43
0
133
0
204
0
89
1
44
0
الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
12026
0
11242
0
10607
0
9546
5
7991
0
إعداد / ناجية الصغير
اللغة ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي هوية وثقافة وتاريخ.
حين نخجل من التحدث بها، أو نراها عاجزة عن مواكبة العصر، فإننا نُسهم في تهميشها. ولا خلاص لها من غربتها إلا بأن نعيد ربطها بواقعنا، نُحدِّث خطابها، ونجعلها لغة للعلم كما هي لغة للبيان، ولغتنا العربية شرفها الله أن تكون لغة البيان والإعجاز اللغوي، وهذا من دواعي الاعتزاز والفخر، لكن من الملاحظ تراجع في مستوى إتقانها على مستوى النشء في الوطن العربي مع عصر الانفتاح والعولمة، اللغة والأطفال وغربة الملامح الثقافية قادتنا لطرح التساؤلات مع نخبة من الأقلام الفاعلة والمفعمة بلغة الضاد، من خلال المحاور التالية:

يبدأ حوارنا حول القضية الأستاذ اشتيوي مفتاح الجدي، من ليبيا دبلوماسي سابق، بقوله:
مع أنني لست من ذوي الاختصاص، لكن الموضوع حول اللغة العربية يخص الجميع فهو نقطة فاصلة بين حفظ اللسان العربي سليم الفصاحة، ولعل السؤال المطروح بمحاوره يثير فضولنا للحديث حول هذه النقاط المهمة.
من المفترض أن يسهم البيت في تعليم الطفل وتنمية وتطوير قدراته اللغوية العربية خصوصًا، لكن للأسف الظروف المعيشية داخل البيت العربي عامة والليبي خاصة لا تساعد كثيرًا في إيلاء تعليم الأطفال منزليًا الأولوية المستحقة.
والتعليم الأساسي في مرحلته المبكرة يشكل حجر الزاوية في تعليم النشء، ويأتي هنا تعلم وإتقان اللغة العربية بالدرجة الأولى، عليه من المهم التركيز على مرحلة التعليم الأساسي واعتبارها حجر الزاوية في العملية التعليمية برمتها.
ومن البديهي أن يسهم تحفيظ القرآن الكريم في إتقان اللغة العربية من حيث سلامة النطق وإجادة التعبير بعبارات سليمة وتجنب العامية، وهنا يتطلب الانتباه إلى ضرورة تعظيم مادة القرآن الكريم والتربية الدينية لدى النشء.
وعن تقييمه لمصير الطفل العربي ومحاولة الكتابة بالفصحى، يقول اشتيوي: لستُ مطمئنًا على مستقبل الطفل العربي من حيث إتقانه للعربية الفصحى ما لم ينتبه ذوو الاختصاص للتحديات التي يواجهها التعليم باللغة العربية، في ظل عالمٍ يشهد تأثيرًا ثقافيًا غربيًا متزايدًا.
ولا شك أن القراءة للأطفال منذ الصغر مفيدة جدًا للتعليم اللغوي بل وللنمو المعرفي أيضًا، فالقراءة تمنح الأطفال فرصة تعلّم كلمات وعبارات جديدة قد لا يسمعونها في حياتهم المنزلية اليومية، ناهيك عن أن القراءة تحفز فضول الأطفال للمعرفة وتقوي ذاكرتهم. لذا فالقراءة المبكرة للأطفال تعد من أهم مسببات النجاح في إتقان مهارات القراءة في الصفوف الابتدائية، ومن ثم النجاح في السنوات الدراسية اللاحقة.
للغة مكانتها وعلينا تعزيزها

ويسهب الأستاذ ناصر سعيد رئيس تحرير صحيفة الموقف الليبي، في توضيح أهمية اللغة وطرق تعزيزها بقوله:
تعزيز دور المدرسة والطفل واللغة العربية في تأهيل أجيال تهتم بلغتها وتراثها اللغوي يتطلب خطة متكاملة تشمل عدة محاور:
أ. دور المدرسة: – تطوير المناهج:
– تصميم مناهج تفاعلية تركز على المهارات اللغوية (الاستماع، التحدث، القراءة، الكتابة) بشكل ممتع.
– إدراج نصوص من الأدب العربي التراثي والمعاصر، وربط اللغة العربية بالعلوم الأخرى (التاريخ، الجغرافيا، الفنون) لتعزيز أهميتها في المعرفة.
– تأهيل المعلمين بطرق تدريس حديثة تعتمد على التحفيز والإبداع بدلًا من الحفظ.
– وتشجيعهم على استخدام وسائل التكنولوجيا وإقامة ورش عمل دورية لتبادل الخبرات.
– الأنشطة اللغوية: – تنظيم مسابقات في الخط العربي، الشعر، الإلقاء، والمسرحيات باللغة الفصحى.
– إقامة معارض للكتاب ومكتبات صفية تشجع على القراءة الحرة.
– استضافة أدباء وشعراء ومتخصصين في اللغة العربية لتحفيز الطلاب.
ب . دور الطفل (تعزيز حبه للغة العربية):
– التعلم باللعب: – استخدام الألعاب اللغوية (كالأحجيات، الكلمات المتقاطعة، وألعاب الذكاء بالعربية).
– تطبيقات إلكترونية تعلم العربية عبر القصص التفاعلية والرسوم المتحركة.
– تشجيع القراءة: – توفير كتب مصورة وجذابة للصغار، مع اختيار مواضيع تتناسب مع اهتماماتهم.
– إنشاء نوادي قراءة ونظام مكافآت للطلاب المتميزين في القراءة.
– ربط اللغة بالهوية:
– تعزيز فخر الطفل باللغة العربية من خلال حكايات عن تاريخ اللغة ودورها في الحضارة الإسلامية والعالمية.
– الاحتفال بالمناسبات الثقافية (كاليوم العالمي للغة العربية) بأنشطة إبداعية.
ج . تعزيز اللغة العربية في المجتمع:
– دور الأسرة: – تشجيع الأهل على التحدث بالعربية الفصحى أو اللهجة السليمة في البيت.
– تقليل الاعتماد على اللغات الأجنبية في التواصل اليومي مع الأطفال.
– الإعلام والتكنولوجيا: – إنتاج برامج أطفال ورسوم متحركة بالعربية الفصحى (مثل “افتح يا سمسم”، “سلامتك“).
– دعم قنوات اليوتيوب والبودكاست التعليمية الموجهة للأطفال باللغة العربية.
– الشراكة المجتمعية: – تعاون المدارس مع المؤسسات الثقافية لنشر الوعي اللغوي.
– إشراك الطلاب في مشاريع مثل “إذاعة مدرسية” أو “صحيفة طلابية” بالعربية.
د . دعم التراث اللغوي: إحياء الترات:
– تعريف الطلاب بالعلماء العرب (مثل الخليل بن أحمد، سيبويه) وإنجازاتهم في اللغة.
ـ ربط اللغة بالهوية والانتماء: ـ تعريف الأطفال بأن اللغة العربية هي مفتاح فهم القرآن، والتاريخ، والحضارة.
ـ تسليط الضوء على شخصيات عربية رائدة في مجالات العلم والأدب.
– اللغة العربية والعصر الرقمي: – تشجيع الطلاب على استخدام العربية في المحتوى الرقمي (التدوين، صناعة المحتوى التعليمي).
– تطوير برامج ذكاء اصطناعي تساعد في تعليم العربية (مثل منصات تعليم النحو عبر الألعاب).
ختامًا: اللغة ليست مجرد وسيلة تواصل، بل وعاء للهوية والثقافة. وعندما نُربي أجيالًا تحب لغتها، فإننا نؤسس لمجتمع أكثر وعيًا، واعتزازًا، وصلابة في مواجهة الذوبان الثقافي.
الأسرة شبه غائبة عن فصاحة أبنائها.
وتؤكد المشرفة التربوية والباحثة الاجتماعية بسمة جمال، من القدس، على أهمية تعزيز دور البيت والمدرسة في تطوير لغة الطفل، بقولها:
* اللغة العربية لغة القرآن، لكن هنالك تراجع في مستوى إتقانها على مستوى النشء في الوطن العربي.
_ البيت لا يقل أهمية عن المدرسة في تطوير لغة الطفل، لكن في ظل الظروف الراهنة، أعتقد أن الأسرة سجلت غيابًا شبه تام عن متابعة الأبناء ومراقبة تعليمهم ومساندتهم ووضع خطط ممنهجة لزيادة تحصيلهم اللغوي، القلة القليلة من الأسر قد تهتم بهكذا موضوع والغالبية ألهتهم الظروف، أو ربما الجهل أو أسباب أخرى، بالتالي انعكاس هذا الغياب سلبًا على مستوى لغة أطفالهم.
خاصة ونحن في عصر دخل فيه النت كل بيت ومواقع التواصل والألعاب وغيرها دون رقابة أو ضبط، ولا شك أن ذلك له تأثيره البالغ على مستوى الطفل وتعليمه، بل ونعتقد أنه قد اكتسب منه ما يشوه فيه أشياء كثيرة علاوة عن تشويه اللغة.
* وعن كيفية تعزيز دور المدرسة في تأهيل أجيالٍ تهتم بلغتها وتراثها اللغوي، تقول الأستاذة بسمة: هذا منوط بوزارات التربية وتوجيه مناهجها بشكل صحيح وتطبيقها على أرض الواقع والتركيز على التعليم من قبل المعلمين بالفصحى وعقد دورات، وإلقاء ندوات، ومحاضرات، وتنظيم مسابقات أدبية تحفيزيه).
وابتكار وسائل حديثة ومشجعة على حب اللغة والاهتمام بها لدى الأطفال.
قال تعالى “إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا” وهذا يكفي فخرًا للغتنا العربية وللناطقين بها، وللقرآن دور كبير جدًا في الفصاحة، وتعلم مخارج الحروف، بل وفي قوة البيان والبلاغة ومتانة التراكيب وفخامتها، نعم للقرآن دوره الكبير في فصاحة اللسان وقوة البيان.
فالكثير ممن تلقوا العلم من أفواه المشايخ في تلاوة القرآن أصبحوا خطباء فصحاء ولم يرتادوا المدارس أصلًا، وهذا يدل على تأثير قوة القرآن على فصاحة اللسان.
_ نأمل أن ترتقي الكتابة بالفصحى للمستوى المنشود، فهي لا تزال بحاجة لتظافر كل الجهود كي نجد فيها ضالتنا في هذا الجيل.
ولا شك أن القراءة تقوي الأفق وتوسع الخيال وتفتح المدارك، لكن على الجميع أن يعترف أن الجيل كله لم يعد يقرأ سوى ما يطلب منه في الامتحان، نعم لم يعد يقرأ إلا النذر اليسير.
وربما السبب الأول والأهم هو مواقع التواصل المنتشرة التي أساء استخدامها الأهل قبل الأبناء، إنه عصر التكنولوجيا والتسلية الذي سيطر على العقول، فكيف لمن أدمنها أن يتذكر أنه بحاجة ليمسك كتابًا ويقرأ منه بضعة أسطر.
الحلول بمنظوري واضحة، لكن التقصير من الكل (دولة ومدرسة ومعلمين وأسرة والمتعلم ذات نفسه).
الأمر جلل.. يجب البحث بجدية عن علاج.
الخلل في ضعف المدخلات.

ويدلي المدرب التنموي فرج الزياني، من ليبيا، برأيه حول القضية، بقوله:
أنا في تصوري رأس المشكلة في كل محاور الموضوع هو الخلل غير الملتفتين إليه وهو (ضعف المدخلات وكذلك المدخلين).
أيضًا ركاكة المواضيع التي يراد منها بناء لغة النشء، فهي جوفاء لا تحتوي على أسلوب ومادة التشويق للنشء؛ لكي يحب لغته العربية. كذلك الطفرة في عالم البدائل التي تشكل مغريًا استعماريًا جعل منها بديلًا قسريًا عن القراءة الورقية.
هناك برنامج عالمي (معالج تعثر القراءة والكتابة عند التلاميذ).
هذا برنامج في غاية الأهمية، بالإمكان في بلدنا تأهيل كوادر لتطبيق هذا البرنامج، ويشمل (ثلاث مذكرات في كيفية معالجة تعثر القراءة والكتابة عند التلاميذ، كذلك ثلاث مذكرات في النحو).
المواضيع التي بني عليها البرنامج سلسة جدًا وفيها تشويق معرفي يساعد في القراءة وتحسين النطق والإعراب بأسلوب مبسط جدًا، لكنه حيوي من حيث إمكانية استيعابه.
البيت هو البيئة الأولى والأكثر تأثيرًا.

ويشاركنا الرأي د احمد البصير، رئيس مجلس إدارة شبكة قنوات ليبيا الجديدة الفضائية، حيث أفاد:
يُعد البيت البيئة الأولى والأكثر تأثيرًا في اكتساب الطفل للغة وتطويرها، ففي السنوات الأولى من حياته، يقضي الطفل معظم وقته في المنزل، ويتأثر بشكل مباشر بمن حوله من أفراد الأسرة. تلعب التفاعلات اللغوية اليومية دورًا حاسمًا في بناء أساس قوي لمهارات اللغة لديه.
فالتفاعل اللغوي المستمر: الحديث مع الطفل بانتظام، وسرد القصص له، والاستماع إليه، كلها أمور توسع مفرداته وتعزز فهمه للغة.
البيئة اللغوية الغنية: وجود الكتب، والمجلات، والألعاب التعليمية التي تحتوي على محتوى لغوي غني يحفز الطفل على الاستكشافات والتعبير.
تشجيع التعبير عن النفس: طرح الأسئلة المفتوحة التي تتطلب إجابات مفصلة من الطفل تشجعه على التفكير والتعبير بطلاقة.
التعرض المبكر للغة: البدء مبكرًا في تعريض الطفل للغة الأم، من خلال الأناشيد، والقصص، والرسوم المتحركة، يساعد في تنمية الألفة والراحة مع اللغة.
القدوة الحسنة: عندما يرى الطفل والديه يتحدثان بلغة صحيحة ويهتمان بالقراءة، فإنه يحذو حذوهما.
القرآن يربط الطفل بجذوره الثقافية والروحية.

وتؤكد د. نزهة صافي، من المغرب، رئيسة جمعية نساء رائدات، على أهمية لغتنا العربية كرمز للهوية والحضارة العربية:
تعتبر اللغة العربية من أهم أسس الهوية الثقافية والحضارية للأمة العربية، ويمثل الطفل اللبنة الأولى في بناء مجتمعٍ يحافظ على لغته ويعتز بها.
وتشير معظم الدراسات والأبحاث التي أجريت في هذا المجال إلى أن المسؤولية تقع أولًا على الأسرة.
فاللغة التي يسمعها الطفل في محيطه الأسري تترك أثرًا كبيرًا في تشكيل ملكته اللغوية، سواء على مستوى النطق، أو التعبير، أو المفردات.
فاستخدام الأسرة للغة العربية الفصحى في الأحاديث اليومية، أو خلال قراءة القصص يعزز فصاحة الطفل ويكسبه ثقة لغوية. وتعد المدرسة المؤسسة الثانية بعد الأسرة في تنمية مهارات الطفل اللغوية، حيث تلعب دورًا حيويًا في تأهيل أجيال تهتم باللغة العربية من خلال تقديم تعليم منهجي يشمل التذوق، والإبداع، والتعبير، كذلك توفير بيئة تعليمية محفزة، وتعزيز استخدام اللغة العربية في جميع جوانب الحياة المدرسية وفي كل مواد التعليم.
كما أن أنشطة الحياة المدرسية، كالمسرح والإذاعة المدرسية، والمسابقات الشعرية والقراءات القصصية، تلعب دورًا كبيرًا في ترسيخ اللغة العربية وتحبيبها للطفل، ما يؤدي إلى بناء أجيال تدرك قيمة لغتها وتفتخر بها.
وقد يواجه الطفل العربي صعوبة في التعبير بالفصحى أمام هيمنة اللغات الأجنبية وانتشار اللهجات المحلية في الإعلام ووسائل التواصل، إلا أن بعض الأطفال يميلون نحو الكتابة باللغة العربية، خاصة إذا وجدوا من يساندهم ويدعمهم. ورغم ذلك، تبقى محاولات الكتابة باللغة العربية الفصحى محدودة، ويعود ذلك إلى ضعف الممارسة، وندرة مطالعة الكتب العربية والمجلات والقصص، وغياب القدوة من الأسرة والمدرسة.
ويعتبر القرآن الكريم مرجعًا لغويًا وتربويًا عظيمًا، فهو يربط الطفل بجذوره الثقافية والروحية، وينمي لديه قدرات الفهم والتأمل والتفكير. كما أن تلاوة القرآن وتدبره تساعد في ضبط مخارج الحروف، واكتساب المفردات، وفهم التراكيب البلاغية. لكننا نلاحظ في بعض البيئات عزوفًا من الأطفال عن القرآن، يعود لأسباب منها ضعف الأساليب التعليمية، والاعتماد على الحفظ الآلي دون فهم، وعدم ربط القرآن بالحياة اليومية للطفل.
أثبتت الدراسات والتجربة أن الأطفال الذين يتعلمون القرآن الكريم منذ الصغر، يكونون أكثر قدرة على النطق السليم، ويمتلكون رصيدًا لغويًا ثريًا، ما ينعكس إيجابًا على تحصيله الدراسي وثقته بنفسه.
وأمام تحديات العولمة، يجب أن نعزز في الطفل حب لغته، ونوفر له بيئة مشجعة على التعبير بالفصحى، وأن نجعل من اللغة العربية وسيلة للفهم والإبداع، لا مجرد مادة دراسية.
التراجع سببه متغيرات عصرية.

ويطرح الأستاذ عبدالله ميلاد المقري، كاتب صحفي ليبي، بعض الأسباب من منظوره لتدني فصاحة الطفل العربي بقوله: تراجعت فصاحة الأطفال في مدارسنا اليوم، ويُعزى هذا التراجع إلى متغيرات عصرية عدة أثّرت في المنظومة التعليمية والثقافية عمومًا، وفي تعليم اللغة العربية خصوصًا. يعيش أطفال اليوم في زمنٍ تتسارع فيه المعارف وتتعدد فيه مصادر التأثير، ولم يعد المنهج المدرسي التقليدي كافيًا لمواكبة هذا الزخم المعرفي، لاسيما في ظل انفجار المحتوى الرقمي القادم من وسائل التواصل الاجتماعي. لقد أصبحت الأجهزة الذكية ووسائط التواصل الاجتماعي الحديثة المصدر الأساسي لتلقي الأطفال للمعلومات والترفيه، حيث تسيطر الألعاب الرقمية ومقاطع الفيديو القصيرة على أوقاتهم، وتشكّل جزءًا كبيرًا من اهتماماتهم اليومية. وللأسف، فإن كثيرًا من هذه الوسائط تقدم محتويات تفتقر إلى الرقابة التربوية والأخلاقية، وغالبًا ما تتجاوز قدراتهم الذهنية والعقلية، ما يؤدي إلى آثار سلبية على سلوكياتهم ومداركهم اللغوية.
ويشير خبراء التربية وعلم النفس إلى أن هذا التدفق الهائل للمعلومات غير المنضبطة عبر منصات الفضاء الإلكتروني لا يخضع للتقويم أو الضبط التربوي. بل إن الرقابة الأسرية والمدرسية باتت غير قادرة على مجاراة حجم وسرعة المحتوى المعروض، وهو ما أسهم في حدوث فجوة بين الطفل ولغته الأم. فقد أضحت لغة الوسائط الرقمية، بما تحمله من رموز مختصرة وصور متحركة، بديلًا مفضلًا للغة العربية الفصحى، ما أضعف قدرات الأطفال على التعبير والقراءة والاستيعاب بالعربية، إضافة إلى قصور التحفيظ في مراحل التعليم الأولى من العملية التعليمية وفقدان للمعلمين الأكفاء الذين لديهم استيعاب مسبق للغة العربية؛ ما أثر فعليًا في قدرة الأطفال على إتقان اللغة العربية وإجادتها، ويُضاف إلى هذا التحدي عاملٌ آخر يتمثل في تأثير الذكاء الاصطناعي، حيث بات الكثير من المستخدمين، منهم الأطفال، ينسخون المحتوى الجاهز دون التفاعل معه لغويًا أو فكريًا، كل ذلك أدّى إلى ضعف تنمية مهارات اللغة العربية، وقلّة استخدامها في الحياة اليومية داخل المدرسة وخارجها. رغم أن اللغة العربية مزود فاعل في طرق البحث العلمي المعرفي، إضافة إلى أن الاهتمام بها والحفاظ عليها وحرص أولياء أمور الأطفال والتلاميذ والدارسين في المراحل الأولى تغطي تقوية الإلمام بقدرة هذه اللغة، في صنع استمرار الهوية للأمة والأجيال، إن هذا الواقع يحتم على مؤسسات التعليم العربية أن تتعامل مع القضية بشكلٍ منهجي ومنضبط وأن تدرك خطورة ضعف الفصاحة اللغوية عند النشء. كما يتوجب في مشاريع الخطط التعليمية العربية النظر بجدية في طرق تدريس اللغة العربية، بما يحبب الأطفال والتلاميذ بالقبول بها علمًا ومعرفة، ووضع استراتيجيات تعليمية حديثة تربط الطفل بلغته الأم ربطًا حقيقيًا، وتعيد للعربية مكانتها في وعيه وتواصله وتفكيره. فالأمر يتطلب نهجًا تعليميًا جديدًا، يعزز حب اللغة العربية بأسلوبها الجميل وبلاغتها الرصينة في نفوس الأطفال، ويجعل منها لغةً حيةً تُستخدم في الحياة، لا مجرد مادة دراسية.
من نمطية العطاء تراجعت الفصاحة.
وتؤكد الأستاذة عواطف أحميدة المدني، معلمة.. وكاتبة ليبية على أهمية دور الأسرة والمدرسة في تشكيل هوية الطفل اللغوية:
تقل فصاحة الاطفال في المدارس، ربما للنمطية السائدة التي تغلف طريقة العطاء في جل مدارسنا، فإعداد الطفل يجب أن يكون نفسيًا، حيث نزرع في داخله الثقة لنراه قياديًا ذات يوم، وهذا في اعتقادي يتأتى بالحرص على الغوص في شخصيته وإظهار مواهبه إلى جانب تلقيه العلم، ولمعايير اللغة العربية دورها في ذلك، فكلما كان متلقيًا جيدًا؛ كان متحدثًا جيدًا، فلغتنا من فرط جمالها ستظل حتمًا منبعًا للفصاحة.
لكن ما يؤسف له هو هذا التباعد بينها وبين النشء رغم عظم قيمتها.
الأسرة هي النواة الأولى لتكوين شخصية الفرد، بالتالي دور البيت أساسي في بناء لغة الطفل وتنشئته بطريقة يهتم فيها بلغته ويظل عاشقًا لها.
نعزز دور المدرسة والطفل واللغة العربية، بالحرص على التنويه الدائم على أهمية لغتنا العربية، وإنشاء مراكز لتعليم اللغة العربية تضاهي تلك التي تعلم اللغات الأخرى.
اللغة العربية لغة القرآن الكريم، ومن هنا فإن لتعلم القرآن مكانته ودوره في فصاحة اللسان والنطق السليم للغة، والشواهد في ذلك كثيرة، حيث إننا نجد ضمن طلابنا وتلاميذنا ذاك المتميز في نطقه باللغة السليمة فصاحةً وعلمًا.
والحقيقة في ظل ما نشهده في واقعنا، هناك من يرى أن إتقانه للغات الأخرى هو الرقي بعينه.. والملاحظ في عالمنا العربي أن أغلب الأسر تشجع أبناءها وتحرص على تعلمهم للإنجليزية والفرنسية وغيرها، وأعتقد أن ذلك هو نوع من عقدة الخواجة التي تكبل تفكير الأغلبية، في وقت يجب أن نفتخر بلغتنا العريقة ونعتز.
وسنظل نتفاءل بجيل يعشق العربية ويتقنها وأسر تدعمه تعلمها وتحرص عليها ومجتمع داعم لكل ذلك في كل حين، كما أن القراءة تمنح الجيل تأشيرة الدخول إلى عالم تزينه المعلومة المفيدة والمتعة الحقيقية.. واللغة القويمة القيمة.
وعزوف الأجيال عن القراءة أرجعه لعدم اهتمام الأسر، يحث الأبناء على القراءة وتوفير الجو المناسب؛ لذلك أيضًا غياب المكتبات داخل المؤسسات التعليمية.. التي كانت ذات زمن قد ساهمت بشكل كبير في الإثراء الفكري للنشء.
القرآن والقراءة تؤهلان النشء لغويًا.
وترى الأستاذة سعدى محمد الصغير – معلمة لغة عربية، أهمية تعزيز مهارة القراءة والاطلاع لدى النشء لتكوين ثروة لغوية، حيث قالت:
إن منارات تعليم القرآن الكريم ساهمت وتساهم في علاج ضعف الكتابة والقراءة عند النشء، وهذا ما رأيناه جليًا من خلال تحسن مستوى ضعف اللغة عند الطلاب الذين انخرطوا في مراكز تعليم وتحفيظ القرآن.
وعن مصير الطفل العربي ومحاولة الكتابة بالفصحى، تقول الأستاذة سعدى: في بلادنا أرى أن أسباب التشاؤم لهذا المصير، عدم الاهتمام بتوفير ومتابعة المعلم المتقن للغة من أجل جيل متعلم. أما ما أراه في بقية الدول العربية، فهناك بوادر أمل وعودة لعصور الارتقاء باللغة، فهناك القراء والأدباء وحتى الكتاب الصغار وهناك ورش تعليمية ومسابقات تشجيعية وجوائز تحفيزية.
والقراءة هي غذاء الفكر وتعلمها الصحيح يعتبر الأساس في تأهيل الطفل لغويًا وتوسيع مداركه وتنمية رصيده اللغوي.
وللبيت دور كبير فى تطوير لغة الطفل، يبدأ فى التشجيع على تعلم القراءة وقبلها غرس بذرة حب القراءة لتغذية عقل الطفل، من خلال قراءة القصص له في الصغر ثم تعليمه القراءة تكاملًا مع دور المدرسة، وتخصيص وقت للطفل للقراءة المطالعة “المكتبة المنزلية” أيضًا التحدث مع الطفل بمفردات لغوية فصيحة.
ويبرز دور المدرسة من خلال الأساس الجيد من قبل المعلم والمتعلم، واهتمام الدولة بالتحصيل اللغوي من خلال المسابقات الثقافية والأدبية والاهتمام ببرنامج الإذاعة المدرسية الذي له دور كبير فى إتقان اللغة وإبراز المبدعين فيها والاهتمام بهم، ودراسة المنهج المقرر من خلال تحقيق الهدف وهو إتقان اللغة دون التركيز على الدسامة التي أدت إلى إهمال أهم عناصر اللغة؛ الكتابة والقراءة. فالعناصر مرتبطة (البيت – الطفل – المدرسة – المجتمع – الدولة) ولكل دور والهدف واحد؛ إتقان اللغة العربية وتطويرها حتى لا تموت وتندثر.
ومن وجهة نظري أن قلة فصاحة الأطفال في المدارس، يرجع إلى عدم تمكنهم من اللغة بالقدر الذي يجعلها في متناولهم؛ ما يؤدي إلى قلة الأفكار بسبب قصور الذخيرة اللغوية، والسبب الثاني هو عدم الاهتمام الكافي بين البيئتين البيت والمدرسة، بمعنى قلة التحدث باللغة العربية الفصحى. ومعايير تدريس اللغة العربية لها دور كبير فى علاج هذا القصور، من خلال التركيز على النطق والصوتيات وأساسيات اللغة باستراتيجيات تجذب الانتباه وتحقق الهدف، وهو التعلم الصحيح للغة.
💎