48
047
047
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11847
05073
04982
04806
04482
0
*علينا أن نتعايش مع التعدد والاختلاف
*بعض الشعراء يخطون قصائدهم من أبراجهم العاجية
*هذا ردي على من يقول بموت الشعر
*أنا لا أتعمد الإغراب
حوار_محمد بن يحيى عسيري
حسن شهاب الدين شاعرٌ مختلف، يرى أن مساحة الجمال في الأرض تزداد بكثرة الشعراء، يسعى لكتابة نص حديث يعيد تشكيل العالم، الشعر كما يعلن دائماً هو نافذته للحياة وطوق نجاته.. ولد عام 1972 في مدينة القاهرة، نشر شعره في المجلات والصحف في مصر والبلاد العربية، له عدد من الدراسات الأدبية المنشورة في المجلات العربية حصل على عدد من الجوائز الأدبية وشارك في كثير من المؤتمرات والمهرجانات الشعرية في مصر والبلدان العربية، كُتبتْ عن تجربته الكثير من الدراسات النقدية، صدر للشاعر: شـُرفة للغيم المُتعَب ومـُتوَّجٌ باسْمي وأعلى بناية الخليل بن أحمد، وخيمة لمجنون الصحراء وأثري في المرآة وجغرافيا الكلام وديوان واحدٌ بأسْرِه وديوان طفل يركض في الأساطير وديوان مُتَّهَمٌ بخداعِ العالم و”الجنة الصغيرة” للأطفال وديوان كأوَّلِ شاعرٍ في الأرض وديوان مجاز مختلف وأشجار هاربة من الغرفة.
تضع في هاتفك المحمول عبارة: الحياة رسالة. ما رسالة الشاعر حسن شهاب الدين في الحياة؟
– رسالتي في الحياة أن أكون صوتًا لمن لا صوت له.. أن أضيء بمصباح الشعر ما في الحياة من جمال وما في قلوب الناس من نقاء، وأن أمد يدي للآخر مصافحًا إياه بهذه القصائد التي أطمح أن أفتح أبوابها لكل عابر في طريق هذه الحياة.
تمامًا كما قلت في قصيدة لي:
(عملي.. أعيدُ الأرضَ أجملَ رغم ما
في الأرضِ من قتلى ومن فوضى دمِ
أوراقي البيضاءُ بابُ محبَّةٍ
للناسِ تدخلُها وفيها تحتمي)
النصوص الشعرية التي تدرس للطلاب في المراحل الدراسية الأولية متهمة بأنها ساهمت في صرف النشء عن الشعر الفصيح وكراهيته.. هل تؤيد هذا الرأي؟
– ربما كان ذلك بسبب طبيعة المناهج الدراسية التي يجب أن تكون شاملة وتغطي فترة طويلة من الأدب العربي في صفحات قليلة، لكني أظن أن ذلك كان قبل تطور نُظم التعليم والانفتاح على طرائق تدريس جديدة وانتشار الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تسمح بالاطلاع على نماذج رفيعة من الأدب العربي.
*علينا أن نتعايش مع التعدد والاختلاف
من يناصر الشعر الحر يقول أنه أصدق في التعبير من الشعر الخليلي (المقفى والموزون) ما رأيك؟
– علينا أن نتعايش مع فكرة التعددية والاختلاف لأنها إحدى سنن الكون ثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا وحتى عقائديًا، ويبدو لي أن فكرة الإقصاء فيها شيء من التعالي وهذا لا يليق بالمثقف الواعي الذي يطمح إلى التكامل مع إبداعات الآخر أيا كان نوعها، فما بالك إن كان الإقصاء قائمًا على مجرد اختلاف الشكل.
هناك موضوع جدلي قديم ونريد أن نعرف رأيك فيه، وهو ” إمارة الشعر “، فهل يجب أن يكون للشعر أمير؟ ومن برأيك أحق بهذا اللقب في الماضي وفي حاضرنا اليوم؟
– بالطبع لا يجب أن يكون للشعر أمير، وإلا كان بقية الشعراء له جند ورعية و… لكن الأمر هو أن الموروث الثقافي العربي العريق دأب على أن يفضل شاعرًا ما ويقول عنه إنه أشعر الناس أو يفضل بيتًا شعريًا لأحد الشعراء ويقول عنه إنه أمير شعره، وهو الموروث الذي يفضل أيضًا الثنائيات، فعندما يذكر جرير يجب أن يذكر الفرزدق وعندما يذكر شوقي يذكر معه حافظ وكذلك عدد مما ورثناه من ثيمات تراثنا الأصيل، وهي على الأغلب كانت آراء جزئية تعتمد على خطرات نقدية عابرة وترتكز بصورة كبيرة على شعبية الشاعر وحضوره ومع تقدم وسائل النقد وشمولية الرؤية للمنجز الأخير لكل شاعر، يتضح لنا أن كل شاعر له ما يميزه وله ما يضيفه إلى صفحات ديوان الشعر العربي وتنتفي معه فكرة الأفضلية على الأقل من وجهة النظر النقدية، أما المتلقي فله أن يميل أو يفضل من الشعراء من بجد عنده ما يروى ظمأ روحه.
*بعض الشعراء يخطون قصائدهم من أبراجهم العاجية
يبدو الشعر اليوم معزولًا عن المجتمع، متجنبًا لقضاياه وأزماته، غارقًا في المحسنات اللغوية والخيال ومتمحورًا حول ذات الشاعر. برأيك هل هذا الاتهام صحيح؟
– لا أنكر أن هناك قصائد يخطها بعض الشعراء من أبراجهم العاجية، وهي بالطبع موجودة في كل عصر وفي كل ثقافة، لكنها لا تمثل الشعر الجاد الذي يأخذ على عاتقه مهمة بناء الإنسان وإعادة قراءة الواقع، ويعرف شاعره دوره الوجودي الكبير كما يعرف معنى مسئولية الكلمة ويقدر تلك الموهبة التي منحها الله تعالى له.
يُتهم الشعر بأنه “عمل الكسالى“ و”المنتج الأسهل” وأنه غدا مملًا وكئيبًا، ويُستخدم بكثرة ليملأ المناشط الثقافية دون تجديدٍ أو إبداع؟ هل توافق؟
– يمكنني أن أوافق على هذا الرأي، إذا أثبت لي قائله أن المتنبي والمعري وشوقي وغيرهم من بناة حضارة الكلمة كانوا كسالى ويمارسون الشعر ترفًا لغويًا، لكنني أؤمن بأن الشعر فعل جاد وشاهد على تاريخ وطننا العربي العظيم، كما أن الكثير من شعرائنا كانوا من رجال السياسة واحتلوا مراكز خطيرة في تاريخنا؛ لذلك لا أوافق على هذا الرأي وأرى أن الشعر ركيزة ثقافية أساسية وفعل للتغيير وبانٍ لحضارة العرب التي بدأت بكلمة (اقرأ).
*هذا ردي على من يقول بموت الشعر
البعض يرى أن “موت الشعر” أصبح حقيقةً مؤكدة، وأننا لم نعد بحاجة إلى الشعر ولا الشعراء. هل توافق هذا الرأي؟
– هنا يجب أن نفهم أولًا طبيعة الشعر ودوره الكبير في تشكيل وجدان الشعوب والكشف عن مواطن الجمال في الحياة، والإجابة عن الأسئلة الوجودية الكبرى، أما تلك المقولات فيجب عليها أولًا أن تفسر لنا دور الموسيقى والغناء والفن التشكيلي والنحت والرياضة وغير ذلك، وهل تلك الفنون ماتت هي الأخرى كما ينبغي على الشعر أن يموت مثلما يقولون أم أن الحياة لا تزال تحتاج للشاعر وللشعر، كما تحتاج إلى بقية الفنون الراقية وكما تحتاج الطبيعة إلى وردة متفتحة وجدول مائي صغير وجبل مهيب وظل شجرة يلهو تحتها طفل جميل.
هناك ظاهرة لا تخطئها العين ألا وهي نظر شعراء الفصحى تجاه شعراء الشعر العامي (الشعبي) بفوقية واستعلاء، رغم أن الأخير أكثر جماهيرية وانتشارًا، برأيك ما تفسير ذلك؟
– في إجابتي السابقة حول تفوق شكل ما على الآخر قلت إن التعددية والاختلاف من سنن الله تعالى في الكون، وأن على المثقف الجاد والمبدع الحقيقي أن يبحث عن التكامل لا عن الإقصاء؛ لذا فإن مبدعي كل عصر باختلاف أشكال إبداعاتهم من شعر (فصحى أو عامية) وقصة ورواية ومسرح وغير ذلك، هم جميعًا قائدو مسيرة الحياة نحو مستقبل أفضل والعودة بالإنسان إلى براءته الأولى؛ لذا لا يمكن لأي فريق أن يدعي امتلاك الحقيقة وحده وينظر للآخر باستعلاء أو فوقية.
تقول إن “الشعر هو طوق نجاتك” ، كيف توازن ذلك مع المقولة الشهيرة (أعذب الشعر أكذبه)؟
– لنفهم أولًا معنى تلك المقولة الشهيرة، وهي من وجهة نظر النقد القديمة تعني أن الشاعر كلما بالغ في الوصف وصف جمال الطبيعة أو وصف شجاعة وكرم ممدوحة أو وصف مشاعر الحزن على الراحلين، أي المبالغة في تلك الأغراض الشعرية القديمة، كان أفضل وأكثر شعرية من الآخر، لكننا تجاوزنا تلك القواعد النقدية الضيقة وانفتحنا على رؤى إبداعية شاسعة وتجارب كتابة كبيرة؛ لذا لا أرى في كلمتي أي صلة بينها وبين تلك المقولة أو غيرها، وعن كلمتي تلك أقول في بيتي الشعري الذي قدمت به مختاراتي الشعرية الثانية (أشجار هاربة من الغرفة) وهو:
( ما كان شِعْرًا.. كان طوقَ نجاتي
احتجتُ كي أتنفَّسَ الكلمات)
ديوانك “متهم بخداع العالم” كان مختلفًا؛ حيث كان نصيًا وليس شعرًا. اشرح لنا تلك التجربة؟
– أنا شاعر مسكون بهاجس التجديد لا أحب تكرار ذاتي وفي كل ديوان جديد لي أحب أن أكتشف مسارات للقصيدة لم تكتشف من قبل، وهي عادة تعودها معي أصدقائي القراء؛ لذا أحاول أن أخرج قليلًا عن مدار القصيدة الرتيب وأنطلق في فضاءات جديدة لنصي الشعري، وقد لاحظ النقاد والدارسون لشعري ذلك الأمر وتحدث كثير منهم عن المصالحة بين الأشكال الشعرية في أعمالي وفي ديوان (متهم بخداع العالم) كما في غيره من أعمالي الشعرية التي وفقني الله تعالى فيها، أعطيت مساحة واسعة للتجريب ومنح القصيدة أبعادًا واسعة عن طريق التناص مع إبداعات أخرى ليست بالضرورة أن تكون شعرًا، بل كان نصي محاورًا للفن التشكيلي ولوحاته العالمية وللسينما وللسيمفونيات الموسيقية الخالدة، ما يمنح النص ثقلًا معرفيًا وحضاريًا كبيرًا.
*أنا لا أتعمد الإغراب
“أرارات” هذا اسم لإحدى قصائدك، ما المقصود بـ أرارات؟ وهل تلجأ للألفاظ الغريبة للإثارة ولفت الأنظار؟
– الحقيقة لا أرى أية غرابة في اللفظ فهو اسم الجبل الذي رست عليه سفينة سيدنا نوح عليه السلام، ومن ثم ابتدأت البشرية تاريخها الطويل؛ لذا فلا تعمد للإغراب بل إشارة بسيطة إلى طموح قصيدتي أن تكون جبلًا تلجأ إليه سفينة الحياة وتبدأ منه البشرية مستقبلًا موعودًا بالخير والحق والجمال.
كلمة أخيرة توجهها لمجلة “فرقد” وقرائها؟
– لن أجد أجمل من الشعر ليكون هديتي إلى مجلتنا الرائعة فرقد وفريق عملها المميز وقرائها الكرام، وإليهم أهدي قصيدتي (أرارات) لعلها أن تكون مرساة لهم من صخب الحياة وضجيج محيطها المضطرب.
أرَارَات
**
تكونُ سواكَ..
لكنْ مَنْ يكونُكْ؟
وكلُّ قصيدةٍ أُنْثَى تخونُكْ
مصيرُ حضارةٍ
بيدَيْكَ يجري
وطَيْشُ دَمٍ..
يُعَقِّلُه جنونُكْ
جراحُ الأرضِ..
مِنْ شرقٍ
وغربٍ
تُضَمِّدُها بقافيةٍ يمينُكْ
وشِبْهُ جزيرةٍ للروحِ غَرْقَى
يُدافعُ عَنْ طفولتِها
يقينُكْ
وقتلَى كلِّ موتٍ فوضويٍّ
تكادُ تحسُّ أعينَهم
تدينُكْ
فصُغْ فُلْكًا من الكلماتِ
يُؤْوي وجودًا
صَارخًا بكَ
يَسْتَعِينُكْ
وَسُقْ للأرضِ
طُوفانًا جديدًا
لعلَّ الكونَ ينقذُه
سفينُكْ.
التعليقات