الأكثر مشاهدة

بقلم: محمد نبراس العميسي*  يعد كتاب «النظرات» للكاتب مصطفى لطفي المنفلوطي واحدًا …

بين الحزن والفضيلة.. قراءة في «النظرات» للمنفلوطي

منذ 4 أيام

19

0

بقلم: محمد نبراس العميسي* 

يعد كتاب «النظرات» للكاتب مصطفى لطفي المنفلوطي واحدًا من أبرز الأعمال الأدبية التي تجمع بين صفاء اللغة وصدق الشعور.. في صفحاته تتجلى ملامح إنسانية خالصة، إذ يمزج المنفلوطي بين الحزن كظل يرافق الحياة، والفضيلة كمنارة تهدي الإنسان في عتمته.

يمتاز أسلوب المنفلوطي بلغة رشيقة، عذبة، مشبعة بالإحساس المرهف، حتى ليخيّل للقارئ أنه لا يقرأ كلمات مطبوعة، بل يسمع أنينًا داخليًا يخرج من قلب مثقل بالتجارب. كثير من مقالاته تصور مواقف حياتية عادية، لكنها تنقلب بين يديه إلى لوحات فلسفية عميقة، يتأمل من خلالها معنى الوجود الإنساني، ووجع الفقد، وقيمة الصدق في حياة مليئة بالزيف.

لا يكتفي المنفلوطي بعرض الأحزان، بل يجعل منها جسورًا تعبر نحو الفضيلة.. إنه يعلّم القارئ أن الألم ليس ضعفًا، بل تجربة تعمّق الوعي وتجعل الروح أكثر قدرة على فهم الآخرين. في كل مقالة من النظرات يتردّد صدى الحكمة: أن الإنسان بلا فضيلة، وإن غرق في الملذات، سيبقى ناقصًا ومفتقرًا إلى جوهره الحقيقي.

بين المجلدات الثلاثة، ينتقل القارئ في المجلد الأول إلى معالجة قضايا المجتمع العربي والإسلامي، حيث يواجه المنفلوطي الخرافات ويدعو إلى الإصلاح والتمسك بجوهر الأخلاق.. ثم يغوص المجلد الثاني في تجربته الذاتية، كاشفًا عن فلسفة شخصية ترى أن معنى الحياة لا يتحقق إلا بعيش التجربة الخاصة، بعيدًا عن قيود المجتمع.. أما المجلد الثالث فيمثل صوته الأعلى في النقد، إذ يناقش فيه حال الأدباء والمثقفين، وينبه إلى خطورة الجمود الأدبي والديني، داعيًا إلى التجديد مع الحفاظ على أصالة اللغة والروح.

وأنا أطوي آخر صفحة من الكتاب، شعرت أني مررت بتجربة عاطفية وفكرية تركت في نفسي أثرًا لا يمحى.. أكثر ما شدّني هو صدق المنفلوطي في حزنه وشفافيته في التعبير عن الألم الإنساني؛ شعرت أنه يكتب عنّي وعن كل إنسان يتأرجح بين الأمل واليأس.

أما بخصوص الدرس الأهم الذي خرجت به، فهو أن الحياة ليست كاملة ولن تكون، لكن الفضيلة والصدق مع النفس هما ما يمنحاننا القدرة على الاستمرار، حتى لو تعثرنا في الطريق. المنفلوطي علّمني أن الكتابة ليست زخرفًا للغة، بل شهادة إنسانية على صراع الروح مع واقعها، وأن الأدب الحق لا يُكتب ليمضي، بل ليبقى في وجدان قارئٍ يتلمس فيه ذاته.

*كاتب من اليمن

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود