سهام السعيد*

من العجب العجاب أن تحلّق رغباتنا بأجنحة الجشع آملة من المولى عزّ وعلا أن ينعم علينا بمدينةٍ فاضلةٍ تُغرِقُنا بالنّعيم… وتُمطرُ علينا الامتيازات… فهلّا تنبّهنا إلى أنّ المدينة الفاضلة لكي تكون لنا تتطلّب منّا أن نتمسّك بالفضيلة… ونكثر من الفضائل… لا أن نستجديها دون أن نجهد أنفسنا في تدعيم ركائزها.

المدينة الفاضلة يا سادة! تحتاج إلى أفاضل يؤسّسون بنيانها… ويُعلون صروحها… أفاضل بضمير حيٌ ينهاهم عن الأخطاء… ويبعدهم عن التّجاوزات… ويحثّهم على الاستقامة.
المدينة الفاضلة الّتي نلهث خلفها تتطلّب من كلّ واحد منّا أن يكون رقيبًا على ذاته دون أن ينتظر رقابة أحد… أن يقوّم ما في أفعاله من اعوجاج ويُصلح ما في طبعه من تج*اوزات… ويمهّد لنفسه الطّريق نحو الاستقامة بإرادةٍ ذاتيٌة دون تَأَثّرٍ بلومك لائم… نحن لسنا أهلًا لمدينة فاضلة عندما يُحلّل السّارق مال غيره لمجرّد انتهازه فرصة قدرته على ذلك… وأنْ يستغلّ القويّ الضّعيف لمجرّد امتلاكه أدوات القوّة بعيدًا عن منطق العدالة… نحن لسنا أهلا لمدينة فاضلة ما دمنا ننصر الباطل حين يرجّح مصلحتنا بغضّ النّظر ما إذا كانت هذه المصلحة من حقّنا أم انتهاكا لحقّ غيرنا… ما دمنا نحلّل الكذب حين يُنجينا من مأزق المساءلة… ونُجرِّم الصّدق حين يُعرّي أخطاءنا… المدينة الفاضلة يا سادة تتطلّب منّا أن نكون جديرين بها… وأهلًا لحمل لوائها… أن نرفض الظّلم ونحارب الظّالمين… أن نُعلي البناء ونُقزّم المتقاعسين… أن نكون اليد النّظيفة حين تعمل والنّفس الطّيّبة حين تتعامل… والسّيرة الحسنة حين تذكرنا المجالس… فلا تفاضل بيننا إلا بنبيل الفعل وصادق القول وحسن النِّوايا.
المدينة الفاضلة لن تكون ما دام الأخ يأكل لحم أخيه ولا يكره بل يستسيييغ… ما دام المتنفّع يترصّد المنفعة وإن كانت في فم جائع… وكانز الأموال يسعى لزيادة حسابه المصرفيّ وإن كان من كدّ مسكين… وما زلت أيّها الواهم تتضرّع للّه أن يكرمك بمدينة فاضلةٍ تغوص في نعيمها؟!
أنّى لك ذاك… والشّيطان قد أغواك؟!

* كاتبة سورية