مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

من المؤلفات الطريفة كتاب (عقلاء المجانين)، تأليف أبي القاسم الحسن بن محمد بن حبي …

زمن عقلاء المجانين

منذ 3 سنوات

301

0

من المؤلفات الطريفة كتاب (عقلاء المجانين)، تأليف أبي القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المتوفى عام 406هـ، قدَّمه وعلّق عليه نعيم زرزور. في البداية عرَّف المؤلِّف الجنون في اللغة، ومن يُطلق عليهم مجانين، وأشار إلى نعت الأنبياء والرسل بالجنون، وقارن بين نعمة العقل ونقمة الجنون، وأورد المعاني المختلفة والأمثال في ذلك. المهم أنّه كتاب شيِّق، لا تقف قيمته عند أخبار عقلاء المجانين، بل تتجاوز ذلك إلى عرض صور من الحياة الاجتماعية في زمن المؤلِّف، كما أورد أشعارًا لم تكن معروفة من قبل، فهو يُعَدُّ من المراجع الأدبية والتاريخية والاجتماعية، ومما تناول المجانين والحمقى وذكر فئات منهم:

مجانين الأعراب، ومجانين النساء، والمجانين المجهولين ممن لا تُعرَف أسماؤهم ولكن تُعرَف أخبارهم وأشعارهم وما نطقوا به، ولم يُغفِل من تظاهروا بالجنون، وبيّن آثار مصاحبة الحمقى وما تسبِّبه من كوارث ومصائب، وكان ينظر إلى الزمن الذي يعيش فيه على أنه زمن الحمق والجهل؛ لأنه يرى أن الحمقى هم من تمتّعوا بالتقدير والمكانة بعكس أصحاب العقول النيّرة، ومما ذكره أن هناك رجلًا عاقلًا أديبًا فهمًا شاعرًا، يُقال له عامر، وجده أحد أصدقائه والصبيان حوله يضحكون، فقال له: يا عامر، منذ كم صرت على هذه الحالة؟ فأنشأ يقول:

جنّنتُ نفسي لكي أنال غنى

فالعقل في ذا الزمانِ حرمانُ

يا عاذلي لا تلُمْ أخا حُمُقٍ

يُضحَكُ منه، فالحمق ألوانُ

ويقول أنشد أبو بكر أحمد بن عمران السوادي لابن لنكك:

زمانٌ قد تفرّغ للفضول

يُسوِّد كلَّ ذي حُمْقٍ جَهول

فإن أحببتمُ فيه ارتفاعًا

فكونوا جاهلين بلا عقول

ورأى في كتاب ابن ممشاذ:

قد كسد العقل وأصحابه

وفُتِّحتْ للحمق أبوابُهُ

فاستعمل الحمق تكن ذا غنى

فقد مضى العقل وطلّابه

ومن المجانين الذين ذكرهم جعيل المجنون الذي سمعوه يقول: من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار!، وهو القائل عندما سُئل عن العارفين بالله :

قومٌ لهم هممٌ تسمو بهم أبدًا

إلى جليلٍ عظيمِ القدر غفّارِ

هذه مقتطفات من كتاب عقلاء المجانين، وإذا كان هذا كلام مجانين زمن أبي القاسم وشعرهم، فماذا عن مجانين هذا الزمان؟ وماذا سيقول عندما يراهم؟ وعندما يُشاهد ما يُعرَض على قنوات التواصل الاجتماعي وما يُعرف (بالسوشيال ميديا) في هذا العصر، بالتأكيد ستتغير نظرته لمجانين عصره.

*كاتب من السعودية

الكلمات المفتاحية

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود