301
0
527
0
434
0
1799
16
373
0
25
0
62
0
156
0
230
0
98
1
56
0
الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
12028
0
11329
0
10653
0
9655
5
8046
0

الكاتب: أحمد بنسعيد*
مقدّمة
كاتب أدب الطفل اليوم نصفه إنسان ونصفه آلة، كيف ذلك؟
من لم يعش من كتّابنا للطفل الآن زمنه، من لم يُسابق يومه، من لم يستثمر وجود الآلة ويستعملها إلى أقصى ما يمكن، فاته خير كثير، ولم يعش طفولة العصر بوجهها المعاصر الحيوي المشرق بشمس العلم.
الآلة تُلخّص الوقت الغالي الثمين، وتوفّر عليك قرونًا في شهور، وتنقص عنك عناء الجهد والعرق والأرق، وتفتح أمامك الآفاق، وتكسر الأقفال المغلقة، وتضع بين يديك الفرضيات الممكنة واللاممكنة، وترتّب فوضى الحياة والملفات، وتضبط المواعيد، وتُعرّفك بمبدعي أدب الطفل القاصي والداني.
فإذا رفض أحدٌ عملك أو فكرتك، عرضتها على العشرات والمئات غيره… ثم هي تتيح لك التطوّر ولمشاريعك التبلور، حتى تصير نجمًا ساطعًا في ظرفٍ كان يحلم بعُشره مبدعو القرن الماضي.
نظرة إيجابية للمستقبل الإبداعي
في الإبداع نفسه، عيبٌ على كاتب أدب الطفل اليوم أن يعيش عزلةً عن العالم الإنساني، بحيث لا يعرف شيئًا اسمه (شات ج ب ت)!
فيكون كمن يكتب على شمعٍ وقنديل وسط وميض الأضواء الملوّنة على خشبة الدنيا.
افتح عينيك جيّدًا لما يحيط بك؛ غير معقولٍ في عالم أنوار العلم والتكنولوجيا أن تكتب بطريقةٍ ومواضيع تقليدية عفا عنها الزمن، بينما المفروض في كاتب أدب الطفل أن يعكس روح الطفل ويسبح في الخيال بالجديد وبالطرق الحديثة، وألا يقبل بالمُقلَّد أبدًا.
يعيش كاتب أدب الطفل اليوم بين عالمين:
عالمٍ إنسانيٍّ نابضٍ بالمشاعر والعاطفة الجيّاشة والذكريات والخيال..
وعالمٍ آخر من الذكاء الاصطناعي والأدوات الرقمية المتاحة التي تفتح آفاقًا جديدة للكتابة والرسم والتعبير إلى أقصى الحدود الممكنة.
قد يبدو هذا التداخل غريبًا للبعض في البداية، وقد يثير شيئًا من الدهشة أو التساؤل، لكن وقت الدهشة يجب ألا يطول.
ليطمئن كاتب أدب الطفل أنه لن يفقد إنسانيته حين يستخدم الآلة، ولن يكذب أو يغشّ إن كان صادقًا — أما إن كان كاذبًا فهو يغشّ بآلةٍ أو بدونها.
أما الكاتب الصادق، فسيزداد إنسانيّة حين يجعل الآلة تعمل في خدمة الطفل ولأجله.
الآلة لا تملك قلبًا، إنها تحتاج من يُسيّرها ويسألها ويُفعّلها.
افعل ذلك، وستجدها تولّد الأفكار، وتُلهم الصور، وتُسرّع البحث، وتمنح الوقت الكافي للتأمل والابتكار.
أما الكاتب الإنسان، فهو الذي يعرف كيف يزرع في هذه الأدوات دفء الكلمة وصدق العاطفة، ليصنع منها جسرًا يصل الكلمة بقلوب وعقول الأطفال في مختلف مراحلهم.
كاتب أدب الطفل اليوم نصفه إنسان؛ لأن قلبه يعرف لغة الطفولة:
لغة الدهشة، واللعب، والحنان، والفضول.
ونصفه آلة؛ لأن عقله صار يعرف كيف يستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي لتوسيع خياله، وتجويد أسلوبه، وتحسين رسوماته وقصصه، دون أن يفقد بصمته الخاصة وعمله الإبداعي الأصيل.
سلبية واحدة:
يتفق العقلاء جميعًا على أن أبرز سلبيات التعامل مع الآلة هي ظاهرة “النقل واللصق” (Copier–Coller)، التي يمارسها بعض المبدعين أو الطلبة أو الباحثين الكسالى الذين يميلون إلى الغش والتدليس.
لكن غشّهم هذا يُكتشف بسهولة بالغة من قِبل كل من تعامل مع الآلة من الأساتذة أو المحكّمين، فهو واضح كوضوح الشمس.
ومع ذلك، لا ينبغي لهذه الظاهرة المشينة — التي تتعلّق بالإنسان لا بالآلة — أن تحجب الإيجابيات الكبرى التي تقدّمها التقنية، التي أشرنا إلى بعضها بين سطور هذا المقال.
خاتمة:
إن الطفل الذي ينشأ في عصر الروبوتات والشاشات، يحتاج إلى أدبٍ يتوافق مع عصره ولغته الجديدة وتحدّياته الكبرى.
وأنسب من يُقدّم له ذلك في أطباقٍ فنيّةٍ راقية هو الكاتب المختصّ الذي يجمع بين دفء الإنسان وذكاء الآلة.
ليس علينا أن نخاف من التقنية، بل أن نُعلّمها أن تخدمنا، لتتوافق مع أحلام الطفولة المعاصرة.
فكاتب أدب الطفل في المستقبل لن يكون عدوّ الآلة، بل صديقها الأمين، ومعها ومن خلالها يصنع أدبًا متدفقًا يُنير الآفاق للأجيال المقبلة.
*كاتب للأطفال من المغرب
التعليقات