مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

عائشة بناني* كنت أنظر للأرض حولي وقد أصبحت كريمة بألوانها الزاهية، وأتساءل كيف ل …

حبر في الفجر

منذ سنتين

732

0

عائشة بناني*

كنت أنظر للأرض حولي وقد أصبحت كريمة بألوانها الزاهية، وأتساءل كيف لفصل الربيع وحده أن يحظى بشغفنا فقط؟ ألأنه يشهد تفتح الزهور وتصبح شمسه دافئة أكثر؟!
ألا تنمو النباتات خلسة في فصل الشتاء، ولا أحد يستطيع أن يتذكره كفصل محبوب؟!

حين رأيت شقائق النعمان وأنا في طريقي للمنزل، تمسكني فرح طفولي لأسرع للبيت وأخبر أمي فما زالت هي دوما تلك الفتاة الصغيرة التي تعشق الأشجار والأزهار وتفرح لتفتح الورود.
أتذكر وأنا طفلة في الخامسة من عمري حين انسللت من فراشي في منتصف ليلة صيفية، لأتأمل القمر والنجوم حوله من سطح منزلنا، يبدو أنها أحست بصعودي الدرج وتبعتني وبدلًا من أن تردني لسريري انضمت إلي ننظر للقمر معا وقد بدا عروسا تتلألأ في ليلة عرسها، نظرت لعينيها وقد أشع منهما نور يضاهي نور القمر، وإلى شعرها الأسود الطويل الفاحم الذي بدأ كحبر مراقٍ في فجر يقترب منا ببطء ثم غفوت في حضنها.

أمي لم تبرح ذهني أبدا وهي تنازع في الشهرين الأخيرين قبل وفاتها، حيث يسارع الداء ليعطل أعضاء جسدها عضوا عضوا لكأنه يقتات من ضعفها، ومع ذلك لا تزال تستمر في الإعجاب بضوء الشمس وهو يداعب جسمها العليل، ويتغلب على النافذة المغلقة؛ خوفا عليها من رياح الخريف أن تأخذ ما تبقى من قوتها، يدخل النور مع ذلك من بين الشقوق ويستقر في حضنها.
وقبل وفاتها بثلاثة أيام فقط، وحيث كان الجو دافئا، فتحت النافذة لنراقب معا نور الظهيرة وهو يخبو رويدا رويدا، الرياح تتلاعب بأغصان شجرة اللوز التي تغطي حديقة منزلنا، حيث كنا نجلس هناك معاً من قبل، نراقب الطيور تحلق نشيطة منها وإليها طلبت مني وعلى غير عادتها وتحت استغرابي أن أغلق النافذة، مشيحة بنظرها عن منظر الجمال ذاك، وقد بدا وقحا بجماله وبراءته ولا مبالاته بعذابها، وأغمضت عينيها منسحبة من لعبة النور والحياة اللذين لم تعد من عالمهما.
وأنا أسارع الخطى للمنزل اليوم لأخبر أمي عن البراعم المتخمة بالحياة وقد تفتحت، وعن رائحة الخزامى النامية حول الممشى المؤدي لمنزلنا والذي كانت تصنع منه أكياسا معطرة تخفيها في ملابسنا
تذكرت أن أمي لم تعد من عالمنا، لقد تمكن منها السرطان ولم يمهلها لأكثر من ثلاثة أشهر قبل أن تقول وداعا لأولئك الذين تحبهم وللجمال حولها.
فقدتها منذ أكثر من عام وما زلت أفكر في أن أسألها عن أشياء عديدة وأن آخذ رأيها في أشياء أخرى.

 

*كاتبة من المغرب

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود