مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

وليد قادري* دفوف وطبول وصوت كأنه ثلاثة عشر غرابًا يحتضر، إن الذي أقنع هذه المطرب …

حفلة في رأسي

منذ أسبوعين

40

0

وليد قادري*

دفوف وطبول وصوت كأنه ثلاثة عشر غرابًا يحتضر، إن الذي أقنع هذه المطربة بأن صوتها يصلح للاستهلاك الآدمي فهو يستحق الشنق بحبل غسيل مهترئ، يزداد الصوت وينخفض وكأن أحدهم وضع عند أذني جهاز التحكم عن بعد، أود الاستيقاظ بشدة لكن جسدي وعينيّ لا يطاوعاني، رغم أنني واعٍ كشخص عاد من غيبوية عميقة، ألم يجد الجيران موعدًا لطقوس فرحهم إلا آخر الليل؟!

لم أعد أحتمل فخرجت متثاقلًا إلى صالة المنزل، الجميع نائمون، لطالما حسدت الأشخاص الذين ينامون بعمق وسط العواصف والحروب وعتاب الأحبة ومدرس يشرح درسًا مملًا بحماس لا يلاحظه أحد، كيف لا يسمعون هذا النعيق المتواصل المبتهج وكأنها حفلة عزاء؟!
فكرت في الخروج إلى الشارع وتقديم شكوى للجيران لعلهم ينهون هذه الليلة بسلام قبل أن أرتكب جريمة ثم أبلغ الشرطة، فلن أذهب للشرطة وأنا أعاني من صمم جزئي؟!

الشارع هادئ كأفكار شخص يدعي السعادة، إضاءة خافتة متقطعة من عمود الإنارة الذي يسبق وجوده كل البيوت في حيّنا، السيّارات نائمة، البيوت جاثمة على صدر الشارع، والحيوانات في سبات عميق، وليس هناك صوت يحتفل من بيت الجيران، لعلهم شعروا بالخجل من إيقاظ نصف سكان الكرة الأرضية، أولم يجدوا غير ساعات السحر ليحتفلوا؟!

صعدت للمنزل، مع كل درجة أخطوها للأعلى يعود الصوت، هل كانوا في استراحة عندما كنت بالشارع، ولكن لم يكن هناك زحام سيارات المنتظرين المعتاد، أحاول أن أميز الأغنيات التي أسمعها بقليل من التركيز لكن لا فائدة، اللحن معروف وشعبي ومزعج لكن الكلمات يتهيأ لي أنها بالعربية لكنها ليست كذلك، هل هو زفاف للمتحدثين بالأمهرية أو الأمازيغية أو لهجة عربية لا نفهمها، سأستبعد العبرية فليس هناك يهود في حارتنا وإن كان بعض الجيران لو انتقل لدولة الكيان الصهيوني لتعوذوا منه..

عدت إلى الشارع مجددًا، هدوء تام، عدت أدراجي إلى درج المنزل، يزداد الصوت مع كل درجة أصعدها، دخلت المنزل فإذا بالحفلة تزداد صخبًا في رأسي، هل أنا أتوهم؟! أيقظت كل من بالمنزل لأسألهم إن كانوا يسمعون شيئًا فلعل هناك من نسي هاتفه أو جهاز الكمبيوتر على مقطع حفلة موسيقية من الجحيم، استنكروا فعلتي بإيقاظهم من نوم يأكلون فيه أرزًا بالحليب في السماء وإجبارهم على أن يعودوا للأرض ويستيقظوا على منظر شعري المنكوش ونظارتي السميكة وسؤالي السخيف: هل تسمعون صوت الحفلة؟!

مرّ عامان على هذه الحادثة، حواسي معطلة، صداع لا ينتهي، شرود في الفراغ، لم أترك طبيبًا مختصًا أو شخصًا روحانيًا لم أسأله عن حالتي، كل الأشعات لأذني سليمة، كذلك كل التشخيصات النفسية والعقلية وليس هناك آثار سحر أو عمل بالمنزل، لو كان هناك عيادة تنزع الأصوات من عقلي كما ينزعون الأسنان لتوجهت إليهم، لم أعد أسمع شيئًا يذكر عدا الحفلة، كل حواراتي تنتهي بهز الرأس أو طلبي ممن يحاورني بالكتابة حتى أفهم، بدأت أميز بعض الأصوات في الحفلة وأتعلم لغتهم، هناك من يقول لي بأنني ممسوس أو أن جنية عاشقة قررت الزواج مني وهم يحتفلون منذ وقتها، لا أعلم أي جنية محترمة تقبل بي وسط هذه الحياة الصاخبة داخل وخارج رأسي، ليس لي مجال سوى التقبل، أوليس يقال إن لم تستطع المقاومة، فحاول الاستمتاع على الأقل، إن علمتم عن حل لمعضلتي فأخبروني وأعدكم بألا أدعوكم لهذه الحفلة.

 

*كاتب من السعودية

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود