مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

   سعد الساعدي* ليست المملكة العربية السعودية مجردَ موقعٍ على خريطة العالم، بل ه …

المملكة.. حكاية أرض بين نداء التاريخ وصَرْح المُستقبل

منذ شهر واحد

19

0

   سعد الساعدي*

ليست المملكة العربية السعودية مجردَ موقعٍ على خريطة العالم، بل هي حكايةٌ تُروى. حكاية تبدأ بلغة الصحراء الصامتة، بلغة الرمال الذهبية التي تحمل في ذراتها أنفاس القوافل، وهمسات الحجاج، وأسرار ممالكَ اندثرت ولم تندثر روحها. إنها أرض التضادّ العظيم، حيث يلتقي عمقُ الماضي اللا متناهي بجرأةِ مستقبلٍ يلمع في سماء الصحراء نجومًا من مصابيح واعدة.

هنا، حيث تتنفس الأرض تاريخًا. في مدائن صالح، تسرد الصخورُ المنحوتة بلغة الثموديين حكايات العزّة والتجارة. وفي شوارع قراها العتيقة، لا تزال جدران الطين تحمل همسًا من همسات الدولة السعودية الأولى، تروي لزائريها قصة كفاح وإيمان ووحدة. ومكة المكرمة والمدينة المنورة، هما قبلتا العالم الإسلامي وقلبُه النابض، حيث يذوب في حرمهما الشريف تنوعُ البشر في بوتقة الإيمان، في مشهدٍ يتكرر منذ قرون ولا يفقد شيئًا من روحانيته الأبدية.

لكن هذه الأرض لا تعيش على ذاكرة الماضي وحده. فإذا كانت الرمال تحكي عن الأمجاد، فإن الأفق اليوم يحكي عن المعجزات. لقد انبعث من صحراء الربع الخالي ليس فقط نسيم الشتاء، بل نسيمُ ثورةٍ تنموية هادئة. لم تعد المملكة تُعرف فقط بكنوز الأرض من ذهبٍ أسود، بل بكنوز العقول التي تبني في الصحراء مدنًا ذكية تلامس الغيم، وتسترجع من قاع البحر الأحمر عالمًا من الحياة والجمال، وتخطّط لمدن مستقبلية مائزة حيث يصبح الخيالُ واقعًا ملموسًا.

والأجمل من الحجر والبترول، هو الإنسان.. هو ذلك السعودي الذي يحمل في قلبه كرمَ البادية الأصيل، وفي عقله فضولَ المطلع على العالم. الفتاة التي تروي قصتها بلغة العلم والطموح، والشاب الذي يقود التغيير من داخل مختبرات الابتكار ووحدات الفنون. لقد تحول المجتمع، كالفراشة الجميلة، من شرنقة المحدود إلى فضاءات الإبداع والانفتاح، محتفظًا بجذوره وهوّيته كشجرة نخيلٍ باسقة، تمتد جذورها في عمق الأرض، بينما تعلو سعفاتها نحو السماء.

العربية السعودية اليوم هي لوحة فنية لم يكتمل رسمها بعد.. فيها لون صفاء التراب، ولون زرقة الخليج والبحر الأحمر، ولون أخضر يكسوها أملًا ونهضة، ولون ذهبي لمستقبلٍ ترسمه أيادي أبنائها بثقة وإرادة.. هي جسرٌ ثقافي واقتصادي يربط الشرق بالغرب، والتقليد بالحداثة، والدين بالحياة.

هي، في النهاية، ليست مجرد دولة ناشئة، بل هي قصةُ تحولٍ إنسانيّ فذّ، تثبت أن أعظم الحكايات هي تلك التي تُكتب على الرمال، ولا يسهل على الريح محوها، لكن الإرادة تصنع منها صروحًا تتحدى الزمن.

*كاتب وناقد عراقي.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود