48
047
047
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11847
05073
04982
04806
04481
0بدر العوفي*
أظهر الفيلم الأمريكي World War Z نجاة دولة واحدة فقط من آثار كارثة اجتاحت العالم بأكمله. وعند التحقق من ذلك، أشار مسؤولي هذه الدولة تبنيهم لنهج “الرجل العاشر” قبل حدوث الكارثة! ومفاد هذا النهج أنه عند إجماع أفراد (فريق عمل) مكون من تسعة أشخاص على رأي، فإن مهمة “الرجل العاشر” تكون بمحاولة معارضة هذا الرأي، والتشكيك المتعمد لصحة رأي المجموعة، باعتبار الاحتمالات الأخرى غير الظاهرة! [1]
أشارت المصادر إلى استحداث جوهر هذا النهج من عبارة لرئيس مجلس إدارة جنيرال موتورز -ألفريد سلون- في ختام أحد اجتماعات كبار التنفيذيين، حيث لخص سلون نقاش المجموعة حول شأن معين بقوله: “أعتبر أننا جميعًا على اتفاق تام بشأن القرار هنا” وعند ملاحظة إيماءات الجميع بالإيجاب والاتفاق، تابع: “إذن أقترح أن نؤجل النقاش حول هذه المسألة لإعطاء أنفسنا الوقت لتغيير رأينا، واكتساب بعض الفهم حول معنى هذا القرار”! [2]
تهدف هذه المقالة إلى استعراض مفهوم مبدأ “الرجل العاشر” في مجالات عالم الأعمال والمجالات المهنية. كما تهدف إلى استعراض تطبيقات هذا المبدأ ذات الصلة في إدارة المخاطر.
القرارات والبدائل: نظرة أشمل لتعزيز الثقة!
تتلخص مهمة “الرجل العاشر”، الذي يشار إليه ببعض المصادر بالمجادل الشكلي [3] وأيضاً (Devil Advocate) [4]، في صنع بدائل محتملة للقرار، مع محاولة الدفاع عن هذه البدائل بأسلوب نقدي مدعم بالأدلة. يهدف ذلك من جانب إلى تعزيز الثقة بالقرار واستيعابه من كل جوانبه، كما أشار سلون، ومن جانبٍ آخر إلى سن خطط بديلة لمعالجة الفجوات المحتملة عند تنفيذه. وفي هذا السياق، أظهرت الأبحاث أن تمرين التفكير الاستباقي بالجوانب المحتملة لفشل المشاريع يمكن أن ينقذ هذه المشاريع بنحو ٣٠٪! [5] [6]
كما يشار إلى أن عالم الأعمال يوجب اعتبار كل منظور متحيز وناقص، [3] وهو ما يدعو إلى ضرورة خلق بدائل للقرار تمكن من المقارنة والتحليل. وهذا ما ذهب إليه عالم الإدارة بيتر دراكر حين قال: “القرار دون وجود بديل له أشبه برمية مقامر بائس، بغض النظر عن مدى العناية التي نوليها عند التفكير في هذا القرار”! [7]
العقل الجمعي: استعارة العقول ووهم الصواب
“ما هو صواب ليس دائمًا بالأمر الشائع، وما هو شائع ليس دائمًا بالأمر الصواب”. [8] كثيرًا ما يستشهد بهذه العبارة للدلالة على نسبية صحة الآراء، وعلى تأثير “العقل الجمعي” في تشكيل آرائنا! والعقل الجمعي: هو ظاهرة اجتماعية، يفترض فيها الأفراد أن آراء المجموعة في حالة معينة تعكس توجهًا صحيحًا، فيفقد الفرد قدرته على تحديد الخيار بافتراض أن الآخرين على دراية أعمق. [9] [10]
وفي عالم الأعمال، كثيرًا ما يقف “العقل الجمعي” حاجزًا منيعاً أمام حضور “العقل النقدي”! فنجد أننا متجهون غالبًا إلى قبول الرأي المعروض وإن لم يكن صوابًا بالضرورة! وهو ما اعتبره الباحث فؤاد زكريا أحد عوائق “التفكير العلمي”، الذي عبر عنه بالخضوع للسلطة، سواءً تمثلت هذه السلطة في رأي ذي المنصب أو العرف السائد أو شيوع الفكرة [11]. ومن هنا، تتم الإشارة إلى فاعلية (الرجل العاشر) في كسر قالب “العقل الجمعي”، وتفعيل حضور “العقل النقدي” عند مناقشة القرارات [12].
الاختلاف الخلاق: والضدٌّ يُظهرُ حسنه الضدُّ!
لعله من الطبيعي أن يقود التوافق بين الأفراد إلى تشكيل المجموعات. فالناس يميلون بطبيعتهم إلى من يشاركهم الاهتمامات أو طرق التفكير. ثم إن هذا التوافق محتمل الترقي لبلوغ مرحلة الانسجام، كما يقترح نموذج تاكمان لتطور الجماعة. [13] هذا وإن كان ذا أثر إيجابي على الصعيد الاجتماعي، إلا أنه يحد من قدرات الفريق على الصعيد المهني. باختصار، لأن المتشابهين ينظرون في نفس الاتجاه، ويحملون نفس الأفكار! أما عملية صنع القرار فتتطلب الاختلاف، وتكون أجود ممن “ينظرون إلى البيانات المتفق عليها، فيرونها بشكل مختلف، ويتوصلون إلى استنتاجات مختلفة”. [3]
يعتبر إبراهام لينكون أحد أهم الرؤساء الأمريكيين الذين وحدوا الولايات، وقضوا على الفتن، وهو الرئيس الذي كافح حتى انتصر بتحرير العبيد! [14] تؤكد الكاتبة الأمريكية دوريس جودوين في كتابها، الذي حصد الكثير من الجوائز: Team of Rivals أن العبقرية السياسية لإبراهام لينكون تعود إلى طريقته الفذة بإشراك منافسيه الرئيسيين كأعضاء في فريقه الرئاسي عند توليه مقاليد السلطة. وبخلاف ما قد نظنه من أن يقود ذلك إلى الاختلاف ويشل عملية صنع القرار، تؤكد الكاتبة جودوين أن طريقة لينكون قد أنتجت عملية فريدة بصنع القرارات المدروسة والدقيقة في عدد من القضايا الحرجة. [15]
في هذا السياق، تشير المصادر إلى دور “الرجل العاشر” في خلق (اختلاف خلاق) كفيل بتسليط الضوء على ما لم يألفه أعضاء الفريق المتجانس! [16] وهنا يشير فيكرام مانشاراماني -محاضر في جامعة هارفارد- في كتابه: فكر لنفسك، أنه كثيرًا ما دُعيَ إلى اجتماعات تنفيذية لشركات قيادية لتولي مهمة “الرجل العاشر”. ما يحدث مزيجًا من الشك واليقين في عقول وقرارات أعضاء الاجتماع، يتلوه منهج محكم لصنع القرار يضع بالاعتبار خططًا مدروسة لكل المخاطر المحتملة! [3]
كشف النقاط العمياء: النظر بالعين الثالثة!
هناك تقنيات ووسائل ذات فعالية بالكشف عن النقاط العمياء، أو نقاط القصور، لدى الأفراد وفرق العمل. ومن أهم هذه التقنيات: نموذج (نافذة جوهاري) الذي تم استحداثه من قبل عالمي النفس جوزيف لوفت وهارينغتون انغهام في عام ١٩٥٥، ولا يزال ذا استخدام واسع بكتب إدارة الأعمال وإدارة العلاقات. يقسم هذا النموذج سمات الأفراد -وفرق العمل- إلى أربع مناطق استنادًا إلى معرفة الفرد بنفسه ومعرفة الآخرين عنه (الشكل أدناه). وتكون المنطقة العمياء ضمن إطار ما لا نعرفه عن أنفسنا، لكن يعرفه عنا الآخرين، المربع رقم ٢. [17] ورغم أن النموذج صمم تحديدًا لمساعدة الأفراد على اكتشاف سماتهم وفق منظور الآخرين، إلا أنه قد شاع استخدامه بعد ذلك كأحد تمارين الإدراك للكشف عن النقاط العمياء لدى فرق العمل. [18]
عند تحقيق مرحلة الانسجام في فريق العمل، يمكن أن يمتلك فريق العمل وجهات نظر متشابهة، تنظر في اتجاه واحد. ورغم أن ذلك يزيد من قوة الفريق باعتبارات عدة، لكنه ذو أثر سلبي في عملية تحليل مخاطر القرار، لما قد ينشأ عنه من (منطقة عمياء) للفريق بأكمله! فيكون من الضرورة وجود (آخر) يستطيع رؤية ما لا يراه أعضاء الفريق المتجانس، لتشتيت احتمالية النظر باتجاه واحد خلال مرحلة تحديد المخاطر المحتملة للقرار! [19]
الخلاصة: من مأمنه يؤتى الحذر!
هناك عدد من المخاطر التي يمكن أن ننظر إليها دون أن نراها، والسبب هو أن (الخبرة) لها توهج يحجب رؤية التفاصيل الصغيرة! وهذا ما قصده مارك توين حين قال: “ليست الأشياء التي لا يعرفها الناس هي التي تسبب المخاطر، بل الأشياء التي يعرفون أنها لا تفعل”. [20] فالخبرة في كثيرٍ من الأحيان تغلق أذهاننا أمام بعض الاحتمالات، وتحجب رؤانا عن التفاصيل. ولهذا نظل بحاجة إلى (آخر) لاطلاعنا بمنظورٍ مختلف عما نألفه، وما نظن أنه ليس بذي صلة! وبقدر حاجتنا -عند اتخاذ القرار- إلى العمق (المتخصص)، فنحن أيضًا بحاجة إلى سعة الأفق (الرجل العاشر)، لنكون بذلك ضمن مساحة القرار بكل اتجاهاته المحتملة!
___________________
المراجع:
[1]
Eric Basu, “What World War Z Can Teach You About Critical Thinking” Forbes, 2013.
[2]
“Alfred Sloan,” The Economist, 30 June 2009.
[3]
فيكرام مانشاراماني، فكر لنفسك: استعادة المنطق في عصر الخبراء والذكاء الاصطناعي، مكتبة جرير، ٢٠٢٢.
[4]
Craig Dowden, “Why every executive team should have a Devil’s Advocate” Financial Post, 2015.
[5]
Deborah J. Mitchell, J. Edward Russo, Nancy Pennington, “Back to the future: Temporal perspective in the explanation of events” Journal of Behavioral Decision Making, 1989.
[6]
Gary Klein, “Performing a Project Premortem” Harvard Business Review, 2007.
[7]
Peter Drucker, The effective Executive, New York: Harber Collins, 2017: pp 150.
[8]
Terri Scandura, Kim Gower , Management Today: Best Practices for the Modern Workplace, SAGE Publications, 2019.
[9]
Adam Corner, Social norm strategies do work – but there are risks involved, The Guardian, 2011.
[10]
عبدالله القفاري، “العقل الجمعي بين التعصب والإنصاف”، جريدة الرياض، ٢٠١٦.
[11]
فؤاد زكريا، التفكير العلمي، موسسة هنداوي، ٢٠١٨.
[12]
Torben Emmerling and Duncan Rooders, “7 Strategies for Better Group Decision-Making,” Harvard Business Review, 2020.
[13]
Martin , Outdoor Leadership: Theory and Practice, Human Kinetics, 2006.
[14]
James Lindgren, “Ranking Our Presidents How did 78 scholars decided how to rank the presidents from Washington to Clinton?,” Wall Street Journal, 2000.
[15]
Doris Goodwin , Team of Rivals: The Political Genius of Abraham Lincoln, Simon & Schuster; Illustrated, 2016.
[16]
Elizabeth MacBride, “Do You Have a Contrarian on Your Team? A divergent opinion can lead to more creative and better decisions.,” Stanford Business, 2015.
[17]
Nancy Borkowski , Organizational Behavior in Health Care, Jones & Bartlett Learning, 2011.
[18]
هاميش طومسون، ليس من الصواب أن تكون دائمًا على صواب؛ ودروس قيادية أخرى تم تعلمها بصعوبة، مكتبة جرير، ٢٠٢٢.
[19]
Kevin Cuthbert, “Facing your blind spots,” BTS, 2021.
[20]
Jim Manney, What Matters Most and Why, New World Library, 2022.
*كاتب سعودي
التعليقات