزل كي لا يحصل على شيء من الإرث. منير تتقلب به مسارات حياته، يقرر السفر إلى الرياض لتفشل كل مشاريع قرانه، لعدة أسباب كان أبرزها عدم معرفة أصله وفصله، منير القارئ النهم والمثقف، عاصر أحداث وتيارات وثقافات متعددة (صحوة، حداثة، جهاد، حروب)، كما لو كان شاهدًا على عصره، وبعد نيله للتقاعد من عمله البسيط في الشركة الخاصة، اتصل به شخص اسمه عبدالعزيز، أنصت له منير بكل برود، أخبره عبد العزيز أنه يعرفه ويعرف أسرته، وطلب منه أن يدون له سيرة مختصرة ليعرضها على عائلته، وهكذا كان…
الواقعية ملحُ السيرة
الأجواء الواقعية هي السِّمة المُمَّيزة للأنواع السِيرية على اختلافاتها بين الذاتية والغيرية والمُتخيَّلة، وقد تتبدى الِمسحة الفانتازية في المُتخيَّلة منها، لكن الواقعية غلاّبة بالمُجمل. هكذا، تبدو رواية “غفوة ذات ظهيرة” واقعية إلى أبعد حد ضاجة بسردية تحفل بتقنية الاسترجاع (فلاش باك) ولطالما كانت التقنية سينمائية، ما يُنبئ عن ذلك هي تلك المشهدية التصويرية الطاغية، فيخَال القارئ نفسه أمام شريط سينمائي محبوك بنُكهة التشويق، وأصل الحبكة في السينما كما هو معلوم من الأدب بالضرورة.. هي الرواية بالتأكيد أو السيرة الروائية من وجه آخر.
الروائي عبد العزيز الصقعبي يتقن فن ترويض السرود، يتبدى لنا ذلك من خلال إمساكه بزمام المسار الحكائي وتحديده للِوجهة المُراد المرور منها بما يربط بين المشهدية المُجزَّأة بصريًّا المُلتئمة ِبِنية الانتقال من مشهد إلى مشهد مُتصل بخيط ناظم.
*كاتب من المغرب
التعليقات