محمد الرياني*

فتحت عيني عندما أشرقت الشمس علينا، وجدته يبادر بطبع قبلة على رأسي، شممت على جنبيه وفي موضع قبلته رائحة المسك وليست رائحة قادمة من كهف النوم بعد ليل طويل، أبصر بفطرته أني أريد قبلات وقبلات، اقتربت منه ليزرع رائحته على خدي الأبيض كنقائه، تخيلت جنة خضراء تنبت على جسدي من قطر سحائبه، ازددت قربًا منه ليصنع من ريحه أملي، فتحت يدي على أقصى حد، سارع بضمي وقد انكمشت يدي لتلتف حوله فأمسك بي ليشعرني بالأمان، أحسست أن كل مناخات الفصول قد حضرت لتشهد علينا، مرت من عندي نسائم الربيع وقد تفتحت أزهاره، وتساقط جليد الشتاء ليذوب ويروي الكائنات حتى قلت إن الصيف لن يأتي في زمن الشتاء، فلما برز الصيف وإذا جنات من حصاد الأرض تنبت حولي بحضور الشمس، تجرد الخريف ليغني الحاصدون أروع أغنيات الحصاد في حب الحياة، قبلت هذا الوطن ثرىً وأشجارًا وأوراقًا، قبلته أرضًا وتاريخًا وإنسانًا، أحببت شماله حتى أضحى قبلة الحب، وعشقت جنوبه حتى أزهر الحب، ووقفت أنتظر الشمس لأمتع ناظري بجمال شرقه، وجلست على شاطئ بحره لأودع الشمس عند الغروب، نمت بأمان وأنا أعد النجوم البعيدة في سقفه الواسع، هنأته بعيده الواحد بعد التسعين وقد أحصيت تسعين قبلة وقبلة طبعها عليَّ وعلى رؤوس الملايين الذين يحبونه، اليوم نكتب للتاريخ ولكل العالم أننا أمة التقدم.