الأكثر مشاهدة

 سلوى الأنصاري*  في مساء يوم الجمعة الموافق ١٤٠٩/٢/١٢هـ جمعت خديجة أبناءها وقالت …

سمر وعام دراسي جديد

منذ سنتين

787

4

 سلوى الأنصاري*

 في مساء يوم الجمعة الموافق ١٤٠٩/٢/١٢هـ جمعت خديجة أبناءها وقالت لهم: غدًا السبت دعونا نُعد له العدة والعتاد، والجد والاجتهاد.

قالوا وبكل سعادة: لقد اشتقنا للمدرسة يا أمي

قالت سمر: اشتقت لصديقاتي سوزان وسماح وسلوى وهناء، أشتقت لهم كثيرًا واشتقت لمعلمتي حنان فيرق، ومعلمتي عزيزة الشريف، وكذلك معلمتي ليلى تمبوس، ومعلمتي هنية – معلمة العلوم، اشتقت للركض في ساحة المدرسة واللعب مع صديقاتي… 

قاطعها حمد قائلًا: وأنا كذلك يا أمي اشتقت لأصدقائي وزملائي وأشعر أن قلبي  سيطير فرحًا عند لقائهم

نظرت خديجة وهي مبتسمة وكأنها تنظر إلى بوابة المستقبل، وترى أبناءها منهم الطبيب، والمهندس، والضابط. وكانت ترى في سمر المعلمة الحنونة، وفي سميرة الطبيبة النجيبة.

تجاذب الإخوة مع والدتهم أطراف الحديث، واحتسوا سويًا كوبًا من الشاي المخدّر، ثم أكلوا سويًا (اللّنقطة) وهي تشبه لقمة القاضي ولكنها مالحة تؤكل مع سلطة الحُمر.

ثم أخذ كلٌ منهم حقيبته وبدأوا يفتشون ويكتشفون ما بداخلها من أدوات مدرسية.

قال عادل: أمي أين علبتي الهندسة والتشاكيل؟ قالت له: في جيب الحقيبة يا عدولة

 فتح جيب الحقيبة مسرعًا ثم هتف أخيرًا هندسة، كم كنت أتمنى أن أصل إلى الصف الرابع لأمتلكها

قالت له الأم: بارك الله لك فيها وفتح عليك، وإن شاء الله نراك مهندسًا ونحن في أتم الصحة والعافية. وهي تردد في قلبها ربي أعني على تربيتهم وارزقني صلاحهم وبرهم. كان خالد السند لي في هذه الحياة ومنذ أن رحل… استدركت ما كان يدور في رأسها واستطردت: أستغفر الله، الله وليِّ ووليهم. 

ثم قالت لهم: سيكون السبت حافلًا بالمسرات، أسأل الله لكم وفرةً في العلم وصحةً في الجسد، سننام باكرًا وأرجو لكم نومًا هانئًا، تصبحون على خير.

مضى الوقت سريعًا وجاء وقت النوم ألقى كلُ واحد من أبناء خديجة جسده الصغير على السرير وغط الجميع في نومٍ عميق. 

ومع آذان الفجر أيقظت خديجة صغارها لأداء صلاة الفجر، عاد الأبناء من المسجد وبدأ الجميع بالاستعداد للذهاب إلى المدرسة. 

سرَّحت سمر شعرها وشعر أختها وأسدلت جديلتين فرنسيتين على كتف سميرة كما علمتها والدتها في إجازة العام الدراسي المنصرم، واكتفت هي بجديلة فرنسية ممتدة على ظهرها وكأنها ذيل حصان عربي أصيل، أما وجهها القمري فقد غطت خصلات من غرة شعرها الكثيف على جبينها، فطر الجميع واستعدوا للذهاب إلى  المدرسة.

الأم: سمر كوني حريصة على أختكِ، وأنت يا حمد انتبه لإخوتك من مخاطر الطريق.

قالوا: حسنًا يا أمي

قالت الأم: استودعتكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

خرجوا وقد قبّلوا والدتهم والسعادة تغمرها وتغمرهم.

في المدرسة دخلت سمر والشوق بادٍ على محياها، دخلت وعيناها الناعستان الدعجاوان تبحثان عن صديقاتها، وقفت وإذا بسوزان تصرخ سمر ..سمر.. ركضت سمر نحوها وسلمت عليها.

دق جرس بداية يوم دراسي جديد لعام سعيد، اصطفت الطالبات في الطابور الصباحي رحبت بهنّ الأستاذة ليلى تمبوس ورددوا سورة الفاتحة بصوت مرتفع متناغم أنزل عليهم السكينة.

وفي الفصل أخذت الطالبات تتجاذبنّ أطراف الحديث وكيف قضت كل واحدة منهنّ إجازتها، رن جرس الفسحة سريعًا ولم يشعرنّ بمرور ثلاث حصص، وفي ساحة المدرسة بدأت الطالبات يلعبنّ بعض الألعاب الممتعة مثل البربر والشبر، كما كنَ يلعبن (فتحي يا وردة غمضي يا وردة) وكان عدد الطالبات كبيرًا؛ مما اضطر الأستاذة سارة للخروج إليهن، وإلزامهنَّ بخفض أصواتهنّ.

انتشرت الطالبات في الساحة وبدأنّ في بعض الألعاب التي لا تعتمد على رفع أصواتهنَّ مثل: لعبة الأركان، وبعضهم الآخر اكتفى بلعب الزقطة، أما المجموعة الأكثر منهنّ فقد اكتفين بترديد بعض الأهازيج: 

ستي صفية بتتوضى 

والإبريق مليان فضة 

ثم يرددنّ 

مين في المطبخ 

انا الحرامي 

بتعمل إيه 

أحد أسناني 

علشان إيه 

عشان آكلكم 

تاكل مين 

وحدة منكم 

هيه مين؟؟؟

فيبدأ الاختيار ثم الركض خوفًا من شخصية الحرامي للوصول إلى منطقة الأمان (العُزيزة) أو (أمان)

استمتعت الطالبات واستكملن يومهنَ الدراسي، ثم عدنّ إلى منازلهنّ وقد استلمن الكتب وشعرن بالسعادة وما زال شوقهنّ متقدًا وألعابهنّ تنتظر.

 لم تكن لعبة واحدة في مكان واحد، لقد كان الصغار يلعبون في أفنية المدرسة، وفي أزقة الحي الترابية، وعلى أرصفة الشوارع بكل حيطة وحذر، ومن تلك الألعاب التي تعد من الموروث الثقافي الشعبي الذي خلفه لنا الآباء والأجداد، منها ما اندثر، وبعضها الآخر ظل صامدًا رغم مرور السنون. (لعبة البربر) بكسر الباء وسكون الراء في الحروف الأربعة، لعبة شعبية ذات صيت شعبي محلي في المنطقة الغربيّة، وشهرة عالمية يطلق عليها باللغة الإنجليزية اسم (Hopscotch)، ولها العديد من الأسماء مثل (أم الخطوط) أو (عظيم) أو (الخطة) أو(العتبة) أو (الأولى) وتعتمد اللعبة على الرجل اليمنى، وتبدأ اللعبة برمي حجر متوسط الحجم، أو قطعة مستديرة صلبة مصنوعة من المعدن أو الفخار على أرض صلبة مخططة بالطباشير، أو أرض رملية مخططة بالحفر، أو رصيف الشارع المقسم، ويكون شكل التخطيط مكونًا من ثلاث مستطيلات متساوية متتالية، ثم يأتي بعد ذلك مستطيلان متجاوران، ثم مستطيل واحد، ويليه مستطيلان آخران، وتكون هذه المستطيلات مرقمة من رقم واحد إلى ثمانية، ويفضَل أن يكون عدد اللاعبين اثنين، وممكن أكثر، وتبدأ اللعبة عندما يرمي اللاعب الحجر أو القطعة الصلبة داخل المربع الأول دون ملامسة حدود المستطيل، وعليه أن يقفز بين المربعات بقدمه اليمنى رافعًا القدم اليسرى وممسكًا إياها بيده اليسرى، والفائز في اللعبة من يرمي الحجر في جميع المستطيلات بالترتيب، ويحقق القفز بين المستطيلات بقدم واحدة ذهابًا وإيابًا، تدرّب اللعبة على مهارة التوازن أثناء القفز.   

وفي ليالي الحجر حظيت اللعبة باهتمام  ورواج  كبيرين؛ لأنها تعد من الألعاب الحركية التي تسهم في إفراغ طاقة الصغار، فلجأ التجار إلى تطويرها بحيث تمت طباعتها ليتمكن الصغار والكبار من اللعب بها داخل منازلهم حيث يتسامر الكبار مع الصغار ليحكوا لهم بعض من قصص الماضي والألعاب الشعبية التى كانوا يلعبونها في الماضي.

وفي أحد أركان المدرسة تقف مجموعة من الطالبات ينتظرن الخالة عائشة كعادتهنّ ليأخذوا منها حبلًا  ليلعبنّ سويًا لعبة الشِبر بكسر الشين وتسكين الباء

هناء: ها هي قادمة

سمر: من سيطلب منها الحبل اليوم؟ 

سلوى: لقد اعتادت على طلبنا لنذهب سويًا ونطلب منها حبل الطاقة الإيجابية.

ومن باب المقصف أشارت إليهنّ، لمعت أعين الجميع وانتشرت فيها السعادة.

ـ لقد فهمت ما نريد 

أقبلن جميعًا والسرور باد على محياهنّ، وبصوت وآحد: صباح الخير يا خالة عائشة.

ـ صباح النور والرضى والسرور حي الله حبيبات قلبي، الحبل جاهز 

تبسمن وشكرنها.

أمسكت كل من سمر وسماح بطرف الحبل وكان الحبل ممتدًا على الأرض، قفزت سلوى وهناءّ وسوزان ثم رفعت كل من سمر وسماح الحبل قرابة الشبر وقفز الجميع، في كل مرة تقفز فيها الفتيات ترفع سماح وسمر الحبل شبرًا آخر حتى أتت المهمة الصعبة الشبر الخامس الذي لطالما عجزن عن تخطيه باستثناء خديجة التي أقبلت عليهنّ وهي تركض بكل قوة، قفزت خديجة وتخطت الحاجز، صفقت لها الفتيات ووقفت هي في شموخ قائلة: ترى هل يمكنني أن أتخطى الشبر السابع؟ 

ذهلت الفتيات! جربت خديجة ولكنها وبعد تلك السرعة الفائقة وجدت نفسها تقف أمام الحبل وتقول: إنجاز أنني تخطيت الشبر الخامس، دعونا نغير اللعبة ونلعب شبرة أمرة، وبالفعل أمسكت سلوى وسوزان بأطراف الحبل ووقفت هناء في الوسط بين سوزان وسلوى وبدأن بتحريك الحبل بشكل دائري حول هناء وهي تقفز ويردد الجميع شبرة أمرة خمس نجوم كواكب هوا نلعب سوا…

كان يومًا ماتعًا استمتع فيه الجميع، لعبوا سويًا، وركضوا سويًا، ولمعت أنجمهنّ بعد ذلك في المستقبل وما زلن على تواصل دائم، فصداقتهنّ لم تتأثر بمرور السنين.

وفي الحصة السادسة لم تحضر الأستاذة هنية التي أنتظرها الجميع بشوق ووضعن لها رسائل في حقائبهنّ ليقدموها لها، فقد كانت من المعلمات المحبوبات، شعرن بالحزن لغيابها.

دخلت عليهنَّ المشرفة سارة: 

ـ اليوم أبلة هنية لم تحضر؛ التزمنَّ الهدوء. سميرة أنت عريفة الفصل في هذه الحصة،

تقدمت سميرة ووقفت أمام طاولة المعلمة وكأنها معلمة صغيرة، لم تمنع صديقاتها من اللعب بل قالت لهنّ بصوت بريء: لنلعب بدون إزعاج. لعب بعضهنّ إنسان حيوان. وهي لعبة لا تعتمد على عدد معين، ومن شروطها عمل جدول في ورقة، ويقسم الجدول إلى عدة أقسام يسجل فيها إنسان، حيوان، نبات، جماد، بلاد، المجموع. يحدد كل شخص حرفًا ليبدأ الجميع بالتسجيل في الجدول جميع الخانات بنفس الحرف ويتوقف الجميع عن الكتابة بمجرد ما يرفع أحدهم القلم معلنًا انتهاءه من ملء جميع الخانات، ثم يبدأ الجميع بقراءة جداولهم ومن تشابهت كلماتهم يحصلون على خمس درجات، ومن لم تتشابه كلماته مع كلمات أحدهم يحصل على عشر درجات، والفائز من يجمع أكثر عدد من النقاط.

وفي أحد زوايا الفصل جلست مجموعة من الطالبات يلعبن (الزقطة) سويًا. الزقطة لعبة الخمس حصوات، ويختلف اسمها من منطقة إلى أخرى فتسمى (الصقلة) أو (اللقطة) أو (القيوش) وهي لعبة من الألعاب الجماعية التي يلعبها الجنسان، البنات والأولاد، وكبار السن. وأدواتها في غاية البساطة وهي عبارة عن خمس حصوات متوسطة الحجم.

طريقتها: 

تجمع حصوات «خمس حصوات» صغيرة عادةً من الصوان المدور صغير الحجم، وتمارس هذه اللعبة من خلال لاعبين اثنين أو ثلاثة، ويقوم كل واحد بقذف إحدى الحصوات عالياً ليلتقط في المرة الأولى حصوة من الحصوات الأربع الباقية على الأرض أمامه وبين اللاعبين، وفي المرة الثانية يقذف حصوة عالياً بالهواء ثم يلتقط حصوتين ثم ثلاثة وواحدة، ثم يلتقط الأربع سويًا بعد ان يقذف الحصى عاليًا، ثم يقوم بقذف جميع الحصوات محاولاً أن يجمعها على ظهر كفه، ثم يختار واحدة منها بنفس الطريقة في نهاية الجولة يحاول أن يدخل الحصوات خلال قوس شكله بيده الأخرى فإن استطاع إدخال جميع الحصوات حسبت له نقطة، ويلعب بعده اللاعب الآخر وهكذا تدور الأدوار بينهم، ويسجلون عدد النقاط لمعرفة الفائز في نهاية الجولة.

رن جرس الحصة ولم يشعرن بالوقت، انتهى اليوم الدراسي وكان يومّا حافلًا استمتع فيه الفتيات بيوم دراسي جميل، خرجت الطالبات اللواتي يسكن في الحي وعدنّ إلى منازلهنَّ مشيًا على الأقدام، وانتظرت الأخريات آباءهنّ، وأثناء الانتظار قرر جميع من في الساحة ان يلعبن سويًّا لعبة الأركان، حددت إحداهن الأركان وقفت كل واحدة منهنّ في مكانها المخصص لها ثم شرعن في اللعب.

لعبة الأركان: هي أحدى الألعاب الشعبية القديمة المميزة المفيدة الممتعة، حيث يمارسها الأفراد من كِلا الجنسين، الذكور الإناث، سواء كانوا صغار أو كبارًا، كما يمكن ممارستها في أي وقت.

 تهدف اللعبة إلى رفع مستوى اللياقة البدنية لاعتمادها على الركض والسرعة ونشر أجواء المرح والبهجة والتحدي بين الأشخاص، ولممارسة هذه اللعبة يلزم توافر أربع أشخاص على الأقل مع وجود حكم لتحكيم على مجريات اللعبة، تعتمد على توفير مساحة مناسبة للتنقل بين أركانها على أن تكون نظيفة خالية من المعوّقات، وتهدف هذه اللعبة إلى تمكين اللاعب من تطوير مهارة السرعة لديه وتمكينه من الاتزان واليقظة، وتمكنه من التوافق الحركي بينه وبين أصدقائه أثناء اللعب، فيشعر أعضاء الفريق بالانتماء، ويمكن من خلال الممارسة الدائمة للعبة أن تأثر على الرشاقة وتحسن عمل الأجهزة الحيوية في الجسم.

طريقتها يقف اللاعبين في الأركان المخصصة لهم، ويقف في الوسط أحدهم ويهدف إلى احتلال ركن من الأركان أثناء تنقل اللاعبين بين الأركان، فإن تمكن من احتلال ركن وقف من احتل ركنه في الوسط فيحاول هو كذلك احتلال أحد الأركان أثناء تنقل اللاعبين.

وكذلك تتميز هذه اللعبة بالحماسة، وعلى كل لاعب أن يكون متأهبًا سريع البديهة والبدن أثناء التنقل بين الأركان.  

في الابتدائية السابعة والعشرون، في مكة المكرمة، قضى الطالبات أمتع الأوقات وأجملها، وها هنّ اليوم منهنّ المعلمة، والمرشدة، والمديرة، والطبيبة، وربة المنزل، والكاتبة والفنانة التشكيلية، لو عادت بهنَّ عجلة الزمان لاستمتعنّ أكثر وللعبن أكثر وأكثر. 

الفنانة التشكيلية جود عسيري.

لوحة الفنانة التشكيلة أشواق الفايدي.

لوحة الفنانة التشكيلية عواطف الزهراني.

*كاتبة وفنانة تشكيلية

التعليقات

  1. يقول منال عبدالله صقير:

    حروف صغتيها برائحة الزمن الجميل لتدندن على اوتار الذكريات وتفوح في الاجواء اجمل اللحظات التي نقشت في ذاكرتنا بتفاصيلها الجميلة ….سلمت اناملك التي صاغت هذه المنظومة يامبدعة

  2. يقول عمر الجهني:

    لا جديد
    ابداع مستمر
    وتألق دائم
    ما شاء الله تبارك الله
    أ. سلوى الانصاري

  3. يقول خديجة عبدالله:

    بسم الله ماشاء الله د. سلوى
    ابداع و تميز
    ذكريات الايام الجميلة مع الاسماء عدت الى الوراء و تذكرت الوجوه الجميلة الحنونة الدافئة،
    شكرا لك مقالك جاء في الوقت المناسب
    الثقة و القوة و الاصرار
    ننتظر المزيد د. سلوى

  4. يقول سلوى الأنصاري:

    مروركم شرفني وتعليقاتكم اسعدتني كثيرًا
    شكرًا لصديقة الطفولة خديجة التي مازالت ذكرياتي معها محفورة بأعماقي
    والف الف شكر لمبدعتنا الفنانة التشكيلية منال الصقير
    والشكر عاجز عن شكر دكتورنا الفاضل الدكتور الملهم عمر الجهني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود