الأكثر مشاهدة

فاطمة يعقوب خوجة* في عصر العولمة، حيث تتزايد التحديات في الحفاظ على الهوية الثقا …

تعزيز الهوية الوطنية الثقافية عبر أدب الطفل

منذ 4 أشهر

407

0

فاطمة يعقوب خوجة*

في عصر العولمة، حيث تتزايد التحديات في الحفاظ على الهوية الثقافية، يبرز أدب الطفل كوسيلة قوية لتعريف الأجيال الناشئة بتراثهم الثقافي، وقيمهم الأخلاقية والاجتماعية، وتعزيز انتمائهم الوطني. ولأن الكتابة للأطفال مسؤولية كبيرة، فإن دور كتَّاب أدب الطفل لا يقتصر على السرد فقط، بل يتعدى ذلك إلى بناء جسور بين الماضي والحاضر، وتعزيز الوعي بالهوية الوطنية. ما يمنح الأطفال فرصة فريدة لاستكشاف جذورهم الثقافية، وتعزيز احترامهم لتراثهم، وشعورهم بالتميز والانتماء، وذلك من خلال:
١. الانغماس في التراث لخلق محتوى يعكس الهوية الوطنية.

على الكتّاب أن يكونوا قريبين من تراثهم المحلي، ففهمه وإعادة صياغته بطريقة مشوقة للأطفال يساهم في ترسيخ القيم الأصيلة في وجدانهم. يمكن تحقيق ذلك عبر حضور الفعاليات الثقافية التي تنظمها هيئة التراث في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية، والاطلاع على قطاعات التراث مثل الآثار، التراث العمراني، التراث الثقافي غير المادي، والحرف اليدوية. كما يُعد الاستماع إلى روايات كبار السن التي تنقل الحكايات الشعبية والتقاليد الأصيلة وسيلة غنية للإلهام واستلهام قصص جديدة للأطفال.
2. توظيف اللغة بأسلوب يعكس الهوية.
تمثل اللغة أحد أهم عناصر الهوية الثقافية، لذا يحرص كتاب أدب الطفل على استخدام لغة عربية أصيلة، تمتزج بالسياق المحلي دون تعقيد، ما يساعد الأطفال في الارتباط بلغتهم الأم وفهم عمقها وجمالها. كما يمكن توظيف الأمثال الشعبية والتعابير المتداولة لإضفاء طابع محلي يعزز من واقعية القصة وقربها من وجدان الطفل.
3. تقديم شخصيات مستوحاة من البيئة المحلية
تجسيد الشخصيات التي تعكس المجتمع المحلي يعزز شعور الطفل بالانتماء، فعندما يرى الطفل بطل القصة يعيش ظروفًا مشابهة لواقعه ويتحدث بأسلوب مألوف، يشعر بالارتباط العاطفي بالقصة. يمكن أن تشمل الشخصيات المزارع، الحرفي، الجدة التي تسرد القصص، أو الطفل الذي يعيش في بيئة قريبة من بيئته، مما يمنح القصة عمقًا ثقافيًا يرسّخ الهوية الوطنية في ذهن الطفل.
4. تسليط الضوء على القيم الوطنية والمجتمعية
من خلال الحبكات المشوقة والرسائل العميقة، يمكن لأدب الطفل أن ينقل مفاهيم الانتماء والولاء للوطن، وأهمية العمل الجماعي، وقيمة التضحية لأجل الآخرين. يمكن تضمين القيم المستمدة من البيئة المحلية، مثل احترام كبار السن، والتعاون، وحب الأرض، ما يجعل القصة أداة تعليمية تعزز من الهوية الوطنية.
5. الاحتفاء بالمناسبات الوطنية والتراثية. 
يمكن لكتاب أدب الطفل توظيف المناسبات الوطنية والاحتفالات التراثية كإطار زمني للأحداث القصصية، ما يسهم في تعريف الأطفال بتاريخهم الوطني. على سبيل المثال، يمكن أن تدور قصة حول طفل يشارك في احتفال اليوم الوطني، أو عن عائلة تجتمع لتحضير وجبة تراثية في مناسبة محلية، ما يجعل الأطفال أكثر ارتباطًا بهذه القيم والممارسات.
6. التعاون مع الخبراء. 
التواصل مع الأخصائيين والباحثين في مجال التراث يضمن دقة التفاصيل الثقافية والتاريخية في القصص. كما يسهم ذلك في تقديم محتوى غني ومستند إلى الحقائق، مما يعزز مصداقية القصة وقيمتها التعليمية.
7. مراعاة الفئة العمرية. 
صياغة القصة بلغة بسيطة وجذابة تراعي مستوى الفهم لدى الأطفال أمر بالغ الأهمية. استخدام السرد المشوق والحوار الممتع يجعل القصة قريبة من قلوب الأطفال وأكثر تأثيرًا عليهم.
8. إبراز القيم العالمية مع ربطها بالهوية المحلية. 
رغم التركيز على القيم المحلية، فإن ربطها بالقيم الإنسانية المشتركة مثل الصدق، العدالة، والتعاون، يساعد في توسيع أفق الطفل وتعليمه أن هذه القيم تتجاوز الحدود الثقافية، ما يعزز من فهمه للعالم.
في أدب الطفل السعودي هناك عدد من نماذج الكتب التي تبرز الهوية الوطنية وتعكس التراث السعودي، منها:
(بداية المجد) كتاب للأطفال من إصدارات هيئة تطوير بوابة الدرعية. يتناول الكتاب تاريخ تأسيس الدولة السعودية الأولى بأسلوب مبسط جدًا، ويأخذ القارئ في رحلة تبدأ من نجد، مرورًا بالدرعية، وصولًا إلى قصر الإمام محمد بن سعود، ما يمنح الأطفال صورة واضحة عن تاريخ بلادهم. كتبت نصوصه الكاتبة فاطمة خوجة.
ولمكتبة الملك عبدالعزيز العامة إصدارات قيِّمة في هذا المجال، منها:
(يوم بدينا) يصحب الأطفال في رحلة تعود بهم إلى الحياة في الجزيرة العربية قبل ٣٠٠ سنة. للكاتبة جوهرة جاهجاه (يمامة) يروي قصة الملك عبدالعزيز منذ خروجه من الوطن صغيرًا حتى عودته إلى الرياض منتصرًا. للكاتبة زهرة السماري
(العرضة السعودية) و(مرحى للقهوة السعودية) لفاطمة خوجة: يعكسان مظاهر ثقافية أصيلة في المجتمع السعودي.
(الديكوباج بحلة مشرقية) لتغريد العبود، و(صناعة السدو) لفاطمة المطيري: يسلطان الضوء على الحرف اليدوية التقليدية.
(قعود) لنورة الحساوي و(وضحى الفراشة الصحراوية) لأميمة الخميس و(شاهين) و(أحلام برحية) للكاتبة لمى الخيال: تعكس البيئة الطبيعية للمملكة العربية السعودية.
(لا فرق بيننا) لفاطمة خوجة: يعزز مفهوم التنوع الثقافي ضمن المجتمع المحلي.
ختامًا: إن كل قصة تُروى بحب ووعي ثقافي، تترك أثرًا عميقًا في نفس الطفل، وتساعده في بناء هويته والانتماء إلى مجتمعه بثقة وفخر.

 

*كاتبة سعودية في أدب الأطفال
‏@fykhojah

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود