مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

إعدادـ هدى الشهري شاعر عربي سوري، ذو نزعة إنسانية شاملة بمعناها الإبداعي، وهي تب …

عمر أبو ريشة.. الدبلوماسي الثائر

منذ أسبوعين

63

0

إعدادـ هدى الشهري

شاعر عربي سوري، ذو نزعة إنسانية شاملة بمعناها الإبداعي، وهي تبدأ من الإيمان بالوطن وبالأمة وقضاياها، عبر سحر شعره، وقدرته على شحن التراكيب والصور بدفق عاطفي قادر على أن يرفع من حالة التوثب للتحليق مع المعنى.

نشأ متأثرًا بوالديه العاشقين للشعر، حيث كانا يسردان عليه قصائد الإشراق الصوفي، وفي هذا الصدد يقول: «في البيئة المتصوفة، حيث نشأت، أُتيحَ لي الإصغاء، إلى أناشيد لم أكن أسمع مثلها في غير تلك البيئة، فأردّدها من دون أن أدرك أبعاد معانيها».

وهو شاعر الكلمة المترفة، والخيال المجنح والروح السامية، حيث توازنت حياته وشعره وتلازم فيها صفاء الروح ورقة المعنى.

استكمل تعليمه في الجامعة الأميركية، حيث تعرّف إلى أدباء بارزين وعلى رأسهم بشارة الخوري، والذي يُعتبر من أقرب الشعراء إلى نفسه، ثم التحق بجامعة مانشستر وهناك تعرف على الأدب الإنكليزي، وقرأ مؤلفات أهم كُتابه أمثال شكسبير، وميلتون فضلًا عن الشاعر الفرنسي بودلير.

تنوعت أعماله الأدبية بين الشعر والمسرح؛ والتي تتطرّق إلى موضوعات مختلفة مثل الحب والسياسة والقضايا الاجتماعية، ومنها: ديوان “عمر أبو ريشة “، ومجموعة شعرية بعنوان “غنيت في مأتمي”، و”أمرك يا رب”، فضلًا عن مجموعة شعرية اسمها “من وحي المرأة”.

كما ألف مجموعة من المسرحيات أهمها: “ذي قار”، و”سميراميس”، و”تاج محل”، و”أوبريت العذاب”، إضافة إلى بعض الفصول المنشورة من مسرحيتي “محكمة الشعراء” و”الطوفان”، اللتين لم تُنشرا بالكامل.

اتفق النقاد على أن” شعره يعلو في كل مناسبة قومية ووطنية تتلقفه الأسماع، وتحفظه الصدور، وتشدو به الجماهير، وتتنافس في نشره كبريات الصحف والمجلات العربية، ولأنه عربي خالص العروبة يمتلك كل مقوماتها ومزاياها استحق أن يحظى بالمكانة المرموقة، والتكريم الذي يليق بأمثاله من المبدعين العظماء.
قال الدكتور علي عقلة عرسان في يوم رحيله: “أتراهُ ميتًا هذا الناسك في محراب الشعر والعروبة والجمال، أو يمكن أن يموت؟!. إنني أزعم أن ذلك لن يكون ما دامت هناك عروبة، وما دام هناك شعر وجمال”.
أما الدكتور عمر الدقاق، فقد قال: “لم يكن أبو ريشة يومًا الشاعر الأليف الذي يتملق المشاعر والغرائز ليبعث في النفس ذلك الخدر اللذيذ، إنه شاعر العلقم لا شاعر البلسم، وهو جزء عزيز من ذاكرة العرب، ومعلم بارز في عالم الإبداع غنى لجيله آماله وآلامه، وواكب نكباته وأحداثه، فكان شاعر القضية، وشاعر الموقف حين كان شعبه مكبلاً بالسلاسل والقيود، ومثقلاً بالأحزان والهموم”، كما يؤكد الأديب فاضل السباعي أن الله وهبه حنجرة صافية رائقة فملأ الدنيا شجواً وتغريداً، وصاغت له جناحي إبداع، وكستهما بالقوادم والخوافي، فإذا هو يرود السماء تحويماً وتحليقاً،  أما الأستاذ محمود فاخوري فيرى أن مسيرة شهرة الشاعر تقوم على مواقفه المشهودة الجريئة، ونقده اللاذع بشعره لكل من تهادن في قضايا الوطن والأمة، ووجد فيه الأستاذ رياض عبدالله حلاق صوتًا من أصوات الوطنية والقومية العربية، ورائداً مجلياً في هذا الميدان، فاستحق التمجيد والخلود في ضمير أمته التي أحبها وأحبته، وبادلته محبة بمحبة ووفاء بوفاء.

يعتبر الكثير من النقاد أن الشاعر ينتمي إلى الكلاسيكية الجديدة، فقد سار على نهج الشعراء العرب القدماء في التمسك بالشعر العمودي التقليدي، والاعتماد على الصور الشعرية القديمة، لكنه استخدمها للتعبير عن أفكار جديدة، تلامس جوانب الحياة في عصره.

كانت الأمة الإسلامية شغل الشاعر الشاغل، فهو يرى أن المصائب والمحن توحد شمل الشعوب المتفرقة، وقد أكد الشاعر عمر أبو ريشة على وحدة الالام والمشاعر التي تجمع شمل الأمة المسلمة حولها فقال:
لــمـت الآلام مـنــا شــمــلــنــا
ونـمــت مـا بيـنـنـا مـن نـسـب
فــإذا مـصــر أغــانـي جـــلــق
وإذا بـغــداد نــجــوى يــثــرب
بورك الخطب فـكـم لـف عـلـى
سهمه أشتـات شعـب مغضـب

ومن ناحية أخرى، تميزت قصائد أبو ريشة بالنزعة الرومانسية، وهو ما يتناقض مع مضمون الشعر الكلاسيكي الذي كان يعلي من مرتبة العقل والقيم والواجب فوق المشاعر والأحاسيس، وفي ذلك يقول متغزلًا:

قالـت مَلَـلـتُــكَ اذهــب لسـتُ نـادمـــــةً
عـلى فـراقــك.. إنَّ الـحــبَ لـيــسَ لـنـا
سَقيتَـكَ المُـرَّ من كأسـي شفـيـتُ بــها
حقدي عليـكَ.. وما لي عن شقـاك غِنـى
لـن أشتـهــي بعــد هــذا اليــومِ أمـنيــةً
لقـد حمـلـتُ إليهـا النـعــش والـكَـفَــنــا
قـالت.. وقالت.. ولم أهمـس بمسمعهـا
ما ثارَ من غُصَـصي الحَرَّى وما سَكنـا
يمتلك أبو ريشة نظرته الخاصة إلى الطبيعة، وله موقفه الفني منها، فهو يسقط عليها مشاعره، ويتحد بها، كما يمنحها الحياة والقيمة، ولا يتخذها مجرد مادة للتصوير، وهي عنده مصدر تجربة، يستخلص منها خبرة، يلخصها في مقولة، وهي عنده حية متحركة، ولم تكن قط جامدة ساكنة، وقد يتغنى بجمالها، ومن ذلك قوله:
كَنَـرجسـةٍ فـي الحـقــلِ تّلـثُـــمُ سـاقّـهــــا
ثـغــورٌ مــن الأزهــارٍ طَـيِّــبـةُ الـغـــرس ِ
ولكـنَّــهــا… والـكبـــريـــاءُ تَــهُــــزُّهــــا
أبـت أن تَـرَى في غيرِهـا رٍفعـَـةَ الجنـسِ
حَنَــت رأسَهَـــا كيمـَـــا تُـقَـبِّــــل ظِـلَّــهَــا
غُـروراً، فَمَـاتـت وهـيَ محـنـيَّـة الـرَّأسِ!
كتب أبو ريشة الكثير من القصائد التي يظهر فيها الأثر الإسلامي، حيث كتب ملحمة النبيﷺ، والتي يقول فيها:
ضـاق ذرعـاً بهـا النـبـي فـنـادى

فـإذا الصـافـنـات رجـع الـنــداء

وإذا الصيد فوقها يحملون الشـ
ــهـب أسـيـاف نـخــوة شـمــاء

وتخطـاهــم الـنـبـي، فــسـاروا
في ركاب الهـدى إلى الهيجـاء

لم يرقـه سفـك الدمـاء، ولكـن
عجـز الحلـم في انتـزاع الـداء

والتي اختتمها بقوله:
قــد تـرف الحـيـاة بعــد ذبــول
ويلـيـن الــزمـان بـعــد جـفــاء
  ويا لها من خاتمة رائعة لتلك الملحمة، حيث تمنى الشاعر أن تستمر الأمة في تسطير  الانتصارات ومتابعة الفتوحات
.حتى يعم الخير والنور والسلام ربوع العالم
هذا النص سماه شاعره (محمد)، ويقول الدكتور حيدر غدير: أما قصيدة محمد؛ فقد كان دائمًا يضع بجوار عنوان النص هذه الجملة: (مقدمة ملحمة النبي)، وتقع في مئة بيت، وهي على بحر الخفيف الذي يفضله الشاعر ولها روي واحد وهو الهمزة المكسورة المسبوقة بألف ممدودة، والملحمة قصة شعرية بطولية، وهذه القصيدة تجمع من عناصر كلا الفنين؛ الفن الملحمي، والفن القصصي

رافق عمر الأحداث التي عصفت بالأمة العربية منذ الثلاثينيات، فاتّحد ضميره بضمير شعبه، وتطلعات هذا الشعب إلى التحرّر والوحدة واليقظة، وكان من أبرز شعراء جيله في هذا المضمار إن لم يكن أبرزهم إطلاقًا، وهو يُعتبر في هذه المواقف متابعًا لنهج أحمد شوقي وخليل مطران على سهولة تعبير وإشراقة بيان ونبرة شخصية، فلا تكاد تخلو قصيدة ألقاها في مناسبة من التفاتات وطنية وقومية نابعة من رؤية صافية وحسّ مرهف وإيمان عميق، لم تفقده الفواجع التي حلت بالأمة العربية خلال نصف قرن الإيمان بانتصار الحق والثقة بالأجيال العربية الصاعدة، فكان قلبه ينزف دمًا وينبض أملاً في وقت واحد.

استطاع عمر في قصائد المناسبات أن يتجاوز الآني والعرضي وإثارة العواطف الجياشة لينفذ إلى صميم الوجدان القومي والشعور الإنساني في مقاطع طويلة تلتمع فيها أبيات سائرة على ألسنة الشعب، تجمع بين السهولة والإيجاز البليغ وإشراقة البيان هي بين المرقصات المطربات بحسب بعض المقاييس الشعرية القديمة، ولعل أروع ما تحققه قصائده المناسبية تجسيد الموقف والفكرة والعاطفة في لوحات مكتملة العناصر تعتمد الاستعارة والتمثيل والتشبيه المفصل في مجاراة لروائع القصائد الكلاسيكية القديمة في نكهة شخصية مميزة على عذوبة لفظ وسلامة ذوق ونبض حياة دافقة، وخير مثال على ذلك قصيدته الشهيرة”نسر” التي يقول فيها:

أصـبـح الـسفـح مـلعـبـاً للـنـسـور

فـاغضبـي يـا ذرا الجبـال وثوري

إن لـلـجـرح صـيـحـة فـابـعـثـيهـا

فـي سـمـاع الـدنى فحيـح سعـيـر

واطـرحي الكبرياء شلـواً مدمـى

تـحــت أقــدام دهــرك الســكـيــر

وقد أقام عمرُ قصيدته هذه على مزاوجة ناجحة بين إيقاع الشعر القديم، وطرافة المعجم الشعري، وحداثة الصور والمجاز، كما جاءت القافية المنتقاة، لتعطيه مدىً رحباً لتحقيق الجلجلة، والمدى الممتد الذي يريده لصوته/صوت الحاكي: الراء المكسورة “ثوري ي ي.. سعيرِ رِ رِ… عصورِ رِ…”. 

لقد كان للعمل الدبلوماسي في عدة بلدان، دوره الكبير في تنويع مصادر ثقافة الشاعر، ما مكنه من التعرف على ثقافات البلدان الأخرى واكتساب المعرفة منها،  إضافة إلى البيئة الصوفية، والأدب الإنكليزي.

ولنا وقفة في الختام مع قصيدة “عرس المجد”، التي أنشدها في ذكرى جلاء الفرنسيين عن بلاده، التي يقول فيها:

يـا عـروس المجـد تيهي واسحبـي

فــي مــغـانيـنـا ذيـــول الــشــهـــب

لـــن تـــري حــفنـة رمــل فـوقـهــا

لـــم تـــعــطــر بــدمـــا حـــر أبـــيّ

درج الـبـــغــي عــلـيـهــا حــقــبــة

وهــــــو ى دون بــــــلــــوغ الأرب

وارتــمـى كـبـر الـلـيـالــي دونـهـــا

لــيــن الــنـاب كــليــل الـمــخــلـــب

لا يـــموت الــحـق مهـمـا لــطـمــت

عـــارضيـه قـــبضـة المغـتــصـــب

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود